البرهان يهزم نفسه، لأنه ظل على الدوام يمارس سياسة الهرب من مواجهة الحقيقة. تحقيق الانتصار يتطلب شجاعة أخلاقية ووضوحاً سياسياً، لكنه سار في ذات الدرب، تماماً كما فعل الكيزان من قبله. هذا الهروب ليس مجرد مناورة سياسية، بل هو تعبير صارخ عن أزمة وجودية، تكشف أن من يرفض مواجهة الواقع يهزم نفسه قبل أن يهزمه الآخرون. منذ إنقلاب 25 أكتوبر 2021، أعاد البرهان إنتاج نفس العقلية التي حكمت السودان منذ إنقلاب 1989: عقلية الإنكار، التسلط، وتضييق الواسعة. لقد راهن على القوة العسكرية كوسيلة للحكم، متجاهلًا أن الإنقلابات العسكرية لا تبني أوطاناً، بل تهدمها. وهذا الرهان، كما أثبت التاريخ، هو غباء سياسي وأخلاقي، دفع الشعب السوداني ثمنه دماً ودموعاً. الإنقلابات العسكرية ليست فقط خروجاً على الدستور، بل هي خروج على نواميس الكون التي تُكرم الإنسان وتمنحه الحق في الحرية والعدالة والمساواة. من يختار الإنقلاب العسكري يختار السير عكس تيار الحياة، وهذا ما فعله البرهان، وما فعله الكيزان قبله. لقد ضيقوا الواسعة، لا على أنفسهم فقط، بل على شعب بأكمله، وهذا ما يناقض جوهر الدين الإسلامي الذي يوقر كرامة الإنسان ويؤسس للعدل والمساواة. من المفارقات المؤلمة أن من يدّعي الدفاع عن الدين، يمارس أبشع صور الظلم باسمه. الإسلام، في جوهره، لا يبرر الانقلابات ولا يقبل التسلط. بل هو دين الحرية، دين الشورى، دين العدالة. فكيف لمن يرفع شعاراته أن يسحق إرادة الناس ويمنعهم من اختيار مصيرهم؟ هذا هو النفاق بعينه، وهو ما دفع السودان إلى حافة الانهيار. لقد دفع الشعب السوداني ثمن غباء الكيزان ملايين الأرواح، مليارات الدولارات، وسنوات من المعاناة. الحرب الدائرة اليوم ليست إلا نتيجة طبيعية لمكرهم وتآمرهم، لكنهم نسوا أن لكل فعل ردة فعل، وأن من يزرع القهر سيحصد الغضب. البرهان، بتكراره لنفس الأخطاء، لا يورط نفسه فقط، بل يورط مستقبل السودان بأكمله. الأزمة السياسية في السودان ليست لغزاً غامضاً، بل هي نتيجة مباشرة للإنقلاب على إرادة الشعب، وتجاهل متعمد لقيم ودور الحرية والعدالة والمساواة في تطور الدولة والمجتمع. الأسباب واضحة وضوح الشمس، غياب القيادة الأخلاقية، تغوّل العسكر، وتواطؤ الإنتهازيين وحركات الإرتزاق. لذلك، فإن الاستمرار في سياسة اللف والدوران، وتجاهل الحقيقة، لا يؤدي إلا إلى تعميق الجراح وتوسيع دائرة الإنهيار. على البرهان، ومن معه، أن يواجهوا الحقيقة كما هي، لا كما يتمنونها. فالمواجهة الصادقة، مهما كانت مؤلمة، تفتح البصيرة وتمنح الإنسان راحة نفسية، لأنها تضعه في إنسجام مع الواقع ومع ذاته. أما المكابرة، فهي طريق مسدود، حتى داخل معسكر داعمي الحرب من الكيزان والحركات المرتزقة، الذين بدأوا يشعرون بثقل الكلفة الأخلاقية والسياسية لانحيازهم إلى الباطل. الوقت لا يحتمل المزيد من الدوران في الحلقة المفرغة. السودان يحتاج إلى شجاعة الاعتراف، لا إلى مراوغة الإنكار.
لا مخرج من نفق الأزمة إلا بالصدق، بالنزاهة، بالشفافية. لا يمكن بناء وطن بالخداع واللف والدوران والمراوغة. السودان يستحق قيادة أخلاقية، تؤمن بالحرية، تحترم العدالة، وتكرّم الإنسان. أما من يهرب من الحقيقة، فمصيره الهزيمة، مهما طال الزمن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الطيب الزين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست