يمثل كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال والحزب الشيوعي السوداني ركيزتين أساسيتين في المشهد السياسي السوداني، وإن اختلفت منطلقاتهما الفكرية والتاريخية. كلاهما يحمل إرثاً من النضال ضد الدولة المركزية المستبدة، وضد هيمنة الإسلام السياسي على مفاصل السلطة منذ عقود. غير أن المسارات بينهما لم تخلُ من التناقضات، الأمر الذي يجعل العلاقة بين الطرفين مزيجاً من الالتقاء والتنافر، ومن الشراكة المرحلية والصراع المؤجل. تقاطعات في الرؤية: نقد الدولة الدينية
يلتقي الحزب الشيوعي والحركة الشعبية – خاصة جناح عبد العزيز الحلو – في رفضهما الصارم لمشروع الدولة الدينية. فالحزب يرى أن الإسلام السياسي كان المدخل الأساسي لإقامة نظام استبدادي فاسد صادر الحريات وكرس القمع، فيما يضع الحلو العلمانية الصارمة وحق تقرير المصير كشرطين غير قابلين للتفاوض. هذا الموقف التقاطعي جعل الطرفين يُنظر إليهما كأقوى التيارات المعارضة لأي محاولة لإعادة إنتاج "الدولة الإسلاموية" بعد سقوط نظام البشير. مسارات متباينة- ما بين التسوية والراديكالية رغم هذا الالتقاء، برزت التباينات في الموقف من التحالفات السياسية: الحزب الشيوعي انسحب مبكراً من قوى الحرية والتغيير، متهماً أطرافها بالانخراط في تسويات مع العسكر. الحركة الشعبية – عقار، على النقيض، وقعت اتفاق جوبا ودخلت في شراكة مع المكون العسكري، ما اعتبره الشيوعيون تفريطاً في شعارات الثورة. جناح الحلو بقي خارج هذه التسويات، لكنه ظل متمسكاً بمطالبه القصوى، وهو ما جعله قريباً من خطاب الحزب الشيوعي، وإن اختلف عنه في الوسائل واللغة السياسية. المآلات - العزلة أم الجبهة العريضة؟ في ضوء الحرب الحالية التي أعادت تشكيل الخريطة السياسية، تقف هذه القوى أمام ثلاثة سيناريوهات: الاستمرار في العزلة: إذا تمسك كل طرف بمطالبه القصوى دون تنازل، فسيجد كل منهما نفسه في معسكر ضيق، بعيداً عن موازين القوى الفعلية. الجبهة العريضة: إمكانية أن يلتقيا – مع قوى مدنية ومسلحة أخرى – في تحالف ضد الإسلاميين والعسكر، خاصة بعد الكلفة الفادحة للحرب وانكشاف عجز النخب التقليدية. الانقسام الداخلي: كلا الطرفين يواجه خطر الانقسام؛ الشيوعي بسبب ضعف قاعدته الجماهيرية في ظل استقطاب حركات الهامش، والحركة الشعبية بسبب ثنائية الحلو/عقار واختلاف أجندتهما. المستقبل واقعية جديدة أم شعارات قديمة؟ الحرب فرضت معادلة مختلفة قد تدفع الطرفين إلى إعادة حساباتهما. الحزب الشيوعي ربما يجد نفسه مضطراً للانفتاح على قضايا الهامش بشكل أعمق، بينما قد تتجه الحركة الشعبية إلى مقاربة أكثر مرونة في ملف الهوية والعلمانية حتى لا تعزل نفسها عن أي تسوية سياسية محتملة. المستقبل إذن مرهون بمدى قدرة هذه القوى على تجاوز إرث الشكوك المتبادلة وبناء مشروع سياسي مشترك يعيد تعريف الدولة السودانية على أسس جديدة.
ا*لعلاقة بين الحزب الشيوعي والحركة الشعبية ليست تحالفاً كاملاً ولا خصومة مطلقة، بل هي ساحة مفتوحة لصراع فكري وسياسي قد يفضي إما إلى عزلة متبادلة أو إلى تحالف وطني واسع يغير وجه السودان. والسؤال الجوهري الذي يظل معلقاً: هل ينتصر المنظور البراغماتي الذي تفرضه الحرب، أم تظل الشعارات القصوى عقبة أمام بناء جبهة سودانية جديدة؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة