لا شرعية للقتل خارج القانون: "جريمة الفاشر" وامتحان مشروع التأسيس
18/8/2025 خالد كودي
تداولت الأسافير مؤخرا فيديو صادم وثّق جريمة تصفية بدم بارد لمواطن أعزل عرّف نفسه باسم محمد، وهو صنايعي وصاحب مطعم في مدينة الفاشر، ينتمي إلى قبيلة البرتي علي حد قوله. كان المشهد جليّاً: رجل لا يحمل سلاحاً، في وضع استسلام كامل، يُستجوب أمام الكاميرا ثم يُطلق عليه الجاني المسلّح الرصاص مرات عدة، في فعل يختزل المأساة السودانية منذ الاستقلال: دولة تتأسس على إهدار حياة مواطنيها، واستسهال القتل بلا محاسبة. هذه الحادثة ليست مجرد واقعة فردية، بل اختبار حقيقي لتحالف تأسيس، الذي أعلن ميثاقه ودستوره بوضوح أنّه جاء ليكسر حلقة الدم ويؤسس لدولة جديدة قاعدتها حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان.
أولاً: الأساس الأخلاقي والقانوني: ينص ميثاق تأسيس والدستور الانتقالي (2025) على القيم الاتية: - الالتزام الصارم بالقانون الدولي الإنساني - احترام حقوق الأسرى، وحظر التصفية أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية - عدم جواز القتل خارج القانون تحت أي ظرف - مبدأ العدالة وعدم الإفلات من العقاب كشرط لبناء دولة جديدة وبناءً على هذه النصوص، فإن ما جرى في الفاشر لا يمثل التحالف بل يمثل خرقاً صريحاً لروحه ومبادئه. والموقف الأخلاقي والقانوني والسياسي الصحيح هو: - الإدانة الصريحة والواضحة لهذه الجريمة - التحقيق العلني والفوري فيها، دون إبطاء أو تبرير - محاكمة الجاني وفق القانون، ليعلم الجميع أن مشروع السودان الجديد لا يتساهل مع القتل خارج القانون
ثانياً: تفنيد محاولات استغلال الحادثة: من يسعى إلى النيل من تحالف تأسيس من خلال هذه الجريمة، يتجاهل حقيقة أساسية: التحالف لم يُبْنَ على القتل أو تصفية المدنيين، بل على حماية الناس، خصوصاً مواطني الهامش الذين دفعوا ثمن التهميش والقتل لعقود. إنّها مفارقة أن تُستَخدم جريمة فردية لتبرير استمرار الدولة القديمة التي كانت هي ذاتها دولة المجازر (العيلفون، بورتسودان، كجبار، دارفور، وجريمة فض الاعتصام.) المطلوب ليس التبرير أو التملّص، بل التحمّل المسؤول: إذا أراد التحالف أن يثبت جديته، فعليه أن يكون أول من يرفع صوته ضد هذه الجريمة، ليبرهن أنه بديل لدولة الإفلات من العقاب، لا امتداد لها.
ثالثاً: سياق تاريخي – دولة قائمة على إهدار الحياة: منذ الاستقلال، تعاملت الدولة المركزية مع حياة مواطني الهامش كأنها بلا قيمة - في الجنوب: سياسة الأرض المحروقة - في جبال النوبة ودارفور: القصف الجوي للقرى - في الشمال والشرق: قتل المتظاهرين في بورتسودان وكجبار - في الخرطوم: مجزرة القيادة العامة هذا التاريخ الطويل من الدم هو ما أشعل ثورات الهامش، التي طالبت أول ما طالبت بالعدالة التاريخية وإنهاء ثقافة القتل بلا حساب ثم الإفلات من العقاب.
رابعاً: رسالة مباشرة إلى جنود الدعم السريع وبقية القوى المنخرطة في تحالف تأسيس: على المقاتلين أن يعوا بوضوح: - لا أحد سيتحالف معهم على تصفية الأسرى أو قتل المدنيين العزّل او يصمت ويغطي علي أي جريمة. - أي تجاوز لحقوق الإنسان هو طعنة في ظهر مشروع السودان الجديد - حماية المدنيين ليست خياراً تكتيكياً بل هي أساس الشرعية الأخلاقية والسياسية - الجندي الذي يقتل أسيراً أو مدنياً يضع نفسه في صف أعداء الثورة، لا في صفها ويجب ان يحاسب
اخيرا: امتحان تأسيس: إن جريمة تصفية المواطن الأعزل المنتشرة في الاسافير تمثل امتحاناً جاداً لتحالف تأسيس. فإما أن يثبت التحالف صدقه وجديته بالتحقيق العلني والمحاسبة الفورية، وإما أن يتورّط في إعادة إنتاج الدولة القديمة التي كرّست الإفلات من العقاب. الثورة السودانية لم تُقدَّم دماء شهداء السودان الجديد لكي تُستبدل دولة القتل بدولة قتل أخرى. إنّما أُريقت الدماء من أجل تأسيس سودان جديد، تُصان فيه الحياة وتُقدّس فيه العدالة.
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة