قراءة أنثروبولوجية وفلسفية في صراع البرهان وحميدتي كتبه الطيب الزين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 10-20-2025, 11:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-18-2025, 01:51 PM

الطيب الزين
<aالطيب الزين
تاريخ التسجيل: 12-09-2013
مجموع المشاركات: 968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قراءة أنثروبولوجية وفلسفية في صراع البرهان وحميدتي كتبه الطيب الزين

    01:51 PM August, 18 2025

    سودانيز اون لاين
    الطيب الزين-السويد
    مكتبتى
    رابط مختصر





    الحرب الدائرة اليوم في السودان ليست مجرد تنازع بين جنرالين، بل هي تعبير عن مواجهة بنيوية بين نموذجين متناقضين: السودان القديم القائم على الاستبداد والغنيمة، والسودان الجديد الذي يحلم به المهمشون، دعاة العدالة، وقوى التغيير. هذا الصراع لا يُفهم إلا من خلال قراءة عميقة في البنية التاريخية للدولة السودانية، وتشريح طبقاتها الاجتماعية، وتفكيك رموزها الأيديولوجية، من الطائفية إلى الإسلاموية، ومن المركز إلى الهامش، ومن الأيديولوجيا إلى الحلم الشعبي.
    منذ استقلال السودان عام 1956، تشكّلت بنية الدولة على أسس طائفية وإقصائية، حيث احتكرت أسرتا المهدي وعلي المرغني النفوذ السياسي والاجتماعي، مستندتين إلى خطاب ديني تعبوي ذي طابع أبوي. هذا النموذج الطائفي لم يكن مجرد تمثيل سياسي، بل كان تعبيرًا عن بنية أنثروبولوجية ترى في الزعامة الروحية والسياسية امتداداً للسلطة الرمزية. وقد ساهم هذا الاحتكار في تهميش قطاعات واسعة من المجتمع، خاصة تلك التي تنتمي إلى الهامش الجغرافي والاجتماعي، وأعاق نشوء دولة مدنية ديمقراطية تحتفي بالتنوع وتؤسس للعدالة الاجتماعية.
    في العقود الأولى بعد الاستقلال، نشأ صراع بين القوى الطائفية المحافظة وبين تيارات التنوير والحداثة، التي مثّلها قادة مثل إسماعيل الأزهري، محمد أحمد محجوب، وقيادات الحزب الشيوعي السوداني كعبد الخالق محجوب، أحمد الشيخ، فاروق حمد الله، بابكر النور، وجوزيف قرنق. هذه القوى كانت تسعى إلى بناء دولة حديثة قائمة على العدالة الاجتماعية، لكنها كانت مرتبطة بأيديولوجيات صارمة، ما جعلها في كثير من الأحيان عاجزة عن مخاطبة الوجدان الشعبي أو بناء تحالفات عابرة للانتماءات الفكرية. وقد تم محاصرتها عبر تحالفات داخلية وخارجية، ما أدى إلى إجهاض مشروع الدولة المدنية.
    في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ظهر تيار الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي، ليزيد المشهد السياسي تعقيدًا. هذا التيار لم يسع فقط إلى منافسة الطائفتين التقليديتين، بل عمل على وراثتهما، مستخدما خطابا دينيا أكثر تنظيرا وتجهيلاً وتضليلا، وأشد عدوانية تجاه القوى الثورية المستنيرة. وقد ساهم في محاربة كل مشروع تنويري، بل حتى القوى الثورية ذاتها كانت في كثير من الأحيان مرتبطة بأيديولوجيات جامدة، ما شكّل عبئا على نضال الحركة الجماهيرية السودانية، وأعاق قدرتها على بناء جبهة وطنية عابرة للانتماءات الفكرية.
    في ظل الحرب الباردة، تحوّل السودان إلى ساحة تنافس بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي. كلا المعسكرين سعى لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوى الاستعمارية، ما أدى إلى توظيف الجيش السوداني كأداة لقطع الطريق على تطور الحراك الاجتماعي والسياسي. هذا التدخل الخارجي عمّق الانقسامات الداخلية، وأعاد إنتاج الدولة كغنيمة تُدار عبر الانقلابات العسكرية، لا كمؤسسة تعكس الإرادة الشعبية.
    منذ انقلاب 1958، أصبح الجيش السوداني أداة مركزية في إعادة إنتاج السلطة، وتم توظيفه لإجهاض أي مشروع ديمقراطي أو مدني. هذا التوظيف البنيوي للجيش ساهم في ترسيخ منطق الغنيمة، حيث تُدار الدولة كمورد للنهب، وليس كمؤسسة لخدمة الشعب. وقد تحوّل الجيش إلى بنية فوقية تحكم باسم الأمن، لكنها تعيد إنتاج الاستبداد والفساد والظلم.
    البرهان يمثل الامتداد البنيوي الفاسد للدولة السودانية المأزومة، التي زادت أزمتها في عهد نظام الإنقاذ، الذي كان البرهان وما زال جزءا أساسيا من تركيبته السياسية والاجتماعية. ينتمي إلى الطبقة التي استفادت من دولة ما بعد الاستقلال، ويصر على إعادة إنتاج السودان القديم القائم على الانقلابات العسكرية ومنطق الغنيمة. يرفض تسليم السلطة للمدنيين، ويعمل على حماية مصالح النخب التقليدية.
    أما محمد حمدان دقلو "حميدتي"، فرغم مشاركته في نظام الإنقاذ، لم يكن جزءا من بنيته الاجتماعية والسياسية. ينتمي إلى وسط اجتماعي مهمّش تاريخيا، ولذلك عبّر في خطابه السياسي عن رفضه لاستمرار السودان القديم. بعد ثورة ديسمبر المجيدة، تصدّر حميدتي المشهد السياسي، وساهم في صياغة مشروع وطني جديد غير مقيد بحبال الأيديولوجيا، ما أتاح التوصل إلى وثيقة سياسية ودستورية انتقالية خاطبت جذور الأزمة الوطنية، وفتحت الباب أمام تأسيس دولة مدنية قائمة على المواطنة والعدالة.
    الصراع بين البرهان وحميدتي ليس مجرد تنازع على السلطة، بل هو تعبير عن صراع بنيوي بين نموذجين. الأول هو نموذج السودان القديم، القائم على الاستبداد والفساد والطائفية، والثاني هو نموذج السودان الجديد، الذي يسعى إلى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تحتفي بالتنوع وتُرسّخ العدالة الاجتماعية.
    هذا الصراع تفجر نتيجة رفض البرهان تسليم السلطة، وتمسك حميدتي بضرورة الانتقال المدني الديمقراطي، ما أدى إلى انفجار المواجهة المسلحة. لكنه أيضا كشف عن تحوّل في الوعي السياسي، حيث باتت الجماهير أكثر قدرة على التمييز بين من يسعى لإعادة إنتاج الماضي، ومن يطمح لتأسيس مستقبل جديد.
    ليست هذه الحرب مجرد فصل دموي في تاريخ السودان، بل هي لحظة إختبار للوعي الجمعي، ولإرادة التغيير التي نمت في الهامش وتغذت من الألم. إنها معركة أنثروبولوجية بامتياز، بين رموز السلطة القديمة التي تستمد شرعيتها من التاريخ المغلق، وبين قوى جديدة تسعى لفتح التاريخ على احتمالات العدالة والكرامة.

    إن فهم أبعاد هذا الصراع، تاريخيا واجتماعيا، يُعد أمرا جوهريا في تحديد الموقف الصحيح. فالمعركة ليست بين أفراد، بل بين مشروعين متناقضين: أحدهما يسعى لإعادة إنتاج الاستبداد، والآخر يطمح لبناء وطن عادل، حر، ومتعدد.
    السودان اليوم يقف على مفترق طرق، حيث لا يكفي الحلم وحده، بل لا بد من وضوح الرؤية، وجرأة الموقف، واستنهاض الوجدان الشعبي لصياغة مستقبل لا يُدار بالبندقية، بل يُبنى بالمعرفة والوعي والحرية.
    هذا الأمل والبصيص يتجسد في حكومة تأسيس، التي تمثل الأمل الحقيقي، والفرصة الأخيرة التي يجب أن لا نفرط فيها.

    الطيب الزين























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de