منذ استقلال السودان لم يكن الجيش كما حلم به الشعب مؤسسة وطنية تحمي الديمقراطية وتصون السيادة بل كان في أغلب مراحله أداة هدم داخلي تقوض كل محاولة لبناء دولة مدنية حديثة. بدأت هذه السلسلة من الانقلابات بانقلاب الفريق إبراهيم عبود عام 1958 حين قرر الجيش أن يكون وصياً على الشعب لا حامياً له. ثم جاء انقلاب جعفر النميري عام 1969 ليؤسس مرحلة جديدة من القمع تحت شعارات ثورية لم تكن سوى غطاء لسلطة فردية مستبدة. وفي عام 1989 بلغ الانحراف مداه بانقلاب عمر البشير الذي سلّم الجيش بالكامل لتنظيم الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي في واحدة من أكثر مراحل السودان ظلماً ودموية. اليوم يعيش السودان تحت قبضة عبد الفتاح البرهان الذي أعاد إنتاج الخراب بلغة جديدة تتحدث عن السيادة والجيش الوطني وحماية الدولة بينما الواقع يقول إنه يواصل الدور ذاته الذي مارسه من سبقوه. لم يكن الجيش في أي من هذه المراحل حامياً للدولة بل كان أداة لتفكيكها من الداخل وتكريس الحكم الفردي وإجهاض كل مشروع وطني يسعى لبناء مؤسسات ديمقراطية حديثة. حتى حسن الترابي الذي هندس انقلاب 1989 ذرف دموع الندم لاحقاً حين تجرع من ذات الكأس المر الذي سقاه للشعب. أدرك متأخراً أن الجيش الذي ظن أنه سيحمي مشروعه انقلب عليه كما انقلب على كل من سبقه. لكن دموع الترابي لم تكن كافية لإصلاح ما أفسده تحالف العسكر والإخوان. فقد خلف هذا التحالف دولة منهوبة وشعباً مسحوقاً وثورة تُغتال كلما اقتربت من النصر. السودان لا ينهض إلا بقيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة تحكمها المؤسسات ويقودها القانون وتُبنى على أساس العلم والمعرفة لا على عنتريات العسكر ولا على فتاوى علماء السلطان. لا شراكة مع الهدم ولا معنى لشعار الجيش للثكنات ما لم يؤسس جيش وطني مهني منزوع الولاء للأيديولوجيا والطغيان. الجيش المختطف ليس شريكاً في البناء بل خصماً له ولا يمكن أن تُبنى دولة على أنقاض الديمقراطية ولا أن يُكتب دستور تحت تهديد البنادق. المطلوب تأسيس جيش وطني مهني يحترم الدستور ويخضع لإرادة الشعب السوداني وليس وصياً عليه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الطيب الزين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست