في رحابِ "شركاءِ السلامِ"، تبرزُ قضيةٌ جوهريةٌ تستدعي نقاشاً عميقاً وجاداً، ألا وهيَ مستقبلُ جيلٍ أفنى زهرةَ شبابِهِ في سبيلِ تحقيقِ أهدافِ الثورةِ وغاياتِها النبيلةِ. على مدى عقدينِ من الزمانِ، كرّسَ هؤلاءِ الشبابُ حياتَهُمْ لنشرِ قيمِ الحريةِ والسلامِ والعدلِ، ولترسيخِ مبادئِ المواطنةِ المتساويةِ بلا تمييزٍ، وتكافؤِ الفرصِ للجميعِ، وتحسينِ أوضاعِهم في وطنِهِم. لقد اجتازوا الصعابَ، وعبروا الفيافي، وقدموا تضحياتٍ جسيمةً على المنابرِ الطلابيةِ، وفي بلادِ المهجرِ، وفي ميادينِ الشرفِ.
تضحياتٌ اختارتْ الوطنَ على الهجرةَ: كانَ بإمكانِ هؤلاءِ الشبابِ الحصولِ على أرفعِ الشهاداتِ العلميةِ، نظيرَ تميزِهِم وتفانيهِم وعطائهِم الكبيرِ، سواءٌ عبرَ مساراتِ الهجرةِ الشرعيةِ أو غيرِ الشرعيةِ، أو حتى من خلالِ برامجِ "اللوتري" التي كانتْ متاحةً في السنواتِ التي شهدتْ اهتماماً عالمياً بقضايا الهامشِ ودارفورَ. لكنَّهُمْ، بدافعِ الانتماءِ للوطنِ والثورةِ، اختاروا البقاءَ والتضحيةَ.
الفجوةُ بينَ الحلمِ والواقعِ: رغمَ تحقيقِ جزءٍ يسيرٍ من أهدافِ الثورةِ وغاياتِها الكبرى، إلا أنَّ فجوةً عميقةً لا تزالُ تفصلُ بينَ الواقعِ والأحلامِ التي عاشَها هؤلاءِ الشبابُ. إنَّ تطلُّعَهُمْ إلى أنْ يجدوا لأنفسِهِم موقعاً ضمنَ منظومةِ الدولةِ، سواءٌ لتعويضِ سنواتِ عمرِهِم التي ضاعتْ في سبيلِ قضيةٍ عادلةٍ، أو كمكافأةٍ على ما تحققَ وما تمَّ التوقيعُ عليهِ من اتفاقياتٍ، يظلُّ مطلباً مشروعاً.
اتفاقياتُ السلامِ وآلياتُ التنفيذِ: من المعلومِ أنَّ بروتوكولاتِ اتفاقيةِ جوبا لسلامِ السودانِ قد خصصتْ نسبةً ضئيلةً فيما يتعلقُ بالحقائبِ الوزاريةِ، لكنَّها بالمقابلِ خصصتْ نسبةً معتبرةً للوظائفِ القياديةِ. هذهِ الوظائفُ تبدأُ من المفوضيةِ القوميةِ للسلامِ، التي وحدَها قادرةٌ على استيعابِ أكثرَ من ألفِ شابٍّ عبرَ مفوضياتِها المختلفةِ على المستويينِ القوميِّ والاتحاديِّ. بالإضافةِ إلى ذلكَ، هناكَ آلياتُ تنفيذِ اتفاقياتٍ أخرى، مثلَ اتفاقيةِ الدوحةِ، التي لا تزالُ بعضُ آلياتها قيدَ العملِ.
الثغراتُ في الترتيباتِ الأمنيةِ والتعليمِ العالي: على صعيدِ الوظائفِ القياديةِ، تشملُ هذهِ الترتيباتُ مناصبَ وكلاءِ الوزاراتِ، والمدراءِ العامينَ، ومدراءَ الشركاتِ، ومواقعَ في السلكِ الدبلوماسيِّ، وبنكِ السودانِ، والقواتِ المسلحةِ، والشرطةِ، والأمنِ، وذلكَ عبرَ بروتوكولِ الترتيباتِ الأمنيةِ. ولكنَّ ما يلفتُ الانتباهَ هوَ غيابُ اللجنةِ العسكريةِ المشتركةِ العليا التي كانَ يُفترضُ تشكيلُها لبدءِ دمجِ القواتِ وحصرِها وتحديدِ حجمِها المطلوبِ، خاصةً بعدَ حربِ الخامسِ عشرَ من أبريل. ورغمَ أنَّ الاتفاقيةَ خصصتْ نسبةً معتبرةً لأبناءِ الأقاليمِ في التعليمِ العاليِّ، لا سيما في الكلياتِ العمليةِ، بهدفِ إحداثِ توازنٍ حقيقيٍّ ووقفِ معيارِ الكثافةِ السكانيةِ، إلا أنَّ التركيزَ على الشقِّ الوزاريِّ اقتصرَ على نسبةِ 2% فقط من إجماليِّ ما وردَ في الاتفاقيةِ.
السؤالُ المؤرقُ: إلى متى الانتظارُ؟ يبقى التساؤلُ المعلقُ: إلى متى سيستمرُّ هذا الانتظارُ؟ أو البحثُ عن عناصرَ ذاتِ خبرةٍ لتكونَ جزءاً من منظومةِ الدولةِ، خاصةً وأنَّ هؤلاءِ الشبابَ قدّموا تضحياتٍ جسيمةً، وكانَ بإمكانِهِم الحصولُ على هذهِ الفرصِ لولا نضالاتُهُمْ ووفاؤُهُمْ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة