مؤسسة الجيش السوداني على مدار تأريخه الممتد لم يعاني في يوم من الأيام من القيادات التي تهتم بصالح المواطن السوداني ؛ بيد أن حجم الفساد فيه لم يتح لهذه القيادات الصالحة أدنى فرصة لإجراء عمليات الإصلاح و تصحيح المسار طوال السنوات و العقود الماضية ، و أبرزهم المشير سوار الذهب ، خريج مدرسة خورطقت الثانوية ، الذي كان بإمكانه إرتياد غير المسار العسكري ، و لكنه كان يرى في خدمة المواطن عبر المؤسسة العسكرية أولوية ؛ و لكنه في الاخير ، غلبه حجم الفساد المالي والإداري و الأخلاقي في هذه المؤسسة و كون أن خدمة المواطن السوداني هو آخر أهداف هذه المؤسسة و ليس أوله ، فهو يتفنن في أساليب تأديبه و القضاء عليه من أول وهلة للإختلاف ، فآثر سيادة المشير الابتعاد عن المؤسسة تاركاً مهمة إصلاحها للشعب السوداني أو بالأدق الشعوب السودانية المسحوقة ، و قد برز بعده الفريق أول الزبير محمد صالح ، بنفس الرؤية ، القاضية بالوقوف مع صالح الشعوب السودانية أولاً قبل مصالح المؤسسة العسكرية تماماً كما تفعل القوات النظامية في بقية دول العالم الحرة ، فكان همه إرساء دعائم السلام في ربوع السودان الحبيب ، من شماله إلى جنوبه ، و عمل على ذلك طوال فترة وجوده في حكومة الإنقاذ الوطني ، و لكن عندما أحس الرفاق في المؤسسة العسكرية بخطورة تقارب الزبير محمد صالح مع الشعوب السودانية على حساب مصالح المؤسسة العسكرية العليا ، و خطورة إجتماع صدق الرجل و شجاعته ، مع رؤية د. قرنق بعد مرحلة توقيع إتفاقية السلام الشاملة ، فإن النتيجة ستكون ثورة ينسف كل المصالح الاستراتيجية التي راكمتها المؤسسة العسكرية طوال العقود الماضية و خاصة تلك المتعلقة بعلاقة المؤسسة العسكرية مع السلطة الحاكمة ، و كونها العمود الفقري للسلطة ، فتكوين هذه الثنائية سيشكل بلا شك ، معول إصلاح المؤسسة العسكرية من جذورها ، وهو خط أحمر لا يناقش لدى قيادات هذه المؤسسة ، فكان ما كان من شأن الزبير محمد صالح و صحبه د. قرنق .. عندما وجد السيد محمد حمدان دقلو وظيفة قذرة في مؤسسة الجيش السوداني ، قبل بها ، كونها أفضل الخيارات المتاحة أمامه في الحياة في السودان ، و ظل يعمل بها ، مع أنه يعلم أنها وظيفة قذرة ، لا تناسب قيمه في الحياة ، فهو سوط المؤسسة العسكرية التي يجلد بها الشعوب السودانية غير الخاضعة لسيادة الجيش السوداني ؛ و قد أظهر براعة و قدرة تنظيمية ، لا تتناسب بتاتاً ، بالمستوى التعليمي المتواضع الذي تلقاه في حياته ، و لذا كانت المؤسسة مرغمة على ترقيته بصورة كبيرة جدآ في كل مرة ينجز فيها أهداف المؤسسة العسكرية القذرة أيضاً ، حتى وصل من النفوذ إلي مرتبة كبار قيادات المؤسسة العسكرية في الحكومة القديمة في السودان ، و لكن عندما إطمأن السيد محمد حمدان دقلو إلى كونه أصبح من أصحاب النفوذ ، إختار أن يسخر هذا النفوذ و القوة لصالح الشعوب السودانية المسحوقة التي كان السوط التي تجلد بها في الأمس ؛ و قد أثبت ذلك في ثلاث وقائع : الاولى عندما إنحاز لصالح ثورة ديسمبر على حساب نظام البشير الذي صنعه ، و الثانية ، عندما إنحاز لصالح تسليم الحكم للجانب المدني بعد إنتهاء مدة حكم الجانب العسكري حسب المتفق عليه ، مما تسبب بالمواجهة العسكرية الحالية ، و الثالثة وهي الاهم عندما إنحاز لصالح إعادة هيكلة الجيش السوداني من نقطة الصفر حسب دستور تحالف تأسيس ، و لعل آخر دور قذر لعبه كسوط لجلد الشعوب السودانية المسحوقة هو فض إعتصام القيادة العامة ؛ و قد تعلم منه درسا مفاده أن البرهان يسير في نفس خطى سلفه البشير القاضي بالحفاظ على مصالح المؤسسة العسكرية الاستراتيجية على حساب مصالح الشعوب السودانية المسحوقة ، و لذا قرر الانحياز لصالح خيارات الشعوب السودانية المسحوقة التي جلدها زمنا طويلا ، فكان له ما أراد ، اليوم و قد تشكلت حكومة التأسيس ؛ فكل قيادات الحركات المسلحة الموقعة على ميثاق تأسيس مطالبة بتغيير جذري في خطاباتها تجاه هذه القوات لتوافق الأهداف و المرامي السياسية لميثاق تحالف تأسيس ، و التي تضع صالح الشعوب السودانية المسحوقة قبل أي شيء آخر ، و فيجب على هذه القوات نسيان الثأرات التي حدثت في معارك محاولة إسترجاع مدينة الفاشر ، فلا تقف هذه الثأرات حجر عثرة أمام جهود الإغاثة الإنسانية التي ينبغي أن تقودها حكومة التأسيس عبر واجهة المجتمعات المدنية ، فالانفس التي زهقت إذا كانت مهرها تحقيق أهداف ميثاق تحالف تأسيس ، فهي بالتأكيد لم تذهب هدراً ، فالأهداف السامية دوما مهرها دماء الرجال الغالية ، فينبغي للسيد محمد حمدان دقلو بالتحديد إخراج نفسيات قواته من ضيق الثأرات القديمة إلى أهداف ميثاق تأسيس العظيمة ، و كون تطبيق سياسات و مرامي القيادة السياسية في حكومة التأسيس هي الأولوية لكي تصبح هذه الحركات مستقبلاً جزء مهم من نواة الجيش السوداني المستقبلي بعد إعادة هيكلته ، فالتمرس على إطاعة القوانين قد بدأ الآن ببداية حكومة التأسيس ، فعلى منسوبي جميع الحركات المسلحة إظهار أكبر قد من الانضباط تجاه المواطنين و تجاه السياسات الحكومية ، هذا هو المطلوب إثباته رياضياً في الوقت الراهن .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة