زمن الضبح المقدّس: الإسلاميون والنخب يكتبون سيناريو الرعب السوداني كتبه خالد كودي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-27-2025, 12:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-03-2025, 06:55 PM

خالد كودي
<aخالد كودي
تاريخ التسجيل: 01-01-2022
مجموع المشاركات: 132

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
زمن الضبح المقدّس: الإسلاميون والنخب يكتبون سيناريو الرعب السوداني كتبه خالد كودي

    06:55 PM August, 03 2025

    سودانيز اون لاين
    خالد كودي-USA
    مكتبتى
    رابط مختصر





    3/8/2025 ، الأراضي المحررة- كاودا

    الفاشية الإسلامية في السودان: من قمع الدولة إلى تزوير الوعي
    في أعقاب الخراب الواسع والمآسي الإنسانية التي أطلقتها الحرب في السودان، تطفو إلى السطح من جديد ظاهرة طالما حذّر منها التاريخ، وذاق الشعب السوداني مراراتها على مدى ثلاثة عقود من القمع والتنكيل: عودة الإسلاميين عبر جهاز الدولة الأمني، لا كحراس للأمن، بل كصيادين جدد، يعدّون القوائم لاجتثاث كل من ثار ضدهم، ووأد كل صوت نادى بالحرية والمواطنة والعدالة. ليست هذه مبالغة أو تهويلاً، بل هي وقائع مستندة إلى وثائق وبيانات ميدانية تداولتها مصادر موثوقة، وانتشرت في الوسائط تؤكد أن جهاز الأمن والمخابرات – في ظل تواطؤ سياسي صريح من سلطة بورتسودان – أعاد انتشاره داخل العاصمة، وأعاد تنشيط خلاياه في الأحياء، لتنفيذ حملة ترهيب ممنهجة ضد لجان المقاومة والنشطاء الثوريين، والتركيز علي المهمشين تحت شعار معلن: "من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر."

    لكن ما يكشفه هذا الإعلان ليس مجرد عودة الأجهزة القمعية، بل انبعاث كامل لعقلية فاشية–ثيوقراطية، تحكمها سرديات التطهير باسم العقيدة، وتستند إلى لغة تنتمي إلى القرون الوسطى: "برجع الرج والضبح"، "ناس الجهاز قدام بابك في أي لحظة"، "حسم من الأضان للأضان". لسنا أمام بيان أمني، بل أمام انفجار فجّ لمخيلة بوليسية–أصولية، توظّف الدين في مطاردة الخصوم، وتستخدم لغة الإبادة الرمزية والمادية بلا مواربة. غير أن هذه الهجمة القمعية ليست مفصولة عن بنية أعمق: بنية التواطؤ الثقافي والسياسي للنخب التي ساهمت، بوعي أو بغير وعي، في إعادة إنتاج هذا الخراب.

    فالمأساة الأشد ليست فقط في انبعاث أدوات القمع، بل في السرديات الزائفة التي أنتجتها الكثير من النخب حول طبيعة الصراع. لقد قدّمت هذه النخب روايات سطحية ومضللة، اختزلت الصراع في كونه معركة بين جنرالين، أو مواجهة بين "قوى وطنية" و"قوى غازية"، متجاهلة السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي الذي صنع هذا الانفجار. بهذا التبسيط الميكانيكي، أُفرغت الحرب من تعقيدها البنيوي، وتم التعتيم على كون السودان – في جوهره – كان قنبلة موقوتة من المظالم البنيوية، تتهيأ للانفجار منذ عقود بسبب منظومات مركّبة من الهيمنة الاثنية، الإفقار الاقتصادي، مصادرة الوعي، وتغذية وهم المركز المهيمن.

    سنوات من القمع والاستبعاد، والهيمنة الاقتصادية والثقافية والدينية، جعلت من الحرب السودانية شرطًا لا مجرد احتمال. لكن النخب – كما وصف بول ريكور – مارست "ذاكرة الإنكار"، ونسجت رواية مريحة تعتبر الحرب لحظة اختلال طارئة في بنية "الدولة الطبيعية"، لا نتيجة لتاريخ طويل من الظلم المؤسسي. وهكذا، وُلد خطاب الزيف: أن الحل يكمن في "استعادة الانضباط"، وعند البعض استعادة "الثورة والتحول الديمقراطي" لا في إعادة التأسيس.
    غير أن الحقيقة التي تنكرها هذه السرديات هي أن الوعي ليس حالة جامدة بل عملية – كما أشار هيغل وغرامشي – وأن الحرب نفسها، وإن اندلعت في لحظة بعينها، لم تبقَ على حالها. فقد تبدّلت ظروفها، وتغيّرت مواقع اللاعبين، وتحوّلت أهدافها، وتبدّلت خرائط الضحايا والجلادين. الحرب، مثل الوعي، هي سيرورة جدلية، سائلة، متعددة المستويات، تعيد تشكيل ذاتها باستمرار. وكما قال زيغمونت باومان، هي ليست ماكينة بخط واحد، بل "عملية سائلة" تتغير تبعًا لموازين القوى وسرديات السيطرة.
    لقد استغلّت النخب هذه السيولة، لا لتفكيك الصراع، بل لإعادة إنتاجه بشكل يخدم المركز: أعادت تعريف الحرب على أنها "معركة كرامة"، ودفعت آلاف الشباب، بعد غسل أدمغتهم، للقتال ضد جيرانهم من سكان الكنابي وماسمي بالأحزمة السوداء، باسم الوطنية والسيادة. جرى تدمير وهدم المدارس، والمنازل، ودور العبادة، لا باسم العداء الطبقي أو العرقي، بل تحت لافتة "الدفاع عن الوطن" تجاه "الوجوه الغريبة" ، في تجسيد صريح لما وصفه أنطونيو غرامشي بـ"الهيمنة الثقافية"، حين تتحول أدوات السيطرة إلى قناعات يتبنّاها المقهور نفسه.
    إن هذا التزييف للوعي يتقاطع مباشرة مع ما طرحه نعوم تشومسكي في
    Manufacturing Consent،
    حين أشار إلى أن أخطر أشكال القمع ليست في السلاح، بل في القدرة على إعادة تعريف الواقع عبر الخطاب، وغرس أوهام البطولة في أذهان الضحايا. أما إريك فروم، فقد أضاء هذا المشهد حين شرح كيف يسعى الأفراد – في لحظات التفكك – إلى الخضوع، لأن الحرية مخيفة والمسؤولية عبء. وهكذا، يصبح الشاب الذي يهدم مسجدًا أو منزلًا او مدرسة في الكنابي، مقتنعًا بأنه يحمي الوطن ويؤدي فريضة، بينما هو في الحقيقة أداة لقمع مَن يشبهه وينتمي إلى قضيته.
    إن أخطر ما نواجهه اليوم ليس السلاح، بل السردية. حين تُقدّم الحرب كأنها خلل عابر بين جنرالين، يُمحى التاريخ، ويُغسل دم المهمشين، ويُجنَّد جيلٌ بأكمله لإعادة إنتاج منطق الهيمنة القديم، متلحفًا برداء وطني زائف.
    إن الوعي، بوصفه عملية تحرّر لا حالة وعي، والحرب بوصفها سيرورة لا انفجارًا مؤقتًا، هما المفتاح لتفكيك ما يحدث الآن. أما استمرارنا في تبنّي الروايات الميكانيكية والتبسيطية، فليس فقط تزويرًا للواقع، بل تأبيدٌ لحرب لا تنتهي، وصراع يعيد إنتاج ذاته كلما اقتربنا من جذوره. ولهذا، فإن قطيعة جذرية مع الفاشية الإسلامية، وتفكيك خطاب النخب المتواطئة، وإعادة تأسيس الدولة على أسس علمانية ديمقراطية عادلة، ليست مجرد ضرورة أخلاقية، بل شرط النجاة.

    الفاشية: حين يتواطأ الدين مع جهاز القمع
    ليست الفاشية مجرد طغيان سياسي؛ إنها بنية فكرية وتنظيمية تقوم على:
    - تأليه الدولة أو الحزب أو القائد (كما في الفاشية الإيطالية)
    - وإلغاء الفرد لصالح الجماعة المنقذة، وغالبًا ما تُغلّف بالعقيدة أو الرسالة الدينية،
    - واستخدام أجهزة المخابرات لا لحماية الأمن، بل لحماية النظام القائم
    في السياق السوداني، فإن ما نشهده اليوم هو انبعاث للفاشية الإسلامية بلبوس أمني. فالحركة الإسلامية السودانية، التي تشكّلت منذ السبعينيات تحت تأثير الإخوان المسلمين، لم تكن يومًا حركة إصلاح ديني بقدر ما كانت مشروعًا للسيطرة التنظيمية على مفاصل الدولة والمجتمع. وقد جسّد انقلاب 1989 أحد أكثر تجليات هذا المشروع عنفًا. تحوّل السودان إلى دولة أمنية، صُممت فيها الأجهزة الأمنية لتخدم سلطة التنظيم، وليس الدولة. والآن، يُعاد تفعيل نفس المنظومة، بل بنفس الخطاب: "أي متعاون طلع برشوة أو واسطة... برجع الرج و الضبح."
    هذه اللغة القروسطية تستعيد منطق محاكم التفتيش الكنسية في أوروبا القرون الوسطى، حين كانت الشبهة كافية للإعدام، والوشاية طريقًا للصعود الاجتماعي. ففي الدولة الفاشية، لا فرق بين المواطن والجاسوس، لأن كل فرد يتحول إلى عينٍ تراقب الآخرين. فـ"فوضى الوشاية" ليست مجرد عرض، بل هي جوهر السلطة القمعية، كما وصفها ميشيل فوكو: حين يتحول المجتمع إلى "بانوبتيكون"، تكون الرقابة موزعة، لا مركزية، والعقاب معلنًا للجميع.

    التاريخ يكرر ذاته ككارثة: فوضى الوشاية وتصفية الثوار
    في ألمانيا النازية، كانت الغيستابو تزرع عملاءها في الأحياء، وتستقبل عشرات الآلاف من رسائل الوشاية سنويًا من الجيران ضد بعضهم البعض. وفي الاتحاد السوفيتي الشيوعي في عهد ستالين، كان كل موظف معرضًا لأن يُبلغ عنه بزعم "الانتماء لتيار رجعي"، فينتهي به المطاف في غولاغ سيبيريا. أما في السودان، فنحن نشهد استنساخًا لهذه التجارب، ولكن بواجهة دينية، مما يجعلها أكثر خطورة. فالاستدعاء الديني للعنف – باعتباره "جهادًا" – لا يمنح القتلة غطاءً شرعيًا فقط، بل يمنحهم شعورًا بالتفوق الأخلاقي، وهو ما يجعل القمع مقدّسًا في عقول منفذيه.

    لقد جرى تصنيف الثوار على أنهم "صانعي فوضى"، و"لجان زفت وهم"،و "متعاونين" وهي التهم؛ الأعظم، وتم حصرهم بالحي والعدد، ما يعكس عقلية بوليسية تسعى للتدمير لا للإصلاح. ومثلما كان النظام النازي يحتفظ بقوائم "غير المرغوب فيهم"، ومثلما كان نظام صدام حسين يصنف أعداءه بـ"الخفافيش"، تقوم السلطة الأمنية–الإسلامية السودانية اليوم بإعادة تدوير نفس الأداة: القائمة السوداء:
    (1- جنوب الخرطوم : 147 متعاون
    2- وسط الخرطوم : 19 متعاون
    3- الصحافات : 85 و جبرات : 104 الحمداب : 57
    الشجرة : 100 الكلاكلات :230 العزوزاب:27 الرميلة:19
    القوز40 الحله الجديدة السجانه:45 الأزهري:70 الإنقاذ170 مايو90
    أمدرمانات: القديمه;300 وامبدات:56
    بحري القديمه:180
    و السامراب:95 و الدروشاب:77 والكدرو:80
    شمبات:75 الحلفايا:123 وكل أحياء العاصمة المثلثة الخلية الأمنية لكل المتعاونين رجم بس
    والمتفلتين و موهومي لجان الزفت الوهم
    حسم من الأضان للأضان لعب مافي
    تاني و فوضي مافي تاني
    الحملة اليوم من المتوقع ان تكون كبيره
    العاصمة تاني ماااااااالعب و فوضي
    نهاية اليوم نسلمكم تفاصيل جديده انتظروا
    شغلنا علني ورسمي ووواضح جداً دي دولة ما لعب
    #آمن_يا_جن_أمن_يا_جن)

    بورتسودان: العاصمة الموازية والانقلاب الأمني
    ما يجري في بورتسودان ليس مجرد انتقال للعاصمة، بل إعادة تأسيس للسلطة الأمنية في شكلها الإسلامي القديم. لقد أصبحت بورتسودان المختبر الجديد لإعادة هندسة الدولة السودانية على أسس بوليسية–إسلاموية، حيث تلتقي عناصر الجيش التقليدي، والإسلاميين، والأجهزة الأمنية المعاد تدويرها. في هذا السياق، فإن الحديث عن "استتباب الأمن" لا يعني سوى تثبيت القمع، وخنق أي صوت ثوري أو مطلبي أو مدني.

    من فوكو إلى أورويل وفانون — حين يتحوّل القمع إلى بنية نفسية وثقافية
    لفهم طبيعة القمع الذي تمارسه الحركة الإسلامية السودانية اليوم، لا يكفي أن نرصد العنف المادي وحده، بل يجب أن نقرأ بنيته العميقة وأدواته الرمزية التي تحوّله إلى نظام دائم من السيطرة على الجسد والعقل معًا. في هذا السياق، تبرز تحذيرات فلاسفة ومفكرين كبار، من ميشيل فوكو إلى جورج أورويل وفرانز فانون وأنطونيو غرامشي، بوصفها أدوات لفكّ شفرة الاستبداد، خصوصًا حين يتخذ لبوسًا دينيًا وأمنيًا كما هو الحال في السودان.

    فوكو والمجتمع التأديبي: الرقابة الذاتية كأداة للهيمنة
    في كتابه المراقبة والمعاقبة، يحذّر ميشيل فوكو من تحول المجتمعات الحديثة إلى فضاءات من الرقابة غير المرئية، حيث لا تعود السلطة بحاجة إلى أن تراقب كل فرد، لأن المواطنين أنفسهم يبدأون بمراقبة أنفسهم والوشاية ببعضهم البعض، عبر ما يُعرف بـ"الرقابة الداخلية" أو "السجن المعنوي". وهو ما يتجسد اليوم في السودان حين يُعلن الأمن الإسلامي عن "قوائم المتعاونين"، وينشر أسماء بالأحياء والتفاصيل الدقيقة، مهدّدًا سكانها بالضبط والملاحقة والاعتقال.
    هذا الإعلان ليس فقط أداة تهديد، بل هو خلق لبيئة من الرعب الجماعي، تدفع الأفراد إلى الشك في جيرانهم، وأصدقائهم، وأسرهم، فيتحوّل المجتمع إلى شبكة من العيون والمخبرين، دون حاجة إلى شرطي ظاهر في كل شارع. هكذا، يصبح الخوف ذاتيًا، داخليًا، جزءًا من النظام النفسي للفرد، وهو تمامًا ما سعى فوكو لتفكيكه حين قال: "السلطة ليست فوقنا فقط، بل فينا".
    جورج أورويل و"الأخ الأكبر": القوائم السودانية كنسخة واقعية من ديستوبيا 1984
    لكن إذا كان فوكو قد حلّل بنية السلطة الحديثة من حيث انتشارها عبر المؤسسات والسلوك، فإن جورج أورويل، في روايته الشهيرة 1984، قد قدّم استعارة قاتمة لكيفية عمل السلطة الكلية، عبر رمز "الأخ الأكبر" الذي يراك في كل لحظة، ويعرف مكانك، واسمك، وذنبك حتى قبل أن تقترفه.

    إن القوائم المسرّبة من جهاز الأمن السوداني، والتي تحتوي على أسماء دقيقة لأفراد من لجان المقاومة، وسكان أحياء بعينها، وتفاصيل عن أنشطتهم، تمثل تطبيقًا مرعبًا لفكرة أورويل. فـ"الأخ الأكبر" لم يعُد مجرد كاميرا أو صورة على الحائط، بل صار جهازًا أمنيًا فعليًا، يمتلك شبكات المراقبة، والبيانات، والقوائم، ويهدد المواطنين علنًا بأن "ناس الجهاز قدام بابك في أي لحظة". إنها 1984 تُكتب من جديد، لا بخيال أدبي، بل ببيانات مكتوبة، مدعومة بآلة دينية قمعية.
    أورويل يبيّن أن جوهر السلطة الشمولية لا يكمن فقط في العنف، بل في القدرة على خلق "واقع بديل" يُفرض على العقول. فالحرب تُسمى سلامًا، والحرية تُعرّف كعبودية، والتفكير المستقل يُسمى خيانة. وفي السودان، تُقدّم الثورة على أنها "فوضى"، والمطالبة بالحقوق "تتريس"، والمواطن الذي يناضل "متعاون يستحق الرجم". هكذا، يتحوّل الضحية إلى متّهم، والمجرم إلى حامٍ للنظام، ويتم تصنيع الطاعة من خلال قلب اللغة نفسها، كما في قول أورويل: "من يسيطر على السردية، يسيطر على الفكر."

    فرانز فانون: تفتيت ذاتية المقهور
    أما فرانز فانون، فيرى أن السلطة القمعية لا تكتفي بإخضاع الجسد، بل تسعى إلى تفتيت الذات الداخلية للمقهور، بحيث يُفقد قدرته على الثقة بنفسه وبمجتمعه، ويتحوّل إلى ذات مشروخة، مشككة، منقادة. وهذا ما تفعله اليوم أجهزة الأمن السودانية حين تنشر القوائم، وتحضّ المواطنين على الوشاية ببعضهم البعض، وتحذّرهم من مغبة "التعاون"، حتى لو كان ذلك بتغريدة أو مشاركة في وقفة احتجاجية. لقد أصبحت الذات السودانية محاصرة، لا من الخارج فحسب، بل من داخلها، في دوامة الشك، واللوم، والخوف.
    فانون كتب عن الاستعمار، لكن تحليله ينطبق على كل نظام سلطوي يستخدم الدين والاثنية والأمن لتفكيك وعي الفرد، وجعله أداة في قمع شعبه. فبدلًا من أن ينتج الإنسان ذاته بحرية، يُعاد تشكيله بوصفه ناقلًا للسلطة، حارسًا للهيمنة، وجزءًا من ماكينة القمع التي كانت تستهدفه في الأمس.

    غرامشي والهيمنة الثقافية: حين تصبح السلطة قناعة داخلية
    أخيرًا، يُذكّرنا أنطونيو غرامشي بأن أخطر أنواع السلطة ليست تلك التي تفرض القوانين بالسلاح، بل التي تحتل الوعي وتعيد تعريف الحق والباطل من داخله. فالهيمنة، بحسب غرامشي، ليست فرضًا بالقوة فقط، بل تحقّق عبر الثقافة والدين والتعليم والإعلام. وهذا ما فعلته الحركة الإسلامية في السودان لعقود، حين دمجت الدين بالخوف، وقدّمت القمع بوصفه "جهادًا"، وأعادت تعريف الوطنية باعتبارها طاعة للجيش والمخابرات، لا حرية وعدالة ومساواة.
    وهكذا، فإن المواطن السوداني، في ظل هذه الشبكة المعقّدة من الخوف والإعلام والدين، قد يجد نفسه يدافع عن القامع، ويخون المقهور، ويتحول إلى جزء من آلية طُبعت في أعماقه. وهذا هو جوهر ما نراه في القوائم الأمنية: لا مجرد إعادة تنشيط لأجهزة الدولة العميقة، بل تفعيل لثقافة قمعية موروثة، تُغلّف أجهزتها بالقداسة، وتستدعي مواطنيها ليكونوا شهود زور على فناء جيرانهم.

    في ضوء كل هذا، لا يمكن فصل القمع المعلن في السودان عن بُناه الثقافية والنفسية الأعمق، ولا يمكن مقاومته فقط في الشارع، بل أيضًا في اللغة، وفي السرديات، وفي الوعي ذاته. فالمعركة ضد "الأخ الأكبر" لا تُخاض بالسلاح فقط، بل بتفكيك الخوف، وتحرير الذات، واستعادة الحقيقة من بين أنقاض الكذب المقدس.

    خاتمة: لا خلاص إلا بالقضاء على الهوس الديني وبناء سودان جديد
    إن السودان لن يخرج من دوامة القمع والفوضى والإبادة الناعمة إلا بإعلان القطيعة التامة مع هذا المشروع الفاشي الإسلامي الذي يحتقر الإنسان، ويحوّل أجهزة الدولة إلى أدوات انتقام. لا مساومة مع من يعد القوائم لتصفية الشباب، ولا تسوية مع تنظيم يمارس الإرهاب المعنوي والمادي باسم الله.
    إن بناء سودان جديد، حر، ديمقراطي، علماني، قائم على المساواة والمواطنة، يبدأ بتفكيك هذه المنظومة الأمنية–الدينية، وبإعادة الاعتبار للثورة، ولحق الإنسان في الحلم والتمرد والحرية. لا خيار سوى كسر هذا النظام الفاشي بأدوات العدالة، والمعرفة، والتنظيم الشعبي الواعي
    وإن لم نفعل، فإننا نكرر مأساة التاريخ، ونمنح الطغاة فرصة جديدة لطلب شهادة حسن سلوك من التاريخ، وهم يحملون في جيوبهم قوائم الموت.

    النضال مستمر والنصر اكيد.

    (أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de