تمثّل هذه الورقة محاولة منهجية لتحديد الموقع العلمي والمعرفي لنظرية "الصدمة التحفيزية" ضمن منظومة العلوم الاجتماعية . فمنذ لحظة ميلادها الأولى ، تميزت هذه النظرية بكونها متعددة المستويات والتخصصات ، مما يستدعي قراءة تركيبية تبيّن جذورها النظرية وإطارها المرجعي . في هذا السياق ، يناقش الباحث موقع النظرية في تقاطعات حيوية بين علم اجتماع التنمية ، وعلم النفس الاجتماعي ، وعلم التغيير الاجتماعي ، مع تداخلات وظيفية مع علم الاجتماع السياسي . ولكي يتيسر للقارئ استيعاب الطابع العلمي للنظرية ضمن هذا التصنيف ، نُورد في هذا المقام تعريفها العلمي المختصر :
> "نظرية الصدمة التحفيزية" هي إطار تحليلي لفهم لحظة التحول في المجتمعات المتأخرة تنمويًا ، تنطلق من حدوث صدمة وعي إدراكية جماعية تُحدث اختراقًا معرفيًا يُحرّك دافعية داخلية للتغيير الايجابي ، دون ضرورة لفاعل خارجي مباشر ، مما يجعلها نظرية تفسيرية وسلوكية تنتمي إلى علم اجتماع التنمية وتتقاطع وظيفيًا مع علم النفس الاجتماعي وعلم التغيير الاجتماعي .
ويهدف هذا التصنيف إلى إبراز الطابع الشمولي والمرن للنظرية ، بوصفها أداة تحليلية لفهم التحول المجتمعي انطلاقًا من لحظة إدراكية مفصلية تُحدث صدمة وعي جماعية تُفضي إلى التغيير والتنمية .
أولًا/ موضع النظرية ضمن العلوم الاجتماعية :
تندرج نظرية الصدمة التحفيزية بوجه عام ضمن منظومة العلوم الاجتماعية ، وتحديدًا في تقاطع ثلاثية ديناميكية تجمع بين علم اجتماع التنمية ، وعلم النفس الاجتماعي ، وعلم التغيير الاجتماعي . وهي نظرية متعددة الأبعاد والمستويات ، لا تقتصر على حقل معرفي واحد، بل تتقاطع مع عدد من التخصصات بشكل وظيفي ومنهجي .
ثانيًا/ المجال الرئيسي للنظرية: علم اجتماع التنمية :
يمكن تصنيف نظرية "الصدمة التحفيزية" أساسًا ضمن علم اجتماع التنمية (Sociology of Development) كفرع رئيسي ، وذلك لأنها تنطلق من محاولة لفهم وتحليل ديناميات التحول الاجتماعي في المجتمعات المتأخرة تنمويًا مع تقديم تفسير جديد لبداية الانطلاق التنموي . على خلاف النظريات الكلاسيكية التي انشغلت بالبنى الاقتصادية أو المؤسسية ، فإن هذه النظرية تُعيد تموضع العامل النفسي-المعرفي كعنصر مفجِّر لعملية التغيير الاجتماعي . فهي ترى أن نقطة البداية الحقيقية للتنمية ليست التوسع في رأس المال أو إصلاح البنى ، بل في حدوث "صدمة وعي" تدفع الأفراد والمجتمعات إلى إدراك الفجوة المعرفية أو الحضارية مقارنة بالواقع المرجو ، مما يولد دافعية داخلية جماعية للتغيير .
ثالثًا:/ المجال الثانوي– علم النفس الاجتماعي :
في الجانب الثانوي ، ترتبط النظرية بشكل عميق بـ علم النفس الاجتماعي (Social Psychology)، وخاصة في محور "الوعي الجمعي" ، و"الدافعية النفسية" ، و"التحفيز السلوكي الجماعي" . فهي تستخدم مفاهيم من هذا المجال لشرح كيف أن الوعي الناتج عن المقارنة الإدراكية الصادمة يمكن أن يتحول إلى طاقة حركية تدفع المجتمعات نحو التغيير ، دون تدخل مباشر من السلطة أو النظام . ويمكن القول إن الصدمة التحفيزية تمثل لحظة من لحظات "الاختراق المعرفي" (Epistemic Break) الذي يشبه التحول الإدراكي في نظريات التعلم ، لكنه يحدث على مستوى اجتماعي لا فردي فقط .
رابعًا/ التداخل مع علم اجتماع التغيير الاجتماعي :
تتداخل النظرية بوضوح مع علم اجتماع التغيير الاجتماعي (Sociology of Social Change) ، إذ إنها تقدم تفسيرًا جديدًا لطبيعة التحول الجذري في السلوك الجمعي . فبدلًا من افتراض أن التغيير يحدث عبر التطور التراكمي في البنية أو التشريعات ، فإن النظرية تقترح أن "التحول يبدأ من إدراك داخلي حاد للخلل ، عبر صدمة معرفية، تؤدي إلى قطيعة شعورية مع الواقع ، وتمهد لولادة نماذج جديدة للسلوك والتنظيم المجتمعي" . وبذلك ، تختلف النظرية عن المفهوم التطوري البطيء في علم التغيير ، وتعتمد على لحظة إدراكية حاسمة يمكن أن تغير سلوك الفرد والمجتمع في فترة وجيزة .
خامسًا/ العلاقة مع علم الاجتماع السياسي :
رغم أن "الصدمة التحفيزية" ليست نظرية سياسية خالصة ، إلا أنها ترتبط جزئيًا بـ علم الاجتماع السياسي (Political Sociology) في تفسير علاقتها بالقوة والدولة والقيادة المجتمعية . فهي ترى أن التحول لا يُنتج بالضرورة من النخبة أو النظام السياسي ، بل قد يُولد من القاعدة المجتمعية نفسها عبر إحساس جماعي متراكم باللاجدوى ، ثم حدوث صدمة وعي بالممكن ، مما يدفع الناس للمطالبة بالتحول السياسي أو الأخلاقي أو الاقتصادي . وهذا ما يجعلها أداة تحليلية لفهم الانتفاضات والثورات واليقظة المدنية كحالات لصدمة تحفيزية جماعية .
يؤكد التصنيف المعرفي لنظرية الصدمة التحفيزية أنها نظرية متعددة المستويات ، تتجاوز التصنيفات الصلبة ، لكنها تجد في علم اجتماع التنمية إطارها المرجعي الأساسي ، وفي علم النفس الاجتماعي وعلم التغيير الاجتماعي جذورها التفسيرية ما يمنحها ميزة الشمول والمرونة في آن واحد . كما أن حداثتها لا تنبع فقط من جِدة المفهوم بل من قدرتها على مخاطبة الواقع المباشر وتقديم أداة تحليلية وتغييرية في آن واحد .
حافظ يوسف حمودة مبتكر نظرية الصدمة التحفيزية كاتب وباحث في علم اجتماع التنمية
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة