مفهوم الثورة في الفكر السياسي هي حالة من الرفض الاجتماعي لنظام الحكم، و يصبح مفهوم التغيير شاملا و ضروريا، و يمكن أن تكون الثورة سلمية، أو يتضمنها عنف بأنواعه المختلفة.. و بعد نجاح الثورة يصبح التفكير و التعقل مسألة ضرورية في مرحلة التغيير و البناء الجديد للمجتمع.. و هي مرحلة تنتقل من أدوات الثورة إلي أدوات جديدة يضحى العقل الأداة الجوهرية فيها.. و لكن إذا تغلبت إرادة الرفض على العقل تجعل التغيير نفسه سوف يواجه معضلات كثيرة.. فالعقل وحده هو الذي ينتج الفكر الذي يعتبر الركيزة الضرورية للتغيير، لآن المناط به كشف المشكلات التي سوف تواجه عملية التغيير، و يقدم الحلول لها، و ينقد الظواهر السالبة التي ربما تشكل تحديات في الممارسة، و يقدم الاستنارة المطلوبة.. أما حالة الرفض المستمرة إذا كانت ممارسة عملية، أو حتى لفظية، تبين سيطرة الثقافة السالبة من جانب، و ضعف المعرفة و الثقافة الديمقراطية، و أيضا الجهل بمطلوبات عمليتي التغيير و البناء، و هي سوف تصبح عقبة كأوود امام عملية التغيير و الاستقرار.. فالتاريخ يبن لنا أن الثورة تحتاج إلي قطاع واسع من الجماهير، و قيادات مدركة لدورها في العملية.. و المشكلة تصبح بعد عملية تغيير النظام، لأن عملية البناء تحتاج إلي أدوات مغايرة، و أذهان متقدة، و في نفس الوقت مختلفة تماما عن أدوات الثورة.. الكثيرون الذين يطلقون أن الثورة الفرنسية هي التي قد أحدثت التحول الديمقراطي في فرنسا ، ثم كانت بداية تحول ديمقراطي في المجتمعات الغربية، لا يقصدون الجماهير التي خرجت في الثورة و أطاحت بالملك و قتلت الملك لويس السادس عشر و الملكة أنطونيت، و العديد من رموز المجتمع عبر المقاصل.. بل الذين أحدثوا عملية التحول الديمقراطي هم النبلاء و النخب المثقفة في فرنسا.. و هي العقول التي كانت تدرك دورها في عملية التغيير و البناء، أمثال جان جاك روسو و فولتير و منتسكيو، حيث كانت المرحلة بعد الثورة تحتاج إلي ثقافة جديدة تتجاوز السابقة، و كانت تحتاج إلي تنوير.. لذلك قال كانط أن التنوير هو خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي و الوصول لسن الرشد.. فالعقول المستنيرة هي التي جاءت بالعقد الاجتماعي، و فكرة فصل السلطات، و الحرية لكل القطاعات وو تغيير القوانين لمصلحة التحول الجديد.. أن عملية التغيير في كل الدول التي تنتقل من نظام إلي أخر عبر ثورة شعبية، و خاصة من الشمولية إلي الديمقراطية، سوف تواجه تحديات كبيرة، بسبب ارتباط مصالح البعض بالنظام القديم، و أيضا مصالح المتطلعين في النظام الجديد.. لكن نجاح عملية البناء و التغيير ترتبط بنوعية القيادات و مهاراتها و إدراكها، و دور الأحزاب و تصورها و دور مفكريها في عملية البناء، و إذا كانت الأحزاب تعاني من انقسامات، و فقدانها للمشروع السياسي الذي يحدد وجهتها سوف تفشل في عملية التغيير و البناء و هي نفسها تشكل أكبرعائقا لها.. و يعتبر الإعلام و الصحافة من أهم أدوات التغيير، و يجب أن تصبح مؤسسات مجتمعية ترتبط بحاجة المواطن المجتمع و حقوقهم وإرشادهم، و ليس مؤسسات سلطوية تستخدمها النظم السياسية من أجل الدفاع عنها، فهي تعتبر السلطة الرابعة في البلاد.. نسأل الله حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة