الإسلامويون في السودان: ثمانية عقود من (التمكين) نحو (التفكُك) كتبه خالد ابواحمد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 07-16-2025, 10:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-12-2025, 02:30 PM

خالد ابواحمد
<aخالد ابواحمد
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 94

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإسلامويون في السودان: ثمانية عقود من (التمكين) نحو (التفكُك) كتبه خالد ابواحمد

    02:30 PM July, 12 2025

    سودانيز اون لاين
    خالد ابواحمد -البحرين
    مكتبتى
    رابط مختصر






    منذ فجر انقلاب 1989، لم تكن الحركة (الإسلامية) في السودان مجرد تيار فكري يسعى إلى "أسلمة الدولة"، بل تحولت بسرعة إلى سلطة شمولية تسعى لاحتكار القرار والاقتصاد، وبسط نفوذها على أجهزة الأمن والإعلام والتعليم، ومع مرور الزمن، انكشف أن المشروع الإسلامي الذي بشّر بـ"النهضة الأخلاقية" لم يكن إلا واجهة لتمكين طبقة محددة من رجال الدين والسياسة والمال، إلى أن تقوّضت أركانه بثورة شعبية غاضبة، دفعت الحركة إلى مواجهة أسئلتها المصيرية: هل أخفقت في تطبيق القيم التي بشرت بها؟ أم أن الفكرة نفسها كانت مغلوطة منذ البدء؟.

    هذا التحوّل اتّبع نهجا منظما ومخططا بعناية لإعادة صياغة الدولة وفق ملامح المشروع التنظيمي، سياسة التمكين لم تكن عشوائية، بل منهجا مدروسا لإعادة تشكيل مؤسسات الحُكم بما يخدم مصالح ضيقة تتجاوز الانتماء الوطني، تم تعيين كوادر الحركة في القضاء، البنوك، الإعلام، والجامعات، وبات الولاء للتنظيم هو المعيار الحقيقي للترقية والتمكين، لا الكفاءة أو الخبرة.

    المؤسسات الدعوية والخيرية تحوّلت إلى واجهات لتدوير الأموال داخليا وخارجيا، عبر شبكات استثمار لا تخضع للرقابة المالية الرسمية، حتى المؤسسات الإعلامية، التي يفترض بها الاستقلال والمهنية، كُرِّست كمنصات دعائية تنشر خطابًا أحاديًا يمجّد السلطة ويشيطن الخصوم. لقد شُيّد نظام متكامل يُعيد إنتاج السلطة التنظيمية في كل تفاصيل الدولة، ما أدى إلى خلق ما يُشبه "دولة داخل الدولة"، تتمتع بامتيازات فوق المساءلة وتتحرك بمنطق القوة لا القانون.

    بدلًا من تسخير ثروات السودان لخدمة التنمية، استخدمت الحركة الإسلامية الاقتصاد كأداة للسيطرة السياسية وترسيخ النفوذ. الذهب، النفط، والأراضي الزراعية تعرضت للنهب المنظم، ليس فقط عبر التهريب، بل من خلال عقود وصفقات غامضة خُصصت فيها الثروات لصالح جهات بعينها. في عام واحد فقط، قدّرت تقارير رسمية المهرب من الذهب بـ6 مليارات دولار، جرى تصريفه خارج القنوات الشرعية، ما حرم الدولة من موارد أساسية كان يمكن أن تغيّر ملامح الفقر والتهميش في البلاد.

    الاستثمار الأجنبي وموارد المغتربين حُوّلت إلى حسابات تابعة لشركات خاصة ترتبط برجال التنظيم، وتم بيع مؤسسات وطنية كـ"الخطوط الجوية السودانية" بأسعار رمزية إلى أطراف موالية، ما حوّل القطاع العام إلى سوق للنفوذ الشخصي، وفقدت الدولة قدراتها الإنتاجية والرمزية معًا. والمثير أن بعض رجال التنظيم حصلوا على إعفاءات ضريبية كاملة، في الوقت الذي غُرقت فيه الشركات المستقلة برسوم مُنهكة. هذا الخلل خلق بيئة اقتصادية غير متكافئة، و مجتمعا طبقيا تحكمه العلاقة بالسلطة، لا الكفاءة، وأصبح الاقتصاد نفسه أسير شبكة من الامتيازات الممنوحة سياسياً.

    في سعيها لحماية مشروعها، أعادت الحركة (الإسلامية) تشكيل الجهاز العسكري ليخدم سلطتها، لا الدولة فتم إنشاء "قوات الدعم السريع"، بداية كذراع قتالي موازٍ للجيش، لكنها سرعان ما تحولت إلى قوة مستقلة ذات نفوذ مالي وسياسي. تورّطت في صراعات داخلية، وأصبحت تمثل تهديدًا للدولة ذاتها، بل تحولت في لحظات فارقة إلى عنصر يحسم الصراع، لا يحمي وحدة البلاد، الجيش الوطني العريق تم تهميشه لحساب الكوادر التنظيمية، فتراجع الأداء، وانهارت العقيدة العسكرية التي تربط القوات بمصالح الوطن، وباتت الولاءات أكثر تأثيرًا من الانتماء الوطني.

    إن الخطاب (الإسلامي) الذي بشرت به الحركة كان يقوم على العدالة، النزاهة، والشفافية، لكنها مارست سياسة الإقصاء، ونهبت المال العام، وخالفت أبسط قواعد الحُكم الرشيد، من شُرع للتطبيق تحول إلى أداة للتبرير، وغابت النماذج الأخلاقية الحقيقية التي يُفترض أن تجسّد الفكرة، وبقي الشعار وحده يملأ المنصات، مع سقوط النظام، بدأت القيادات في التنصّل من أخطائها، وغيّر بعضهم وجهه السياسي، بينما استمر آخرون في لعب أدوار جديدة بأسماء مغايرة، وكأن الماضي صفحة يمكن طيّها بسهولة.

    لجنة إزالة التمكين كشفت حجم الفساد والتضخم في الممتلكات، حيث تبين وجود شركات مسجلة بأسماء وهمية، وشبكات مالية لها امتدادات خارجية. ظهرت ممتلكات تفوق ما يمكن تبريره سياسيًا أو اقتصاديًا، مما عزز من قناعة قطاعات واسعة من السودانيين بأن ما جرى لم يكن اجتهادًا سياسيًا فاشلًا، بل منظومة متكاملة من الفساد والاستحواذ. وحتى الخطاب الأخلاقي، الذي شكّل جوهر "النهضة الإسلامية"، تآكل أمام الممارسات الواقعية، فظهرت الهوة بين الشعار والممارسة، وبين الفكرة والسلطة، وتعرّى المشروع أمام الواقع، ولم يَعد له غطاء قيمي يحميه من النقد أو الرفض الشعبي.

    وحتى الخطاب الأخلاقي، الذي شكّل جوهر "النهضة الإسلامية"، تآكل أمام الممارسات الواقعية، فظهرت الهوة بين الشعار والممارسة، وبين الفكرة والسلطة، وتعرّى المشروع أمام الواقع، فلم يَعد له غطاء قيمي يحميه من النقد أو الرفض الشعبي.

    أولئك الذين خدموا في دهاليز النظام خلال العشرية الأولى من التمكين، يملكون في صدورهم مشاهد يصعب على الجبال الراسيات حملها، من فرط ثقلها وانحطاطها. عايشوا فضائح مدوية، ووقائع نتنة تكشّفت أمامهم داخل غرف التنظيم المغلقة. ومن المثير أن بعض من قادوا هذا الانحراف كانوا يُضرب بهم المثل في النزاهة والكفاءة خلال حقبة ما قبل انقلاب يونيو 1989، لكنهم انكسروا أمام شهوة المال والسلطة، فارتكبوا ما لا يُبرر ولا يُغتفر. تحوّل الالتزام إلى غطاء، والكفاءة إلى وسيلة للتمويه، بينما الفساد تمدّد تحت عباءة المشروع حتى بلغ درجة يصعب فيها الصمت دون خيانة للضمير أو الوطن.

    رغم أن كثيرًا من القيادات العليا الحالية يعرفون حجم تلك الفضائح، إلا أنهم مطمئنون إلى صمت من عايشوها، لأنهم يعلمون أن من يحمل هذه الأسرار لن يتكلم عنها، إما حفاظًا على سمعته المهنية، أو خوفًا من التشهير الشخصي. والمفارقة أن هذا الصمت، الذي منحهم الأمان السياسي، لا يمكن أن يصمد إلى الأبد؛ فإن الله، العليم الخبير، قادر أن يكشف ما استُخفي، ويُفضحهم في الدنيا قبل الآخرة. إنها مسألة وقت، لا أكثر.

    وإذا كان فشل المشروع الإسلامي في السودان قد تجلّى في منظومته السياسية والاقتصادية، فإن الخلل الأعمق يكمن في فقره الفكري والإبداعي. فمنذ تأسيس الحركة الإسلامية في أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لم يظهر عنها فقيهٌ له وزن مؤثر في الساحة السودانية أو العربية والإسلامية، ولم تُنتج فكرها المزعوم أي مبدع مرموق في مجالات الغناء أو الأدب أو الفن أو الموسيقى، ولا عالِمًا يُفاخر به في ميادين البحث الأكاديمي أو العلوم الحديثة.
    هذا الغياب المدوي عن ساحات الفكر والجمال والعِلم يُقابله حضور طاغٍ لقادة الأمن والجيش، حتى باتت الحركة تُعرف أكثر بالقوة والبطش لا بالمعرفة والنهضة. يكفي أن قائمة الـ51 المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية تضم وجوهًا تربّت في رحم هذا المشروع، وخرجت من عباءته إلى دائرة العنف والدم. ليس مستغربًا إذًا أن يصبح الكذب ديدنًا، والتبرير عادةً، لأن الخطاب ذاته يقوم على احتكار الحقيقة، ونفي الآخر، وتسويغ السلطة بكل أثقالها.

    السؤال الذي يطرحه الواقع السوداني اليوم ليس عن أخطاء الماضي فحسب، بل عن إمكانية تكراره، هل انتهى مشروع الحركة (الإسلامية) سياسيًا؟ أم أن هناك من يجهز لإعادة طرحه في ثوب جديد؟ تتغير الأسماء والشعارات، لكن الهياكل ما زالت قائمة، والمجتمع ما زال يعاني من آثار التمكين القاسي والمؤلم، حتى هذه اللحظة، لم يُفتح داخل التنظيم حوارٌ جاد يُفضي إلى مراجعة حقيقية أو توبة صادقة من الذنوب الثقيلة التي أرهقت كاهل البلاد لا اعتراف بالانحرافات، ولا مراجعة للمناهج التي مزّقت السودان، وأشعلت فيه الحرائق، وأهدرت دماء الإنسان والحيوان على حد سواء. يبدو أن من تمرّغ في صناعة الخراب يصعب عليه أن يرى وجه الحق من جديد، فقد اختلطت الشعارات بالدماء، وانطفأت القدرة على التأمل أو التراجع. لقد طُبعت قلوبهم بما ارتكبوه، حتى بات الرجوع ضربًا من المستحيل، وكأنهم لا يسمعون نداء الضمير، ولا يخشون عدالة السماء.

    في الخلاصة أقول أن استمرار عملية التوثيق العادل والشامل أمر في غاية الأهمية لانها تهزم الاختزال و التزييف ومحاولات مسح الذاكرة، لذلك فإن مهمة الصحفيين والباحثين ليست فقط فضح الفساد، بل بناء سردية ناضجة تكشف الجذور، وتعيد الاعتبار للقيم التي تاهت في صخب السُلطة، لا انتقاما بل ترميما، فالتاريخ لا يُشفى بالإنكار بل بالحقيقة، وما ضاع يجب أن يُوثق، لا ليكون شاهدا على الخراب فحسب، بل ليكون بذرة لولادة جديدة تحفظ السودان من دوامة التكرار، وتؤسس لجمهورية إنسانية واعية، تقطع مع التسلط وتحتفي بالمواطنة والعدل.

    السبت 12 يوليو 2025م
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de