تُشكّل السلطة محور الصراع في السودان منذ الاستقلال، وهي ليست مجرد مُرادٍ سياسيّ، بل هي أداةٌ لبناء الدولة وإعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوداني. فمن غير المقبول أن يسيطر إقليمٌ واحدٌ على مقاليد الحكم، ويُوزّع خيراته كما يشاء، مُستخدماً وسائل الإعلام لإسكات الأصوات المُعارضة، خاصة حركات الكفاح المسلّح. إنّ السلطة الحقيقية تعني تحقيق العدالة والتنمية، وإصلاح النظام السياسيّ المُختلّ، وتغيير الثقافة السياسية والإعلامية.
يُبرز هذا التناقض جليّاً في تطبيق اتفاقية جوبا للسلام. فما يُسمح به للسلطة الحالية مُمنوع على حركات دارفور، رغم التزامها بالاتفاقية ومُكتسباتها، بما في ذلك القضايا الوطنية كالهوية ونظام الحكم، وإصلاح الخدمة المدنية والجيش، وغيرها. وقد وُضعت عراقيلٌ أمام تنفيذ الاتفاقية، رغم أنّ اتفاقيات المسارات المختلفة قد أجابت على تساؤلاتٍ تاريخيةٍ حول التنمية، والمشاركة في السلطة والثروة، وعالجت قضايا الأرض، والعدالة الانتقالية، والتعليم، والصحة، والأمن، والتعويضات، وجبر الضرر، فضلاً عن مشاركة أهل الإقليم في الوظائف القيادية بالخدمة المدنية (بنسبة 20% على مستوى الإقليم). يُشبه هذا الوضع المثل القائل "وضعت السيارة أمام الحصان". كل ذلك، على الرغم من تضحيات القوات المشتركة الصادقة في سبيل تحرير الوطن من القيادات السياسية الفاسدة، ومنع السيطرة على القرارات السياسية من قِبل عملاء الداخل والخارج. الهدف هو إعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة، وإظهار أنّها تُخدم مصالح الشعب.
تُستهدَف قياداتٌ وطنيةٌ، كوزير المالية والمعادن، بحملاتٍ إعلاميةٍ مُضلّلةٍ، مشابهةٍ لما حدث مع مدير شركة الموارد المعدنية في عهد قحت. هذه الحملات تنطلق من مفهومٍ عنصريّ، مُستندةٍ إلى فكرة أنّ "فلان من جهة معيّنة لا يستحقّ"، وذلك لمجرد نزاهته، وأخلاقه، وتاريخه الوطنيّ النظيف.
يتجلى الصراع على السلطة منذ مؤتمر الخريجين قبل الاستقلال، وتكرّر في فتراتٍ تاريخيةٍ مُختلفةٍ (1964، 1984، 2019)، وحتى في الانقلابات، بهدف منع مشاركة الأقاليم الأخرى في السلطة. وعندما تتكشّف الحقائق، تُسَكَّت هذه الأصوات.
لا يجب أن يخاف أحد من السعي للسلطة، فهي أداةٌ لتحقيق التغيير المنشود، ولن يتحقق ذلك إلاّ من خلال مشاركة عادلة، وتوزيعٍ مُنصفٍ للسلطة والثروة بين جميع أقاليم السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة