في تعقيدات بناء الثقة وتحالفات المستقبل في السودان: لا يمكن لأي مشروع وطني في السودان الراهن أن يؤسس لدولة حديثة، ديمقراطية وتعددية، دون مواجهة البنية العميقة للتفكك البنيوي الذي أصاب الكيان السوداني عبر العقود، والمتجسد في انقسامات إثنية، جهوية، دينية وطبقية، تشكلت بفعل التراكم التاريخي لاستراتيجيات الهيمنة المركزية. فالانتقال من وضع الدولة المختلّة إلى أفق التحديث السياسي والاجتماعي يتطلب، بالضرورة، تحالفات شجاعة تنبثق من رؤية عقلانية، ناضجة. تحليلية، واستشرافية معاصرة، تتجاوز منطق المحاصصة او التمترس الديني او القبلي او الجهوي، أو الترضيات المرحلية، وتنهض على أساس تفكيك بنية الدولة القديمة وإعادة تشكيل العقد الاجتماعي على أسس جديدة وشاملة.
السودان، بوصفه كياناً ما بعد استعماري، يعاني من تشوهات عميقة في بنيته المؤسسية والرمزية، ورثها عن مرحلة الاستعمار، ولكن جرى توسيعها وتعميقها بواسطة النخب المركزية ما بعد الاستقلال، عبر سياسات إقصائية منهجية تجاه المناطق الطرفية، وعسكرة التنوع الإثني والديني والثقافي، وتحويله إلى أداة للضبط السياسي ومراكمة السلطة والثروة في يد المركز، وهذا تكرر قولة من الكثيرين ولم يعد اخبار.
في هذا السياق، تُعدُّ تجارب الأراضي المحررة والنضال الطويل لمكونات السودان الجديد - في جبال النوبة، النيل الأزرق، ودارفور، مصدرًا لتراكم وعي سياسي نضالي، وسجلًا من الذاكرة الجماعية التي طوّرت لدى تلك المجتمعات مناعة أخلاقية وفكرية ضد الوقوع مجددًا في أنماط التحالفات القائمة على الخداع أو الاستغلال. وعليه، فإن التحفظات والمخاوف العميقة التي تعبّر عنها قطاعات واسعة من هذه المجتمعات تجاه التحالف القائم ضمن مشروع "تأسيس" ، لا سيما بسبب وجود قوات الدعم السريع كأحد أطرافه تمثل تعبيرًا مشروعًا ومؤسسًا على وقائع تاريخية موثّقة، لا على استقطابات آنية. لقد ارتبطت قوات الدعم السريع، في الوعي الجمعي لتلك المناطق، بسلسلة من الانتهاكات الجسيمة، شملت القتل الجماعي، النهب، التهجير القسري، والتعدّي على النسيج الاجتماعي، مما يجعل الحديث عن تحالفات مستقبلية مشروطة بوجودها موضوعًا محفوفًا بالتعقيد والشك المشروع.
أدوات تأسيس الثقة وبناء السودان الجديد: المنفستو والمبادئ فوق الدستورية: بحسب أدبيات الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، فإن تجاوز هذا الواقع المأزوم لا يتحقق عبر النسيان أو التسويات الرمزية، بل من خلال اعتراف شجاع بالمأساة، ومراجعة صريحة لبنية العنف، وتأسيس منظومة ثقة قائمة على العدالة التاريخية، المحاسبة، وإعادة هيكلة الدولة. وقد عبّرت الحركة عن هذا التوجه من خلال وثيقتين مرجعيتين: "المنفستو" و"المبادئ فوق الدستورية". في المنفستو، تُطرح رؤية السودان الجديد بوصفه مشروعًا جذريًا لإعادة هيكلة الدولة، لا يقوم على المصالح الظرفية أو التفاهمات السياسية التقليدية، بل يستند إلى مبادئ أساسية تشمل: - العلمانية، كضامن لحياد الدولة تجاه الدين ومنع تسييسه أو استخدامه كأداة للتمييز والتعبئة. - العدالة الاجتماعية، عبر الاعتراف المتكافئ بالمواطنة وضمان توزيع عادل للفرص والموارد. - اللامركزية، كنموذج للحكم القائم على التوزيع العادل للسلطة والثروة. - الاعتراف بالتنوع الإثني والثقافي، لا بوصفه تهديدًا لوحدة الدولة، بل أساسًا لبنائها وتجديد شرعيتها. أما المبادئ فوق الدستورية، فتؤكد على مجموعة من القواعد السياسية والقانونية والأخلاقية التي تشكل الأساس الذي لا يجوز تجاوزه أو تعديله، والتي تضمن قيام دولة حديثة. ومن أبرز هذه المبادئ: - العلمانية: لضمان المساواة بين المواطنين دون تمييز ديني أو ثقافي او جهوي. - الديمقراطية التعددية: بما تضمنه من تداول سلمي للسلطة واعتراف بتعدد الهويات والانتماءات - اللامركزية: كنظام يُمكّن المجتمعات المحلية من إدارة شؤونها والتنمية الذاتية - حق تقرير المصير: كضمانة قصوى لاحترام إرادة المجتمعات التي عانت التهميش والقمع التاريخي في ضوء هذه المبادئ، فإن أي تحالف حقيقي ومشروع في السودان الجديد يجب أن يكون مشروطًا بها، وأي طرف يرغب في الشراكة السياسية لبناء وطن ينبغي عليه أن يثبت التزامًا واضحًا وعمليًا بمضمون هذه المبادئ.
جراح لم تندمل بعد: عن التوظيف السياسي للهوية والعنف وبناء مشروع وطني جديد إن التحفظات التي قد تُبديها قطاعات من سكان الهامش السوداني - في جبال النوبة، والنيل الأزرق، ودارفور - تجاه تحالفات تضم قوى ارتبطت في الذاكرة الجمعية بالعنف والإقصاء، ليست تعبيرًا عن انفعال عاطفي أو ارتكاس قبلي، بل مواقف عقلانية مشروعة تستند إلى تجارب تاريخية مؤلمة ومعقّدة، تراكمت عبر عقود من التهميش، والعنف البنيوي، والإقصاء السياسي والثقافي. لقد استُخدمت حواضن اجتماعية بعينها - ولا سيما بعض القبائل العربية - كأدوات تنفيذ لمخططات المركز، تحت شعارات مضلّلة مثل "الإسلام والعروبة"، أو "الوحدة الوطنية"، أو "هيبة الدولة". غير أن هذه الشعارات أخفت في جوهرها آليات تفتيت خطيرة، أنتجت ممارسات تطهير عرقي، إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، تركت أثرًا عميقًا على النسيج الاجتماعي، وأعادت إنتاج ثنائيات قاتلة من نوع "الضحية/الجلاد"، لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على الوجدان الجمعي حتى اليوم، وتشكل حواجز نفسية وسياسية تعرقل أي عملية مصالحة حقيقية، وتعيق فرص الالتقاء حول مشروع وطني جامع.
ومما يزيد من تعقيد هذا المشهد، أن بعض أدوات حكومة بورتسودان، المتبقية من النظام القديم، ما تزال تعمل بنشاط لزرع الشكوك وتشويه أي مشروع وطني بديل. وتُمارس هذه الجهات حملات تضليل إعلامي وتحريض مباشر داخل مجتمعات الهامش، ساعية إلى تغذية الانقسام، وزرع الفتنة، وشيطنة الحراك الثوري، بما يخدم استمرار مركزية السلطة، ويُبقي الهامش في حالة من التنازع الداخلي تفقده القدرة على الفعل الجماعي.
من هنا، يصبح فهم هذه التحفظات ضرورة سياسية وأخلاقية قبل أن تكون أمنية أو مطلبًا دبلوماسيًا. ومن غير الممكن الحديث عن مشروع وطني جامع دون الاعتراف بشرعية هذه المخاوف، ومقاربة الذاكرة الجمعية لهذه المجتمعات لا كعبء ينبغي تجاوزه، بل كركيزة ضرورية لبناء وطن مختلف، أكثر عدلًا وشمولًا. إن الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، عندما تخوض غمار هذه التحالفات الصعبة والمعقدة، وتفتح أفقًا سياسيًا جديدًا يتضمّن قوى سبق أن واجهتها ميدانيًا أو تاريخيًا، فإنها لا تمارس نسيانًا انتقائيًا، ولا تساوم على حقوق الضحايا، بل تسلك طريقًا واعيًا ببنية التعقيد، مشروعًا يتطلب فهمًا عميقًا لطبيعته الجذرية، وتقديرًا لحجم المخاطر والتضحيات التي يستلزمها، وجرأة في إعادة ترتيب الأولويات الوطنية. فالانتقال من مرحلة المقاومة إلى مرحلة إعادة تأسيس الدولة، ليس مجرّد تحول تقني أو تغيير في خطاب النضال، بل هو قفزة استراتيجية وفكرية وأخلاقية جريئة، تستند إلى وعي تاريخي بأن المستقبل لا يُبنى بالشعارات، ولا بالتوازنات الوقتية، بل بالمراجعات المؤلمة، وبشجاعة المصارحة، وبطرح أسئلة العدالة دون مواربة، والاعتراف بالواقع كما هو، لا كما نرغب أن يكون. وهو ما يتجسّد في الوثائق المرجعية للحركة: في "المنفستو" الذي يؤطر لمشروع السودان الجديد القائم على التعدد والعدالة، وفي "المبادئ فوق الدستورية" التي تُرسّخ الأسس الأخلاقية والقانونية للتحالفات المستقبلية، وأخيرا في ميثاق تأسيس الذي يدعو لبناء دولة لامركزية، علمانية، ديمقراطية، قائمة على تفكيك الدولة القديمة بكل مكوناتها، من مؤسسات ومنظومات فكرية وخطابية، لا على إعادة إنتاجها بأسماء جديدة.
وعليه، فإن قراءة خطوة الحركة الشعبية في قيادة هذا المشروع الثوري لا بد أن تمرّ عبر فهم هذا المسار الشاق، الذي لم يُبنَ على إنكار الماضي، بل على تحويل الذاكرة المؤلمة إلى قاعدة للتأسيس لا أداة للانتقام، وعلى إعادة تعريف مفهوم العدالة بوصفه ركيزة تأسيسية لا مطلبًا مؤجلًا. فبناء وطن يسع الجميع لا يتم دون اجتراح مبادرات شجاعة، تستوعب الجراح، وتُعيد ترتيب العلاقة بين المكونات، وتُنتج سردية وطنية جديدة قائمة على المصارحة، لا على الطمس والتجاهل، وعلى إعادة تخييل الهوية الوطنية على أسس جديدة تتجاوز التقسيمات الإثنية والطائفية التي هندسها المركز، وتضع مكانها تصورًا مدنيًا إنسانيًا تعدديًا للانتماء الوطني. والحركة الشعبية هنا تبتدر وتقود بشجاعة.
إن الخطوة الجريئة التي تقوم بها الحركة الشعبية اليوم، بقيادة تحالفات صعبة ومعقّدة، تنبع من هذا الوعي العميق بالواقع المركّب، وهي لا تمثّل قفزاً فوق الذاكرة الجمعية، بل محاولة شجاعة لتحويلها إلى طاقة بناءة، تستند إلى قاعدة أخلاقية واضحة، ترفض طمس الماضي، وتصرّ على الإنصاف والمساءلة كشرطين لأي مصالحة حقيقية. فبناء الثقة لا يكون بتناسي الجراح، بل بالاعتراف بها، والالتزام بضمانات سياسية وقانونية، تضع العدالة في مركز المشروع الوطني الجديد وبهذا المعنى، فإن مشروع السودان الجديد لا يسعى إلى تسوية فوقية، بل إلى قطيعة معرفية وأخلاقية مع منطق الدولة القديمة، وإعادة تعريف للوطنية على أساس من الحقوق، والمواطنة المتساوية، والاعتراف بالتعدد، واحترام كرامة جميع الشعوب السودانية، دون استثناء أو امتياز. وفي هذا المسار، تصبح التحفظات صوتاً نقدياً ضرورياً، يضمن ألا يتحوّل المشروع إلى إعادة إنتاج لأشكال الهيمنة القديمة، ويذكّر بأن لا طريق إلى السلام دون عدالة، ولا عدالة دون شجاعة في المصارحة والبناء الجذري لمستقبل مشترك.
الحركة الشعبية ليست تنظيمًا احتجاجيًا محدود الأفق، بل هي مشروع وطني- ثوري يمتد في الزمان والمكان، يحمل وعيًا سياسيًا عميقًا بمسؤولياته التاريخية تجاه إعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة من العدالة والمساواة والمواطنة. وهذا المشروع لا يُقاس بمواقف انفعالية أو شعبوية، بل يتأسس على وعي تاريخي واستراتيجي يدرك تعقيدات المشهد السوداني، ويعي أن بناء الثقة بين المكونات المجتمعية التي فرّقتها سياسات المركز لا يتم بالشعارات، بل بالمبادرات الجريئة والاعترافات الصادقة وإعادة تأطير العلاقات على أساس من العدالة والكرامة والحقوق.
في هذا السياق، فإن قيادة الحركة لمشاريع المصالحة الوطنية، وتأسيس أفق سياسي جديد يشمل أعداء الامس - إذا استوفوا شروط العدالة والمساءلة والمصارحة - لا يُعد خيانة لتاريخ المقاومة، بل تجسيدًا لرؤية أخلاقية وسياسية تُدرك أن المصالحة الحقيقية لا تنفصل عن العدالة، وأن السلام الحقيقي لا يُبنى إلا على أساس من الاعتراف بالحقائق وتفكيك البُنى القديمة ومساءلة من خطط الي الجرائم و بمرتكبيها.
الثقة، كما تُظهر تجارب ما بعد النزاعات الكبرى في جنوب إفريقيا ورواندا والبوسنة وإيرلندا الشمالية وغيرها، لا تُمنح تلقائيًا، ولا تُنتزع بالشعارات، بل تُبنى عبر مسار طويل ومعقد من المصارحة، والمسؤولية، وتقديم الضمانات القانونية والسياسية، والانخراط في عمليات تفكيك حقيقي للخطابات والممارسات التي كرّست العنف والتمييز والإقصاء. وهذا يتطلب خلق تعاقد اجتماعي جديد، قائم على الإنصاف، ويعترف بالحقوق الجماعية والفردية، ويضع العدالة في صميم مشروع الدولة. وفي المقابل، لا يمكن تجاهل أن معظم قواعد الدعم السريع، وحواضنه الاجتماعية، بدأ يدرك بوضوح أن النظام المركزي، الذي استغلهم لسنوات طويلة، لم يكن يعنيه أمنهم ولا مصالحهم، بل كان يوظفهم كأدوات مؤقتة لتنفيذ أجنداته السلطوية. لقد خُدع كثيرون بشعارات دينية وقبلية زائفة، وجُرّوا إلى حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، باسم وحدة الوطن تارة، وباسم محاربة التمرد تارة أخرى. واليوم، في ظل التحولات الجارية، والانهيارات المتسارعة في بنية الدولة القديمة، فإن وعيًا جديدًا بدأ يتشكّل داخل تلك المجتمعات، يُدرك أن مصيرها الحقيقي، وكرامتها، وحقوقها، لا تنفصل عن مصير وكرامة وحقوق بقية المجتمعات المهمشة، وفي طليعتها جبال النوبة، والنيل الأزرق، ودارفور.
إن ما يجمع هذه المجتمعات أكثر بكثير مما يفرقها: التهميش السياسي، والاستغلال الاقتصادي، والإقصاء الثقافي، والانتهاك المتكرر للحقوق، والحرمان من التنمية، وغياب صوتها في مراكز اتخاذ القرار. من هنا، فإن بناء الكتلة التاريخية - كما صاغها أنطونيو غرامشي - لا يكون مجرد تحالف مصالح آنية، بل مشروع طويل النفس لإعادة بناء البنية التحتية للفكر والسياسة والثقافة، عبر تحالف بين قوى اجتماعية كانت مُبعثرة، لكنها تشترك في رفض الاستبداد، وتطمح لعدالة جذرية. غرامشي يرى أن الثورة ليست فقط انتفاضة ضد السلطة، بل بناء هيمنة جديدة تقوم على التوافق الأخلاقي والفكري، وهو ما يتطلب بلورة مشروع ثقافي- سياسي تتضافر فيه القوى التقدمية، بما في ذلك تلك التي كانت حتى وقت قريب أسيرة للهيمنة الإيديولوجية للمركز. من هنا، فإن مشروع السودان الجديد هو ليس فقط إعادة توزيع للسلطة، بل هو أيضًا إعادة تعريف للوطنية، ومراجعة شاملة لسردية الدولة، وتأسيس لشرعية جديدة تنبع من القيم، لا من السلاح.
وبذلك، فإن الطريق الوحيد للخروج من حلقة العنف والانقسام، وإعادة بناء الثقة المجتمعية، يمرّ عبر تبنٍّ جماعي لمشروع السودان الجديد، كما تصوره وثائق الحركة الشعبية، من "المنفستو" إلى "المبادئ فوق الدستورية" إلى ميثاق "تأسيس" مؤخرا. هذا المشروع لا يساوم على المبادئ، ولا يُخضع القيم للحسابات اللحظية، بل يطرح رؤية صلبة لسودان علماني، ديمقراطي، لا مركزي، عادل، قائم على الاعتراف لا الإلغاء، وعلى العدالة لا المجاملة، وعلى المواطنة لا الامتيازات. وقد بيّنت وثيقة "المبادئ فوق الدستورية" بوضوح أن هذا المشروع لا يُبنى إلا على قاعدة أخلاقية وقانونية واضحة تشمل: • العلمانية كضامن لحياد الدولة وحقوق الجميع دون تمييز أو هيمنة؛ • اللامركزية كآلية لتوزيع السلطة والثروة بعدالة وإنصاف؛ • الديمقراطية التعددية كأساس للمواطنة المتساوية والمشاركة السياسية؛ • حق تقرير المصير كضمانة ضد التهميش البنيوي وضد إعادة إنتاج الاستعباد السياسي؛ • العدالة التاريخية كأفق للإنصاف واستعادة الكرامة الجماعية. إن إدماج مفاهيم العدالة التاريخية، والمحاسبة، والمصالحة، في مشروع تحالفي واسع، لا يُفهم كتنازل، بل كموقف ثوري مسؤول، يعيد تعريف الوطنية بوصفها التزامًا أخلاقيًا تجاه الضحايا والناجيين، وإصرارًا على ألا يتكرر الماضي، وتأسيسًا لوطن لا يقوم على الالغاء، بل على الاحتواء؛ لا على القهر، بل على المشاركة؛ لا على الامتياز، بل على الحقوق المتساوية، وبهــذا، فإن التحفظ المشروع لا يتناقض مع الانخراط الواعي في مشروع السودان الجديد، بل يغذّيه ويرفده بالنقد البناء، ويعزّز من طابعه الأخلاقي التأسيسي، ويمنع انزلاقه إلى تسويات فارغة. فالثقة لا تُمنح، بل تُبنى. والعدالة ليست خيارًا، بل شرطًا للسلام الحقيقي. ولا مصالحة بدون مساءلة. ولا وطن دون عقد جديد يعترف بكل مكوناته، ويضمن لكل فرد فيه كرامته وحقوقه بلا تمييز.
خاتمة: الثقة ليست منحة… بل استحقاق: إن بناء الثقة لا يُفرض من أعلى، بل يتأسس من القاعدة، من الجرأة على قول الحقيقة، ومن الاستعداد لدفع ثمن العدالة. وهو ما تسعى إليه الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، لا من باب المغالبة أو الهيمنة، بل من منطلق الشراكة في المأساة، والمصير، والمستقبل. إن السودان الجديد لا يقوم على طمس الذاكرة، بل على تحويل الجراح إلى طاقة سياسية وأخلاقية تؤسس لدولة لا تُكرر أخطاءها، ولا تعيد إنتاج جلاديها. وما لم تُبنى هذه الثقة على أسس علمانية، ديمقراطية، عادلة، وتعددية، كما نصت عليها وثائق التأسيس، فإن أي سلام سيكون مؤقتًا، وأي تحالف سيكون هشًا. أما إذا احترمت هذه الشروط، فإن ما كان يومًا عداءً دمويًا يمكن أن يتحول إلى تحالف تاريخي من أجل وطن مشترك يستحقه الجميع.
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة