للحرب أخلاق و قيم تدل على درجة المسؤولية و الإنضباط القيمي للأطراف المتحاربة ؛ و قد تابعت بدقة مدخلات و مخرجات الحرب الأخيرة بين إيران كطرف ، و إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية كطرف مقابل ، و التي إستمرت ١٢ يوماً ، حبست فيه أنفاس العالم أجمع ؛ هذه الحرب كانت مؤجلة من زمن بعيد ، لأن مستوى الشحن النفسي و العداوة بين إيران و إسرائيل كانت في تصاعد ، و كل طرف يعد العدة ليوم النزال طوال العقود الثلاثة الماضية.. العالم يدرك حجم القوة التدميرية و الهجومية لدولة إسرائيل ، و كان يتابع تقدم إيران في مجال الصواريخ البالستية بشقيه قصيرة المدى و طويلة المدى ، و لكن دقتها و درجة قوتها التدميرية كان محل شك .. أمران شجعا رئيس وزراء إسرائيل على تجربة خوض الحرب مع إيران ؛ الأول ، الانتصارات التي حققها في غزة و لبنان على حماس و حزب الله ، و الثاني ، مجيء الصديق الحميم دونالد ترامب للمرة الثانية في البيت الأبيض ، هذه المؤشرات هي التي دفعت السيد نتنياهو للمضي قدماً في طريق حسم القضية المؤجلة مع إيران ، بالإضافة الى البحث عن مجد شخصي يخلده في الذاكرة الإسرائيلية و العالمية . . هل سبق أن وضعت إسرائيل سقف زمني أثناء حروبها السابقة منذ العام ١٩٤٨ ؟ لا أعتقد ذلك .. بدأت حربها مع إيران بضربة مباغتة للقيادات العسكرية الإيرانية ، و أتبعها بجملة من الإغتيالات للعلماء والباحثين في المجال النووي ، و ركزت بعد ذلك في البنى التحتية للمجال النووي و الصواريخ البالستية ، و نجحت لحد ما في حملتها بفضل إختراق جهاز مخابراتها للمجتمع الإيراني ؛ بيد أن العائق الذي أدى إلى الفشل الذريع في الحملة العسكرية هو البيئة الطبيعية في إيران من ناحية و حسن إستغلالها بصورة نموذجية من ناحية العقل الفارسي لحماية المكتسبات ، فإيران منطقة جبلية ، و بعد إستهداف إسرائيل في العقود الأربعة للمفاعل النووي في العراق و سوريا ، عمدت إيران لإستغلال البيئة الطبيعية بأفضل طريقة ممكنة ، فبنت مفاعلاتها النووية و قواعد تخزين الصواريخ البالستية و منصاتها في عمق الجبال ، و فوق ذلك حمتها بطبقة أسمنت فائقة الأداء ، و التي تحد من القوة التدميرية لأم القنابل الأمريكية من ٦٠ متر إختراق لهذه القنبلة إلى ٨ أمتار فقط في المرة الواحدة !! هذه الاستراتيجية هي التي أرغمت إسرائيل و أمريكا لوضع سقف زمني لإنهاء هذه الحرب ، و لعل الإثني عشر يوماً فيه رمزية لعشائر بني إسرائيل الإثني عشر ؛ بالمقابل ، أظهرت صواريخ إيران البالستية نجاعة و قوة تدميرية لم يتوقعها أفضل المتفائلين بصمود إيران ، فأحدثت دماراً لم يحدث لدولة إسرائيل في جميع حروبها السابقة ؟! فأدركت إسرائيل خطورة مسار الحرب مع إيران. ، فلأول مرة في تأريخها الحديث ، ترى فيها إسرائيل وجه الحرب الحقيقي بلسان المحللين الإسرائيليين أنفسهم ، فهي في حروبها السابقة ، كانت القوة التدميرية تظهر في الطرف الآخر ، و لا تكاد تظهر في إسرائيل نفسها لضعف الأطراف المتحاربة معها ، و لكن مع إيران كان الوضع مختلفاً تماماً ، فقد رأي العالم بأم عينيه مدى تأثر إقتصاد و قطاع الأعمال في إسرائيل بالحرب ، و لو إستمرت الحرب لمدة شهر كامل لدخل إقتصاد إسرائيل و إيران غرفة الإنعاش و العناية المركزة !! نعم ، لذا كانت المسرحية الكوميدية الأمريكية المتمثلة في ضرب المنشآت الحيوية النووية شديدة التحصين في إيران ضرورية كمخرج سياسي لإسرائيل ، و قد كان .. لكن من ناحية أخلاقية ، فقد أثبتت دولة إيران درجة مسؤولية كبيرة جدآ ، و أثببت بما لا يدع مجالاً للشك أن حرصها على السلم و الأمن الدوليين أكبر و أفضل من حرص الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل اللتان تدععيان زوراً و بهتانا أنهما حماة القيم الديمقراطية في العالم ، أما كيف ذلك ؟ فلأن دولة إيران بدقة صواريخها البالستية و التي أصابت بدقة معهد وايزمان الإسرائيلي العريق ، فخر مجالات الفيزياء و الاحياء في إسرائيل و العالم كان يمكنه إصابة مفاعل ديمونة النووي و ملحقاتها الأخرى و التسبب في كارثة إنسانية و نووية تنتشر مداها في إسرائيل و ما جاورها ، و لكن درجة النضج السياسي و الانساني للمرشد الأعلى و مستشاريه منعت إيران التي كانت توصف قبل الحرب بزعيمة محور الشر ، منعتها من معاقبة الجميع بسبب خطأ نتنياهو و ترامب المتهورين ، و بالمقابل ، فقد قام فريق ترامب و نتنياهو المتهورين بقصف المواقع النووية الايرانية المحصنة و التي كانت يمكنها أن تتسبب في كارثة نووية لو وصل تأثير الضربة إلى مفاصلها ؟ و لكن حكمة قائد ركب دولة إيران و مستشاريه ، حالت دون حدوث الكارثة النووية بسبب الاحتياطات التي أخذت و نفذت قبل الضربة العسكرية ، فالعالم مدين لإيران ، و لا خوف عليه بعد هذه الدرجة من المسؤولية من إمتلاك إيران لسلاح نووي حقيقي ، فهي لا تقل اليوم مسؤولية عن باكستان و الهند اللتان خاضتا نزاعا عسكرياً لمدة أربعة أيام و لم تخرقا الأمن و السلم الدوليين بالرغم من إمتلاكهما أسلحة نووية ، فعلى العالم قفل مناقشة البرنامج النووي الايراني بعد هذه الحرب و التفرغ لبرامج أخرى أهم و أفيد ، و على إسرائيل و إيران القبول ببعض ككيانات دولية موجودة و لم تغب من سجل الحضارة الإنسانية من قديم الزمان ، فالالغاء المتبادل يجب أن يعدم في التاريخ الحديث ، لأنه يناقض التأريخ القديم و ينسفه ، فالفرس أصحاب حضارات ، و بني يعقوب بن اسحاق بني إبراهيم كذلك . E_m : [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة