مسارات التغيير ٢٠٢٥ (2) مجلس الأمن والدفاع الوطني ودوره الدستوري مقدمة: مع انهيار الوثيقة الدستورية التي وُقعت عام 2019 عمليًا وسياسيًا، وغياب أي شرعية دستورية متفق عليها حاليًا في السودان، تبرز الحاجة المُلحة إلى إعلان دستوري جديد يُعالج مكامن الخلل ويؤسس لسلطة انتقالية ذات فعالية وكفاءة، قادرة على الاستجابة لتحديات الأمن والسيادة، وإدارة الفترة الانتقالية بوضوح وصرامة. إن من أبرز ما يجب أن يتضمنه هذا الإعلان هو تثبيت مجلس الأمن والدفاع الوطني كجسم دستوري سيادي – تنفيذي، يُشكل العمود الفقري للسياسات الأمنية والعسكرية في البلاد. الخلفية والحاجة الملحة: رغم أن مجلس الأمن والدفاع موجود من الناحية العملية في السودان منذ سنوات، إلا أنه ظل دون أسس دستورية واضحة، كما أن آلية انعقاده وعمله غير منتظمة، حيث لم يُعقد هذا العام سوى مرتين فقط، ولم يجتمع حتى بعد أحداث محورية مثل الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، أو في أعقاب هجمة المليشيا على مناطق حدودية سودانية، وهو ما يُظهر ضعفًا مؤسسيًا خطيرًا في التعاطي مع القضايا الأمنية والاستراتيجية. إن تثبيت المجلس في نص الإعلان الدستوري الجديد ليس مسألة تنظيمية فقط، بل قضية وجودية للدولة السودانية، في ظل بيئة إقليمية ودولية شديدة الاضطراب، وواقع داخلي يمر بحرب أهلية وانقسامات سياسية. أهمية المجلس كجسم دستوري سيادي: من هذا المنطلق، يُفترض أن يكون المجلس هو: ⁃ الهيئة الأعلى المختصة بالملفات السيادية المرتبطة بالأمن والدفاع. ⁃ الجسر بين مجلس السيادة ذي الطابع الشرفي ومجلس الوزراء التنفيذي المدني. ⁃ منبر التنسيق الفعّال بين العسكريين والمدنيين فيما يختص بقضايا الأمن القومي، - المكان المناسب لاستيعاب أطروحات وجهود قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقيات السلام، خاصة فيما يخص ملفات الترتيبات الأمنية، الدمج والتسريح، وإعادة هيكلة القوات النظامية. نموذج تشريعي مقترح: نقترح تبني النص التالي ضمن الإعلان الدستوري الانتقالي الجديد: مجلس الأمن والدفاع الوطني: المادة 97. يُنشأ مجلس الأمن والدفاع الوطني كهيئة دستورية عليا معنية بقضايا الأمن والدفاع، ويضم: - رئيس مجلس السيادة الانتقالي (رئيساً للمجلس)، - بقية أعضاء مجلس السيادة الانتقالي، - رئيس الوزراء، - وزير الدفاع، - وزير الخارجية، - وزير الداخلية، - وزير المالية، - رئيس هيئة أركان الجيش، - مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، - أي شخصية مدنية أو عسكرية أخرى يعينها مجلس السيادة بمرسوم رئاسي. المادة 98. يختص مجلس الأمن والدفاع بوضع السياسات العليا للأمن والدفاع، والإشراف على نشاطات السلطة التنفيذية في هذا المجال، خاصة وزارتي الدفاع والداخلية، ومراجعة وتقييم الخطط السنوية ذات الصلة. المادة 99. يعين أعضاء مجلس الأمن والدفاع الوطني بمرسوم رئاسي من مجلس السيادة الانتقالي. المادة 100. يضع مجلس الأمن والدفاع قواعد إجراءاته. المادة 101. يتخذ مجلس الأمن والدفاع قراراته بالأغلبية. التكوين المرن والوظيفة السيادية: إن التكوين المرن المقترح للمجلس، وخاصة إذا تم تقليص عدد أعضاء مجلس السيادة، سيُحقق توازنًا مهمًا بين المكونات المدنية والعسكرية، ويمنحه القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية تمس الأمن القومي دون أن يكون أداة للمحاصصة. إن إشراك قادة الحركات الموقعة على اتفاقيات السلام في المجلس يُعد ضرورة واقعية، لما لهم من دور محوري في عمليات الدمج والتسريح وبناء الجيش الوطني الموحد، وهو ما يتطلب قناة مؤسسية واضحة ومنتظمة للحوار وصناعة القرار. خاتمة: في زمن تتعرض فيه سيادة السودان لأخطار جسيمة، وتتجاذبه محاور إقليمية، ويعيش حالة من الهشاشة الأمنية، فإن وجود مجلس أمن ودفاع وطني دستوري وفعّال ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة بقاء. لهذا يجب أن يُكرّس الإعلان الدستوري الجديد هذا المجلس كأحد أعمدة السلطة الانتقالية. إن تثبيت هذا المجلس كهيئة دستورية ذات صفة دائمة في فترة الانتقال يضمن انتظام اجتماعاته، ويُحمله المسؤولية المباشرة أمام الشعب ، ويُجنب البلاد حالة السيولة الحالية في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالحرب والسلام، و أو إدارة الأزمات القومية. عادل عبد العاطي 24 يونيو 2024م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة