من مليط إلى وادي حلفا: خريطة واحدة تعقيب على مقال د. الوليد آدم مادبو: قوافل التحرير تكتب الجغرافيا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-27-2025, 05:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-11-2025, 10:38 PM

احمد التيجاني سيد احمد
<aاحمد التيجاني سيد احمد
تاريخ التسجيل: 08-16-2022
مجموع المشاركات: 461

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من مليط إلى وادي حلفا: خريطة واحدة تعقيب على مقال د. الوليد آدم مادبو: قوافل التحرير تكتب الجغرافيا

    10:38 PM June, 11 2025

    سودانيز اون لاين
    احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا
    مكتبتى
    رابط مختصر



    من مليط إلى وادي حلفا: خريطة واحدة
    تعقيب على مقال د. الوليد آدم مادبو: قوافل التحرير تكتب الجغرافيا من جديد

    ✍️ د. أحمد التيجاني سيد أحمد
    عضو تحالف تأسيس

    في مقاله «من مليط إلى جبل العوينات»، قدم الدكتور الوليد آدم مادبو تشريحًا لكيفية استخدام الخرائط والقرارات الاقتصادية كأدوات تهميش وعقاب سياسي ضد إقليم دارفور، بدءًا من تحويل نقطة الجمارك من مليط إلى دنقلا في عام 1992، في عملية لا تفسير لها إلا توطين الامتياز الجهوي وتحويل شريان الاقتصاد إلى حكرٍ على المركز.

    لكن ما حدث لمليط، لم يكن استثناءً ولا حادثة عارضة، بل كان جزءًا من سياسة ممنهجة، استهدفت كل منطقة أرادت أن تعيش بكرامة خارج جاذبية المركز. فقد تكررت الخيانة نفسها في الشمال، حين وُضعت وادي حلفا تحت المقصلة. لم يكن ذلك عبر الجمارك كما حدث في مليط، بل عبر موردٍ لا غنى عنه: الكهرباء.

    في الأصل، كانت الخطة واضحة:ازالة وادي حلفا من الخريطة. حاولوا ذلك في الستينيات بتهجير أهلها وغمر المدينة القديمة بمياه السد العالي، باسم الشراكة مع مصر. فشلوا، لأن ذاكرة النوبيين لم تُغمر. ثم انتقلوا إلى الخطة الثانية: تجفيف الحياة بالحرمان من الخدمات الأساسية، فتم إهمال البنية التحتية، وإقصاء المنطقة من خطط الاستثمار وشبكات النقل والتجارة. لكنهم فشلوا مرةً أخرى، لأن النوبيين – برغم التهجير – امتازوا بقدرتهم على الاعتماد على النفس، فبنى المهاجرون مستشفياتهم ومدارسهم ومرافقهم الخيرية، وزرعوا الأرض بلا دعم من أحد.

    ولأنهم فشلوا في المسح والتهميش، لم يبقَ في جعبتهم إلا سلاح القطع. وهكذا جاء قطع الكهرباء عن حلفا – كما حدث الأسبوع الماضي – كآخر تجلٍ لعقيدة العقوبة الجماعية، لا ضد مخالفة قانون، بل ضد منطقة رفضت الانحناء، تمامًا كما رفضت مليط أن تكون مجرد نقطة على هامش الخريطة.

    ثم جاءت محاولة جديدة تحت غطاء “التنمية”، حين طرحت الحكومات المتعاقبة مشاريع سدود في كجبار ودال، لتكمل ما لم يتمّ في تهجير الستينيات. لم يكن الهدف تحسين حياة السكان، بل إغراق ما تبقى من الأرض والتاريخ. فقاوم النوبيون بوعيٍ نادر. رفعوا رايات الرفض، واجهوا الإعلام والتضليل، فأطلق النظام قناصته، وسالت دماء الشباب النوبي في كجبار، فقط لأنهم أرادوا البقاء.

    في كلا الحالتين – مليط وحلفا – لم يكن الأمر متعلقًا بالبعد الجغرافي عن المركز، بل بالبعد الثقافي والهوياتي. فكما سُمّي أهل دارفور "زرقة" و"عبيد" و"فروخ"، سُمّي النوبيون "برابرة" و"رطانة" — وكأن اللغة والنسب أدوات تصنيف في دفتر الوطنية، تُستخدم لتقرير من يستحق التنمية ومن يُعاقب بالتجاهل.

    النخب المركزية التي هيمنت على السلطة لعقود استخدمت أدوات الدولة لخدمة الجهة والعرق والمصالح الضيقة، وجعلت من الطرق، والموانئ، ومحطات الكهرباء، والجمارك، امتيازات مناطقية، لا بنى وطنية. من هنا نفهم كيف أصبح الطريق من ليبيا إلى دارفور يمر عبر دنقلا والخرطوم، لا عبر الكفرة أو الطينة، وكيف أصبح نقل الجمارك ومشاريع السدود أدوات إخضاع، لا أدوات تخطيط.

    لكن في مقابل هذه الدولة المختطفة، برزت مجتمعات قادرة على بناء أدوات صمودها بنفسها. في وادي حلفا، كما في دارفور، اعتمد الناس على تحويلات المغتربين، وعلى المشاريع الأهلية، وعلى التضامن الاجتماعي لبناء ما هدمته الدولة. لم تكن المدارس ولا العيادات ولا محطات المياه نتاج ميزانيات قومية، بل ثمرة نضال يومي ضد التهميش.

    الرسالة التي حملها مقال د. الوليد هي أن الجغرافيا يمكن أن تتحرر حين تتحرك القوافل، حين تخرج دارفور من عنق الزجاجة، وتكتب طرقها بعرق الناس لا بمراسيم الخرطوم. لكن الرسالة الأوسع، التي نحتاج جميعًا أن نؤمن بها، هي أن لا دارفور يمكن أن تتحرر ما لم تتحرر حلفا، ولا كردفان تنهض ما لم تنهض دنقلا، ولا شرق يستقيم ما لم يُنصف غرب.

    إنها خريطة واحدة لعدوَين: "زرقة" و"رطانة"، ووطن واحد لا يُبنى من الخرطوم، بل يُستعاد من الأطراف، حيث لا تزال الكرامة تحفر في الصخر، وتزرع الحياة في الوحل، وتضيء المصابيح بالشموع إن انقطعت الكهرباء.

    السياق الإقليمي يزيد من تعقيد المشهد. فالعلاقة الثلاثية بين السودان ومصر وليبيا لم تكن محايدة في تحديد مصير المناطق الحدودية مثل وادي حلفا أو مثلث العوينات. فمصر، التي استفادت من السد العالي، لم تُبدِ يومًا استعدادًا لتعويض المجتمعات المتضررة، بل اعتبرت النوبيين في السودان مجرد امتداد جغرافي بلا حقوق تاريخية أو ثقافية. أما ليبيا، فطالما سعت إلى فتح طرق تجارية بديلة تخترق الصحراء، لكن الخرطوم المركزية وقفت حجر عثرة أمام أي انفتاح على الجوار الغربي إذا لم يكن عبر "عنق الزجاجة" الخرطومي.

    وفي الجنوب والشرق، تكرر النمط نفسه. مناطق مثل النيل الأزرق وكسلا وسنكات ظلت لعقود خارج دوائر التخطيط التنموي، رغم ما تملكه من موارد طبيعية وبشرية. لا لشيء، سوى لأنها لم تنتج نخبًا مرضيًّا عنها في الخرطوم. وتمامًا كما حدث في مليط وحلفا، تم استخدام البنية التحتية كوسيلة ترغيب أو عقاب، لا كحق من حقوق المواطنة.

    لقد حان الوقت لإعادة تعريف العلاقة بين الجغرافيا والعدالة. إذ لا معنى لأي مشروع وطني دون إعادة توزيع الموارد والنفوذ والتمثيل السياسي بطريقة تنهي هذه الحلقة الجهنمية من الامتياز. فالذين يتحدثون عن الوحدة الوطنية، بينما يحتفظون بكل مفاتيح الاقتصاد والسلطة في جيوبهم، لا يبنون وطنًا، بل يحصّنون امتيازًا.

    إن مشروع "تحرير الجغرافيا" لا ينبغي أن يبقى حكرًا على القوافل المسلحة، بل يجب أن يتحول إلى حركة مدنية شاملة تعيد كتابة العقد الاجتماعي على أسس جديدة: لا امتيازات خفية، لا تمييز لغوي أو جهوي، ولا خريطة تُرسم من فوق، بل من تحت – من تراب مليط، ومن صخور حلفا، ومن رمال سنكات، ومن جبال النوبة.

    وحين تُكتب هذه الخريطة الجديدة، لن يكون هناك "زرقة" و"رطانة"، بل مواطنون متساوون في وطنٍ عادلٍ، لا تُقطَع فيه الكهرباء انتقامًا، ولا تُنقَل الجمارك لترضية فخذٍ قبلي، ولا تُغرَق المدن باسم تنمية لم تُستشر فيها الشعوب.

    د. أحمد التيجاني سيد أحمد
    عضو تحالف تأسيس
    ١٠ يونيو ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا

    المراجع والإحالات
    1. 1. مقال د. الوليد آدم مادبو – قوافل التحرير تكتب الجغرافيا من جديد، يونيو 2025.
    2. 2. تقارير لجنة مقاومة كجبار – أرشيف 2007، حول احتجاجات السدود.
    3. 3. تقارير التهجير النوبي – الهيئة النوبية لمناهضة السدود، 1964 – 2020.
    4. 4. أرشيف وزارة المالية السودانية – تحريك الجمارك من مليط، 1992.
    5. 5. شهادات حية من أهالي وادي حلفا حول انقطاع الكهرباء – يونيو 2025.
    6. 6. تقارير تنموية وإعلامية حول شرق السودان – ولاية كسلا وسنكات، 2010–2023.
    7. 7. وثائق الحدود المصرية السودانية – ملف السد العالي، دار الوثائق السودانية.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de