هذا الكتاب هو سيرتي الذاتية اقتصرت فيه على خدمتي لقوى الطبقة العاملة وحلفائها كعضو في الحزب الشيوعي لثمانية عشر عاماً (1960-1978) تفرغت في سبعة منها لتلك الخدمة بصورة كاملة في صلاحية مثقف عضوي. وهو من جهة أخرى تاريخ عير مسبوق للماركسية كتقليد وطني سياسي واجتماعي وثقافي خلافاً لمن عدوها طارئاً، أو ضيفاً ثقيلاً يطوي برشه ويغادر.
نعت مقدمته الصفوة السودانية، ولم تخل من شيوعيين ذوي زبد نضالي، لإضرابهم عن الاطلاع على أدب حزب فصيح وحيلها في ذلك الامتناع في حين تتبرع بجهلها عنه بآراء تذيعها في رابعة النهار.
جاء فصله الأول "المثقف والحزب" باستقالتي عن الحزب لخرقه تعاقده معي كمثقف يعمل في شرط الثقافة ومقتضى الحرية في إدارتها. ثم عرضت "في صحبة عبد الخالق محجوب" لمنشأ ذلك التعاقد المبتكر على بينة من مفهوم "المثقف العضوي" الذي أذاعه الماركسي الإيطالي أنطونيو قرامشي. فأخذني عبد الخالق في سكته أخذاً جميلاً.
ثم جاء فصل بعده بعدد من كتاباتي في منابر الحزب في الجبهات التي تلتني وهي الفكر والتعليم والشباب ومنها "مسائل في التعليم الحزبي" (1978) الذي غادرت ساحة الحزب بعد مصادرته من قبل سكرتاريته المركزية. وتلته فصول عن تاريخ الحزب وميلاده في الجذرية الوطنية التي جاءت في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ومراد هذه العرض الرد على من سماهم "العوضرازقية الجديدة" التي تحاكم الحزب منذ حين لأنه لم يصغ لعوض عبد الرازق لتحويل الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو 1946) إلى حزب شيوعي في 1951 من فرط التطرف. فجاء الفصل بسياق ذلك التحول في تلك الجذرية التي غشيت الحركة الوطنية في الحركة الاتحادية والنقابية للعمال والمزارعين والطلاب.
وتلاه فصل عرض لجوانب من حيوات 24 زميلاً ممن سميتهم "كهنة الحزب" الذين كانوا سهداً وبسالة من وراء هذه المأثرة السودانية الغراء. فسيرى القارئ كما ربما لم ير من قبل الماركسية تسعى بين الناس بعزائم من لحم ودم ومتانة ومصابرة. وعرض فصل تال لمعادلة التربية والسياسة في الأحزاب السودانية غير التقليدية وعواقب اختلاها على قوامها السياسي. ثم جاء حديث عن الماركسية والإسلام على ضوء نظرات مؤسسيها للمهدية السودانية، وجهاد مسلمي الهند وأفغانستان والقوقاز، والخلافة العثمانية علاوة على زيارة ماركس مستشفياً في الجزائر وانطباعاته عنها.
وأطول الفصول قاطبة هو الذي تناول بالنقد كتاب الخاتم عدلان "آن أوان التغيير" (1994) ليحاكمه بما سماه "المسؤولية تجاه ماركس". فإن أخذ الخاتم بالرجل صفوة عمره صح أن يلحن بحجة أفضل لإطراحه مما فعل.
ثم تعرض الكتاب للماركسية في السودان ومطلب الحزب من إدخالها عميقاً في التراث السوداني. فأبان لكيف ساغت شراباً للكادحين. وخص موضوع الردة عن الإسلام واضطراب الجيل الشيوعي اللاحق في الأخذ بزمامه توطيداً لحرية الفكر.
واختص الفصل من بعده بنقد مظاهر لخروق للدماثة في الحزب والزمالة لم يكسب منها خيراً. وعرض الفصل بعده لما كان بيني وبين محمد إبراهيم نقد، سكرتير الحزب، من حوارات ورسائل حول هموم مشتركة في ترقية أداء الحزب.
وجئت في خاتمة الكتاب برسالتي إلى الشعب السوداني حين أزمعت الترشح لرئاسة الجمهورية في 2010 بمثابة إعلان لشقي طريقي مستقلاً مهما كان. وختمته بيوميات عرضت فيها لأحلام مزعجة لاحقتني كرضوض من آثار اختفائي لنحو 4 سنوات من أعين الأمن.
سيرى القارئ من هذه السيرة تاريخاً للحزب لا يبدأ بلجنته المركزية وصراعاتها وينتهي به. بل سيراه سفراً اجتماعياً وتاريخياً وثقافياً في حيوات آلاف من المناضلين حملوا مشروعه ليرى الناس من نافذته أي كنوز انعقدت في باطن المستقبل تنادي. سيرون "الوهج الجاسر" في قول نفس ود المكي.
05-19-2025, 02:18 AM
Omer Abdalla Omer Omer Abdalla Omer
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 4276
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة