في قلب باريس، حيث تتمازج رائحة الخبز الفرنسي الطازج مع عبق المقاهي القديمة، عاش "جان فالير"، رسام موهوب تجاوز الستين من عمره. قضى حياته في سعي محموم نحو الكمال الفني، رافضًا أي تنازل عن أدق التفاصيل، مقتديًا بأساتذة المدرسة الفرنسية الكلاسيكية. كانت لوحاته تعكس جمالًا آسرًا، ولكنها افتقرت إلى الروح، إلى تلك الشرارة التي تمنح العمل الفني الحياة. كان جان يدرك ذلك، لكنه كان يأمل أن يجدها يومًا ما، قبل أن يداهمه شبح الشيخوخة. في أحد الأيام، بينما كان جان يتجول على ضفاف نهر السين، التقى بـ "ألكسندر"، فنان روسي شاب، متمرد، يحمل في عينيه نظرة ثورية. كان ألكسندر يرسم بأسلوب جريء، يعتمد على الألوان الصارخة والضربات العنيفة، متأثرًا بالتيارات الفنية الروسية الحديثة. أعجب جان بموهبة ألكسندر، لكنه رأى في أسلوبه فوضى لا تليق بالفن. أما ألكسندر، فكان يرى في لوحات جان مجرد نسخ باهتة لأعمال قديمة نشأت بينهما علاقة معقدة، مزيج من الإعجاب المتبادل والغيرة الخفية. كان جان يرى في ألكسندر الشاب الذي كان هو نفسه، قبل أن يستسلم لقواعد الفن الكلاسيكي. أما ألكسندر، فكان يرى في جان الفنان الذي خذل موهبته، وخاف من التجديد. في أحد المعارض الفنية، عُرضت لوحات جان وألكسندر جنبًا إلى جنب. كانت لوحات جان تثير إعجاب النقاد، لكنها لم تلامس قلوب الجمهور. أما لوحات ألكسندر، فكانت تثير الجدل، لكنها كانت تخطف الأنفاس. في تلك الليلة، عاد جان إلى مرسمه، وشعر بإحباط شديد. أدرك أنه قضى حياته في مطاردة سراب، وأنه لم ينجح في خلق عمل فني حقيقي. في صباح اليوم التالي، وجد ألكسندر جان ميتًا أمام لوحة غير مكتملة. كانت اللوحة تحمل ألوانًا صارخة، وضربات عنيفة، وكأن جان حاول في لحظاته الأخيرة أن يتحرر من قيود الماضي. نظر ألكسندر إلى اللوحة، وشعر بحزن عميق. أدرك أن جان كان فنانًا حقيقيًا، لكنه خاف من أن يظهر ذلك للعالم. أدرك ألكسندر أن جان في لحظاته الاخيره قد تحرر من قيوده ووجد الشرارة تلك، لكنه لم يمهله القدر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة