أن تكون من أهل التقوى ، فتلك نعمة تتجاوز جميع نعم الله عليك ؛ لأن التقوى هي لب الحياة و زبدتها ، و محصلة إتباع شرائع الله التي جاءت بها رسله أجمعين النهائية ، فمن أحق بالحياة الطيبة غير عباده المتقين ؟ يقول الله عز وجل: ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ، فلنحيينه حياة طيبة ، و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) ، و إذا جاز تشبيهنا لتقوى الله بالشجرة ، فإن العمل الصالح هي الثمار الناضجة و المفيدة لهذه الشجرة ، و مهمة الخلافة في الأرض الموكلة لبني آدم ، هي للجزء الذي ينتمي لطائفة المؤمنين بالله ، و التي تفرض عليهم الأحكام الشرعية ترك العمل الصالح لمعالجة الفساد في الأرض التي يتسبب فيها الفريق الآخر ، غير المؤمن من بني آدم و بني إبليس عليه لعنة الله ، فالفساد يعني ظهور العمل الطالح من ذلك الفريق ، و الإصلاح يعني ظهور العمل الصالح لدحض العمل الطالح ، وهو السجال المستديم بين الخير و الشر و الذي يفضه قيام الساعة . و أنا أقرأ ورد يوم الجمعة الأخيرة قبل دخول شهر رمضان المبارك و الخاص بصورة الكهف ، و الذي أحرص عليه طوال السنوات الماضية من عمري ما إستطعت ، لفت نظري لأول مرة ، أثر التقوى على أهله في الدنيا قبل الآخرة ؟! لكي ندرك بأن النفحات لها أوقاتها ، و لكل حادثة حديث ، و ما لم إنتبه له في المرات الماضية ، لفت الله نظري إليه في الجمعة الماضية ، و الكاتب كالكريم يحب أن يشرك الجميع من متابعيه على مر الأزمنة ، على ما جد في مائدة تأملأته و قراءته ، ففي معرض شرح نبي الله الخضر عليه السلام لكليم الله موسى عليه السلام للسوابق الثلاثة التي قام بها الخضر عليه السلام و أعترض عليها نبي الله موسى بدافع الشريعة و الواجب ، قال في شرح السابقة الاولى : ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ، فأردت أن أعيبها ، و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً) الآية ٧٩ ، و قال في شرح السابقة الثانية : ( و أما الغلام ، فكان أبواه مؤمنين ، فخشينا أن يرهقهما طغيانا و كفرا (٨٠) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة و أقرب رحما) الآية ٨١ ، و قال في شرح السابقة الثالثة : ( و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ، و كان تحته كنز لهما ، و كان أبوهما صالحاً ، فأراد ربك أن يبلغا أشدهما و يستخرجا كنزهما رحمة من ربك ، و ما فعلته عن أمري ؛ ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً (٨٢) .. فالقاسم المشترك الأكبر في شرح هذه السوابق الثلاثة هي تحقيق الحياة الطيبة لثلاثة أسر مختلفين من أسر المتقين ، ساق الله سبحانه سيدنا موسي عليه السلام و سيدنا الخضر عليه السلام لتحقيق وعده في الحياة الدنيا بالحياة الطيبة قبل وعده في الدار الآخرة بالنعيم الدائم الملفوف برضوان الله تعالى ، فتقوى الله من المساكين أصحاب السفينة أنجى سفينتهم من مصادرة الملك الظالم في السابقة الاولى ، و الغلام الذي قتله سيدنا الخضر ،في السابقة الثانية ، كان سيشكل خطراً على العلاقة الطيبة التي تربط والديه بربهما ، فكانا مؤمنين صالحين أحبا خالقهما حبا صادقا ، فبادلهما ربهما بحب أكبر ، و كذلك يفعل دائماً مع عباده المتقين ، فكان التخلص منه بالقتل ، و من ثم التعويض ، هو الحل الأفضل للطرفين ، فكان للرب ما أراد . أما ما يستفاد في شرح السابقة الثالثة ، فهي أن الجدار كان كان في منزل غلامين يتيمين في تلك المدينة التي رفضت إعطاء حقوق الضيافة لإثنين من أكرم خلق الله في زمانهما ، سيدنا موسى و سيدنا الخضر ، و كان والد الغلامين عبدا مؤمناً صالحاً ، أحب الله ، و أحبه ربه ، و و قد أزف أجل الجدار على الإنتهاء قبل إشتداد عود الغلامين ، فما كان من حبيب العبد الصالح إلا أن أرسل خيرة الناس في زمانهم، للقيام بعملية تجديد بنيان الجدار ، كان يمكن أن يسخر غيرهم ، و لكن شدة صلاح العبد إقتضى أن يقوم بخدمته خير البشر في زمانهم فيا سبحان الله في رعاية مصالح أوليائه!!!! نخلص من هذه القصة الكريمة في تلك السورة العظيمة في هذا الشهر الكريم ،أن من إتق الله حق تقاته ، رعى الله مصالحه في الدنيا والآخرة حق رعايته ، و سخر خيرة خلقه لتحقيق هذا الوعد في الدنيا قبل الآخرة . و رمضان كريم على جميع المؤمنين . E_M: [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة