الاحتفال بذكرى الفكي علي الميراوي وتدشين كتابه بعنوان: "الفكي علي الميراوي... من صور البطولة في جبال النُّوبة"
تأليف الدكتور/ قندول إبراهيم قندول
قاعة الصداقة، الخرطوم، السُّودان، ٢٨ أغسطس ٢٠٢١م
كلمة الدكتور/قندول إبراهيم قندول في الاحتفاليَّة
بدعوة من السيد الباشمهندس/سليمان حسن كوكو، رئيس اللجنة العليا للاحتفال بذكرى الثائر "الفكي علي الميراوي"، قائد واحدة من أعظم الثورات السُّودانيًّة الوطنيًّة على الاطلاق، شاركنا في الاحتفاليَّة بتدشين كتابنا عنه بالعنوان أعلاه. ونسبة لتأخُّر البرنامج عن موعده وما تبعه من ضيق الوقت لم يتم إلقاء الكلمة كلها بل مقتطفات منها أثناء استعراض سريع للكتاب. عقَّب على الكتاب كل من الدكتور/قاسم نسيم حربة، والدكتور/مختار الرحيمة يونس. وفيما يلي نص الكلمة.
بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبسم الوطن
السادة/ أعضاء الحكومة الانتقاليَّة بشقيها العسكري والمدني
السيد الباشمهندس/ سليمان حسن كوكو، رئيس اللجنة العليا للاحتفال بذكرى الفكي علي الميراوي السادة/زعماء القبائل والإدارات الأهليَّة في السُّودان كافة وجبال النُّوبة خاصة. السادة/رجال الدين الإسلامي والمسيحي والمعتقدات الأفريقيَّة النبيلة.
السادة/ رؤساء وممثلي الأحزاب السياسيَّة. السادة/ رؤساء وممثلي منظمات المجتمع المدني والروابط المختلفة. السيدات/ ممثلات الحركة النسويَّة والكنداكات، والكليلات.
الإخوة والأخوات الشابات والشباب
بناتي وأبنائي أهلي وعشيرتي
السادة/ الضيوف الكرام بمقاماتكم الساميَّة. السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
أسمحوا لي أن انتهز هذه المناسبة العظيمة لتقديم واجب العزاء للشعب السُّوداني عامة ولأسر الشهداء الذين سقطوا من أجل السُّودان عبر التاريخ إلى اليوم، خاصة شهداء ثورة ديسمبر المجيدة التي تعتبر امتداداً للثورات السُّودانيَّة الوطنيَّة من أجل الحرية والسلام والعدالة. ونسأل الله عاجل الشفاء للجرحى والعودة للمفقودين.
تمر علينا ذكرى الثائر/الفكي علي الميراوي، بعد مرور ١٥٠ عام منذ ميلاده، و١١٠ سنة منذ بداية ثورته التي قادها وعمره لم يتجاوز الأربعين سنة، وبعد ٩٥ سنة منذ وفاته.
لقد مرت تلك السنوات وكان علينا واجب الاحتفاء به منذ فترة ليست بالقصيرة، وبهذا المستوى الأنيق الذي يليق بمكانته السامية وثورته، هو ورفاقه.
لذلك نخاطبكم اليوم باستحياءٍ ولوم شديد لتأخيرنا في إيفاء هذا البطل حقه، لأنًه وقف شامخاً مرفوع الرأس مدافعاً عن كل أهل السُّودان وليس فقط عن أهله داخل جبال ميري بجبال النُّوبة.
فثورته كانت قوميَّة وليست مناطقيَّة محدودة كما يتخيَّل بعض الناس، في محاولة يائسة منهم للتقليل من قوميَّتها. فثورته قامت على نفس العدو الذي حارب ضده الثوار الآخرين ولذات الأسباب وأكثر.
فلتفعيل ثورته القوميَّة الجامعة تحالف مع المسيريَّة داخل وخارج جبال النُّوبة، ومع قبيلة السلامات بمنطقة بحيرة كيلك التابعة لجبال النُّوبة والتي كانت أيضاً تحت إدارته المباشرة. ضمن قرى ميري حتى تزوَّج منهم، كما تحالف أيضاً مع الحوازمة في جبال النُّوبة، وكان تحالفه مع السلطان علي دينار بدارفور.
إذن، كان دوره في تحرير تراب هذا الوطن العزيز لا يقل عن دور أي من الذين ناضلوا من أجله. ولكن لم ينصفه تاريخ السُّودان المكتوب، ولم يغط دوره الوطني إلا بالقليل اليسير، وعند الضرورة وللضرورة أحكام.
الضيوف الكرام
اليوم نحتفل بذكرى الفكي علي الميراوي والمواجع والفواجع فينا كما هي وإن مر عليها الدهر، فالحزُنُ على الذين رحلوا بما قدَّموا للوطن لا يفوت بموتهم، بل تتجدَّد ذكرى رحيلهم وتعود الذكريات التي تحمل معها الألم الدفين في أعماقنا.
إنَّ قراءة تاريخ الفكي علي الناصع – كما أبنا في كتابنا عنه - تعطينا فكرة أنَّه عاش حياةً كرَّسها كلها للدفاع عن أرض السُّودان حتى مات بطلاً مثل الكثيرين الذين ماتوا دون أن يُسمع بهم، ولا عنهم، لأنَّ لم يتغنَّ بأمجادهم أحد، ولم يرثيهم أديب بذكر ما قاموا به من أعمال جليلة ينبغي أن تُذكَر ويحفظها لهم التاريخ.
الضيوف الأجلاء،
على الرغم من أنَّ هذه المناسبة تخص الفكي علي الميراوي، ولكن هذه فرصة نادرة وعظيمة ينبغي فيها ذِكِر بعضاً من ثوار جبال النُّوبة الذين ناضلوا من أجل هذا السُّودان وإرثه. فاسمحوا لي بتسميتهم، قدر ما نتذكَّر من كتب التاريخ المبتور. لأنَّ ثورات النُّوبة عمَّت المنطقة طولاً وعرضاً. شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً ووسطاً.
ففي الشمال كانت ثورة السلطان/عجبنا وابنته الأميرة مندي، وصديقه المك دار جول بجبال الأما؛ وكانت ثورة المك/كوبانقو (كوكو بانقو) بجبال اللافوفا الجنوبيَّة؛ وفي الوسط تقريباً قامت ثورات المكوك الخمسة، المك/خير الله ورفاقه بجبال تيرا الأخضر. وفي شرق الجبال قامت ثورة المك/القديل بجبال تقوي، والمك الزئبق بجبل قدير. وكلنا أو معظمنا يعلم أنَّه لو لا جبل قدير وأهله لما نجحت الثورة المهديَّة.
كانت تلك الثورات في النصف الأول من القرن الماضي ضد الحكم الثنائي أو البريطاني-المصري. ونعتبر هؤلاء هم الجيل الأول من الثوار، رغم أنَّ هناك من سبقهم، الذين لم يشملهم كتبة تاريخ السُّودان.
في الستينيات من نفس القرن سار على خطى أولئك، الجيل الثاني من قادة اتحاد عام جبال النُّوبة مثل الأب/ فيليب عباس غبوش، والسيد/عطرون محمد عطية كنو، والعقيد (م)/محمود حسيب، والأستاذ/زكريا إسماعيل أسو؛ والسيد/كباشي يحي محمد والأستاذ/قمر حسين رحمة، والسيد/بحر كيريا وغيرهم من الذين كرَّسوا حياتهم لإنصاف إنسان جبال النُّوبة تحديداً والسُّودان عامة.
في السبعينيات من القرن المنصرم أيضاً، جاء الجيل الثالث من العسكريين مثل الشهيد/حماد الأحيمر، والشهيد/عبد الرحمن شامبي نوَّاي وغيرهم.
تبع هؤلاء، الجيل الرابع من قادة ومؤسسي تنظيم الكومولو الذي كان امتداداً طبيعيَّاً للأجيال الثلاثة، والذين أُُُجبروا على الكفاح المسلَّح مثل الشهيد/عوض الكريم كوكو، والشهيد المعلِّم/يوسف كوة مكي والشهيد/محمد جمعة نايل. ومن الأحياء القائد/عبد العزيز آدم الحلو، واللواء/تلفون كوكو أبو جلحة، والفريق/دانيال كودي، والفريق/إسماعيل خميس جلَّاب، القائد/يوسف كرَّة ورفاقهم. فللذين لم نذكر أسماءهم وهم بيننا أو يشاهدون أو يستمعون أو غائبون عننا نلتمس العذر، لأنَّ الوقت لا يسعفنا لذكرهم جميعاً.
هكذا التقى جيل البطولات بجيل التضحيات. فقد ناضلوا جميعاً وبلا شك من أجل السُّودان ومن أجل أهلهم الذين وقعت عليهم المظالم الكبيرة والكثيرة. أدوا دورهم على الوجه الأكمل، ونتمنى ألا يأتي جيلٌ خامس من الثوار، وإنَّما أجيال متتالية تكون ثوراتها التنمية والبناء والتطُّور ليس فقط لجبال النُّوبة، ولكن للسُّودان كله.
الضيوف الكرام،
لأهمية هذه المناسبة وارتباطها بميري كان لا بد لنا أن نذكِّر الحضور أنَّ أربعة من أميز قادة النضال في جبال النُّوبة والسُّودان جاءوا من منطقة ميري الكبرى وهم على التوالي: الفكي علي الميراوي (ميري جوا)، وعلي عبد اللطيف (ليما)، وعطرون عطية محمد كنو (ميري برا) ويوسف كوة مكي (ميري جوا).
قد تفسِّر لنا هذه الخلفيَّة المكانيَّة لهؤلاء أنَّ أهالي ميري كانوا ولا يزالوا يحبون الحرية والسلام والاستقلال؛ فقد كان لهم تاريخ طويل في إدارة أنفسهم، ولم يرضوا أن تمارس عليهم أية إرادة خارجيَّة متسلِّطة. ولا نبالغ إذا قلنا هذا هو إرث النُّوبة قاطبة، فالنُّوبة لن يقبلوا بأية سلطة ظالمة عليهم وإلا قاوموها بشراسة، حتى لو كان ذلك المتسلِّط منهم.
أهلي وعشيرتي،
كانت مواقف كل الذين ذكرناهم مصدر إلهامٍ لنا لنوثِّق عنهم ولو بالقليل، ونأمل أن يكون ذلك، أيضاً، قوة دافعة للأجيال القادمة للبحث والكتابة عنهم. فوسائل الحصول على المعلومات ومصادرها الأوليَّة أضحت متاحة وسهلة. ولا ينبغي أن تحول مشقة البحث، إن كانت هناك مشقة، من محاولة الكتابة والتوثيق عن تاريخ ثوار جبال النُّوبة.
الحضور الكريم،
إنَّ إعادة الكتابة عن هؤلاء واجبة لأنَّ هناك الكثير من المسكوت عنه في تاريخ جبال النُّوبة السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وغيره. هذا المسكوت عنه، الموجود منه غير صحيح. وهذا النقصان وعدم صحته يفرض علينا الغوص في عمق تاريخنا الظاهر هذا، لإخراج المدفون لمعرفة الحقائق عن أنفسنا وإبرازها.
وذلك لأنَّ الحاضر وآمال المستقبل ومآلاته تتأثَّر بالماضي، وأنَّ مآثر شخصيات نوباويَّة كثيرة امتدَّت للتأريخ القديم والمعاصر والحديث، ومع ذلك ضاعت، وعلينا ألا نتركها تضيع، بل يجب علينها التعبير عنها بشتى الطرق من أجل إحيائهم وتخليدهم مدى الدهر.
لهذا لا يفوتني أن أشكر الابنة الشاعرة/أم جمعة إبراهيم هنَّاي، والابنة/إجلال حمدون محمد تية، والصحفي الشاعر الابن/محمد إسماعيل الزبير على مساهماتهم الشعريَّة لتخليد جدهم وتمجيد قبيلتهم ميري. كم كانت أشعارهم حماسيَّة وملهبة للمشاعر. كما أشكر الباشمهندس والروائي القدير/آدم عثمان أجري، الذي ألَّف العديد من الروايات الجيدة وأبرزها روايته الرائعة عن السلطان عجبنا بعنوان: "وصية شيلاما من ذكريات ساعي بريد"، وروايته "الكومولو" الجزء الأول.
الحضور الكريم
لا أريد أن أطيل عليكم كثيراً، فالحديث عن النُّوبة وتاريخهم شيق وطويل، لذلك اسمحوا لي بكلمة مهمة أخيرة لكي اختم بها حديثي، وهي أنَّه لا تخلو مثل هذه المناسبات من قائمة التوصيات والمطالب. فقد علمنا أنَّ اللجنة العليا ستقدِّم جملة منها والتي نعتبرها مشروعة وهامة ومتواضعة. وكما أنَّها قابلة للتنفيذ إذا ما توفَّرت الإرادة الوطنيَّة لذلك. فلي ثلاثة مطالب للنُّوبة كلهم أجملها في الآتي:
(١) الاعتراف الرسمي من حكومة الثورة الحالية أو أية حكومة منتخبة أو غير منتخبة، تأتي بعدها، بنضالات النُّوبة من أجل هذا الوطن عبر التاريخ إلى اليوم، والاعتراف، أيضاً، بالمظالم التاريخيَّة التي وقعت عليهم رغم تضحياتهم.
(٢) الاعتذار الرسمي لشعب النُّوبة العظيم لما لحق به من انتهاكات جسيمة، وأخلاقيَّة، من تجارة الرق وغيرها. وهذا واجب أدبي وأخلاقي قد يساعد كثيراً في تخفيف الغُبُن وتطييب الخواطر. فشعب النُّوبة – كسائر الشعوب - قد يعفو، ولكن لن ينسى ما لحق به، ما لم يتم اعتراف واعتذار واضح وصادق عن الجرائم الاي ارتكبت في حقه. الصدق الذي لن يتحقَّق إلا بالاستجابة لهذين المطلبين.
(٣) ليتبع الاعتراف والاعتذار تسمية بعض الشوارع والمرافق والمؤسسات والدور الحكوميَّة في مدن السُّودان الرئيسيَّة المختلفة الحالية والمستقبليَّة بأسماء ثوار وأبطال جبال النُّوبة تخليداً لهم وتذكيراً بتضحياتهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة