في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري ذكر ابن حجر العسقلاني آية النور للإستدلال على عدم جواز الإكراه في النكاح فقال: "باب لا يجوز نكاح المكره {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}" وفعلا لو كان المقصود هنا الإكراه علي الزنا فكيف يقول: {من بعد إكراههن غفور رحيم} فهذه الآية كما استدل بها القائلون بعدم جواز الإكراه في النكاح، استدل بها كذلك القائلون بجواز إجبار الأب ابنته على الزواج بسبب ذكر المغفرة لمن يقوم بالإكراه؛ لكن الأحاديث واضحة في منع الإكراه. ذكر بعضهم أن {غفور رحيم} هي لمن تم اكراهها، لكن السياق واضح.. فالكلام يبتديء ب {ومن يكرههن}. ولكن الأهم أن آية: {وليستعفف} استحدثت عقد النكاح (فكاتبوهم) علي غير البالغات (ملكات اليمين)؛ وهذا يعني أن الآية نَسَخت الإكراه والنكاح بالإذن فقط دون عقد؛ وهو ما كان مقررا بآيات سورة النساء المنسوخة، التي قررت أن المحصنات (البالغات) لابد من {كتاب الله عليكم} أي كتاب (عقد الزواج)، وكذلك كان جائزا بها النكاح بأجل مقابل أجر، وكذلك كان جائزا نكاح غير البالغات بإذن أهلهن فقط بدون عقد (كتاب). فينبغي ملاحظة أن آية النور {وليستعفف..} ألغت النكاح مقابل الأجر، والغت الإستثناء {إلا ما ملكت أيمانكم}، فصار {كتاب الله}=(عقد النكاح) واجبا بالنسبة لغير البالغات(ملكات اليمين) مثلما هو الحال مع المحصنات=(البالغات)؛ ففي العقد الدائم لا يشترط أن يدفع الزوج مالا -بدليل الذي تزوج "بما معه من القرآن"؛ بل تقرر علي الأب أن يدفع مالا للمتزوج بغير البالغة (ملكة اليمين) ؛ لأن الزوج هنا يحمل عن الأب عبء الإنفاق علي الصغيرة؛ ولعلّ هذا هو أصل ما درجت عليه بعض المجتمعات العربية من عادة "تجهيز الأب لإبنته" مع أن العروسة هذه الأيام تكون بالغة في الغالب! جاء في تفسير الألوسي لآية: {والمحصنات..} " وفي المُرادِ بِالآيَةِ غُمُوضٌ، حَتّى قالَ مُجاهِدٌ: لَوْ كُنْتُ أعْلَمُ مَن يُفَسِّرُها لِي لَضَرَبْتُ إلَيْهِ أكْبادَ الإبِلِ، أخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنْ أبِي السَّوْداءِ قالَ: سَألْتُ عِكْرِمَةَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿والمُحْصَناتُ﴾ إلَخ ْ فَقالَ: لا أدْرِي، ولِلْعُلَماءِ المُتَقَدِّمِينَ فِيها أقْوالٌ، أحُدُها: أنَّ المُرادَ بِها المُزَوَّجاتُ"!! نقول: هذا كلام غريب وعجيب، لأن الآية ليست متعلقة بالغيبيات او بعلم الفلك أو الأحياء؛ وإنما بفقه الزواج. فرواية الطبري عن مجاهد وعن عكرمة أنهما لا يعرفان تفسير الآية نعتقد أنها رواية شيطانية من الدخيل، وأنها أضلت الناس عن فهم فقه الزواج، والمعروف أن تفسير الطبري وابن كثير يعجّان بالإسرائيليات، والتفاسير بالطبع تأخذ من بعض، وخاصة من تفسير ابن جرير - شيخ المفسرين. وننصح هنا بالإطلاع - مثلا- علي كتابين مهمّين لعالمين من علماء الأزهر: "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" د. محمد أبو شهبة، و "الإسرائيليات في التفسير والحديث" د. محمد حسين الذهبي، وأيضا "الإسرائيليات في تفسير الطبري" د. آمال عبد الرحمن ربيع. نعتقد أن المقصود بآية {والمحصنات..} يتضح بسهولة من خلال منهج (عرض السنة علي الكتاب)، و (عرض الكتاب علي الكتاب). يكفي فقط النظر إلي الآية بعدها: {وَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن یَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰت}؛ فطالما أن هذه الآية تتحدث عمن لا يستطيع نكاح المحصنات؛ فإذن الآية قبلها تتحدث عمن يستطيع نكاح المحصنات، وإذن فالمحصنات ليس المتزوجات؛ إذ أن الحديث أصلا عن النكاح؛ فعبارة: {والمحصنات من النساء} ليست معطوفة علي ما قبلها (من المحرمات)، وإنما العبارة مستقلة، وهي آية منفصلة تتناول موضوعا مختلفا، فبعد أن تحدث عن اللائي لا يجوز نكاحهن تحول للحديث عمن يجوز نكاحهن. {وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ} فالمعني أن البالغات لا يحللن إلا بعقد نكاح؛ واستثني غير البالغات. ف {كتاب الله} هو عقد النكاح، ففي موضع آخر: {وَلَا تَعۡزِمُوا۟ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ یَبۡلُغَ [الۡكِتَـٰب]ُ أَجَلَهُۥۚ} قلنا من قبل أن الزواج سمّي احصانا لأنه يحصن المتزوج؛ وجاء بهذا المعني في القرآن: {مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ}. لكنهم كانوا يرون أيضا أن البنت تحصن نفسها بالختان، وقلنا إن الإسلام أرشد إلي عدم الإنهاك في الخفاض: (اخفضي ولا تنهكي)؛ وقد جاء ذكر الختان في القرآن: {وَمَرۡیَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَ ٰنَ ٱلَّتِیۤ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا}؛ فهي (مُحصِنة) بكسر الصاد -اسم الفاعل من (أحصن)، وكان ذلك يحدث عند البلوغ؛ فعندما تختتن البالغة تصير (محصِنة)، ولذا كنّيت البالغات ب (المحصِنات)، وقد قرأها الكسائي بكسر الصاد. ¤¤¤¤¤¤¤¤¤ نرجو من كل من فهم المعلومة أن يساهم بنشرها وبشرحها، حتي تعم الفائدة، ولكي نزيل المفاهيم الساذجة والخبيثة المأخوذة من الإسرائيلييات .. فهذه إذن نصيحة، والدين النصيحة -كما في الحديث: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)
□■□■□■□■ >>> تذكرة متكررة<<<
نذكّر بالدعاء علي الظالمين في كل الأوقات ..وفي الصلاة وخاصة في القنوت -قبل الركوع الثاني في الصبح علي الذين سفكوا الدماء واستحيوا النساء واخرجوا الناس من ديارهم وساموهم سوء العذاب وعلي كل من أعان علي ذلك بأدني فعل أو قول (اللهم اجعل ثأرنا علي من ظلمنا) فالله .. لا يهمل ادعوا عليهم ما حييتم ولا تيأسوا.. فدعاء المظلوم مستجاب ما في ذلك شك: {قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُم}.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة