(١) يبدو للناظر من اول وهلة أن هنالك هدوءا يسود الساحة السياسية السودانية، لم يعكره سوى هجوم المسيرات على قيادة الجيش المختطف في مدينة شندي ، والذي لم يعقبه اي تحقيق كالعادة، وتمت نسبته إلى مليشيا الجنجويد المجرمة ، بإعتباره فعلا عسكريا في إطار عسكري ماثل. وهذا بالطبع في احسن صوره مجرد تحليل لا يغني عن معرفة الحقيقة شيئأ. وان صح أن الهجوم قد تم من قبل الجنجويد المجرمين، يصبح بالفعل تأكيدا على أن عدم مشاركة الجيش المختطف في جنيف ، كانت نتيجتها المباشرة والأولية هي محاولة لتوسيع دائرة الحرب وتسخين الجبهات من قبل المليشيا المجرمة، في تصميم على تأكيد هزيمة الجيش المختطف ومنعه من تحسين موقفه التفاوضي ، وإجباره على التفاوض من مواقع الهزيمة للاستسلام. وتحريك الجبهات عسكريا على محدوديته، يعني قبولا للتحدي وتصميما على الاستمرار في الحرب بنفس الوتيرة للحفاظ على المراكز والوضع العسكري، ومزيدا من كسر إرادة الجيش المختطف ودفعه قسرا لقبول مبدأ التفاوض من مواقع الهزيمة ، خصوصا وأن هجوم المسيرات أعقبه الهجوم على معسكر حطاب بعد مدة وارتكاب جرائم الجنجويد المعتادة ضد المدنيين في المناطق المجاورة ، مع ارتكاب جرائم ضد أسرى الجيش وعرض أحدهم بصورة مخزية تحت التعذيب ، فقط بغرض تحطيم الروح المعنوية وارسال رسائل عبر خطاب يوثق لجرائم الحرب الجنحويدية.
(٢) وفي جانب الجيش المختطف وسلطة الأمر الواقع، بدأت محاولة لاعادة تلميع رئيس هيئة الأركان الأسبق المقيم بمصر بعد زيارة سجلها للقيادة غير الشرعية في بورتسودان. حيث تم التمهيد لذلك بمقال مخابراتي منسوب إلى ضابط مصري، وصفه بأنه مستقل تجاه سيطرة الحركة الإسلامية ، في حين ان من لا شأن له بالسياسية يعلم أنه قيادي بتلك الحركة بمستوى مكنه ان يصبح قائد الجيش المختطف وعضو اللجنة الامنية التي نفذت انقلاب القصر ضد ثورة ديسمبر المجيدة ، وأنه هاجم تلك الثورة وثوارها علناً ووصفهم بأفظع الأوصاف . وانتماؤه للحركة الإسلامية لا سبيل للتشكيك فيه، كما يحاول عضو مجلس انقلاب الإنقاذ الذي بث تسجيلا صوتيا وصفه فيه بالمهنية وعدم الانتماء السياسي، وهو يعلم يقينا انه عضو الحركة الإسلامية بحكم انه كان ممن نفذوا انقلاب هذه الحركة المجرمة ضد السلطة الديمقراطية . هذه المحاولة لتسويق شخصيات محروقة وتعبئتها في قناني جديدة، تعكس مدى افلاس الحركة الإسلامية وخلو وفاضها من اي وسيلة حقيقية للتغيير ، غير المحاولات البائسة بتغيير القيادة غير الشرعية للجيش ، بقيادة ترتكز إلى شرعية سابقة فقدتها بحكم انتهاء الخدمة وحكم السن، وهي في كل الاحوال لا تخولها استلام السلطة وممارسة العمل السياسي بالمخالفة لقانون القوات المسلحة. كذلك يعكس هذا السلوك ضمور خيال الدول الداعمة للحركة الاسلامية والجيش المختطف ، وضعف قراءة اجهزتها الامنية للوضع في السودان ، ويوضح لماذا المليشيا المجرمة وداعميها مازالوا منتصرين على الجيش المختطف والحركة الاسلامية. فمثل هذه المناورات البائسة مصيرها الفشل، فشعب السودان الذي رفض الشخص المذكور وأسقطه مع قائده في أربع وعشرين ساعة، قادر على اسقاطه وسلطته المتهالكة مجددا بكل تأكيد. فما يتم فقط يؤكد أن أحد تداعيات هزيمة جنيف الدبلوماسية الكاشفة عن الضعف والهزيمة العسكرية، هو محاولة التغيير الشكلي او على الاقل التلويح به ، لاعادة ترتيب أوراق معسكر سلطة الأمر الواقع ، وتقديمها عبر وجوه جديدة قديمة، تمهيدا لاعادة تموضع ما في ظل اصطفاف جديد حتماً.
(٣) واكب ما تقدم - بكل أسف ، دفاع احد قيادات (قحت الموسعة) "تقدم" عن الجنجويد علناً. وبالرغم من صحة عدم نسب هذا الدفاع إلى التحالف برمته أخذا في الاعتبار تصريحات النفي الصريح التي نشرت، إلا أن المحلل السياسي لا يستطيع أن يتجاوزه بهذه البساطة. فالشخص المعني ليس شخصا عاديا ، وهو لم يخرج للعلن ليؤكد أن ما تم هو رأي شخصي، والدفاع عن المليشيا المجرمة تكرر منه ولم تتخذ ضده اي إجراءات، وقراءة هذا الموقف الفردي مع تأييد رئيسة احد احزاب التحالف للمليشيا المجرمة وعدم خروجها للنفي او التصحيح حتى الان، يقود إلى أن هنالك على الاقل تسامح حول هذا الأمر الذي يعكس انحيازا واضحا لأحد طرفي الحرب بالمخالفة للموقف المعلن للتحالف برفض الحرب. وعدم التحرك واتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهة مثل هذا السلوك والاكتفاء بالنفي ، يعطي انطباعاً بأن التحالف الموضوعي بين المليشيا المجرمة وبين التحالف المذكور ، يؤثر على التحالف ويمنعه من اتخاذ قرارات صحيحة بالتخلص ممن لا يلتزم بالخط السياسي المعلن للتحالف ، ويشي بأن هذا التحالف الموضوعي قد يتحول إلى شكل من أشكال التنسيق بين بعض منسوبي التحالف والمليشيا المجرمة ان لم يكن التحالف كله، في ظل القبول الدولي للجنجويد في منبر جنيف وقبله منبر جدة. هذا الاتجاه خطر على التحالف المذكور، وهو يعزز اتهامات الجيش المختطف له ويساعد في تعميم دعاية سامة ضده، ويعطي الدعاية المضادة زخما وقدرة على تغبيش الوعي، وردة فعل التحالف بكل تأكيد ليست بمستوى الحدث وفيها استخفاف واضح بنتائجه الكارثية.
(٤) وكما هو متوقع، تمادت سلطة الأمر الواقع وتوسعت في التضييق على المواطنين ومصادرة هامش الحريات . واطلقت يد جهاز أمن الإنقاذ التابع لها وللحركة الإسلامية وسمحت له بالعودة إلى ممارساته القديمة استنادا إلى السلطات التي أعادتها اليه بعد انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م، حيث عاد إلى ممارسة التعذيب حتى الموت ليرتقي الشهيد الامين محمد نور له المجد والخلود في مكاتب جهاز الامن بكسلا . والحدث يؤكد الخطأ الفادح المتمثل في عدم حل هذا الجهاز المنتمي للحركة الاسلامية بعد ثورة ديسمبر المجيدة ومحاكمة قياداته وأفراده على الجرائم التي ارتكبوها طوال فترة الإنقاذ ، كما يؤكد علو كعب الجماهير وقدرتها على فرض ارادتها، حيث تمكنت جماهير مدينة كسلا من اجبار الجهاز على رفع الحصانة عن أفراده والسماح بإتخاذ الاجراءات القانونية في مواجهتهم. وهو يؤكد ايضا ان طبيعة هذا الجهاز لا يمكن تغييرها، أخذا في الاعتبار ان هذا هو المكتب الذي سبق وأن قتل الشهيد أحمد الخير له المجد والخلود تعذيبا، وهو يعكس مدى هلع سلطة الأمر الواقع ورعبها ، ويؤكد ما تنبأنا به من حدوث مزيد من التضييق بعد جنيف.
وما تقدم يفصح عن حراك واضح وان السكون الشكلي خادع، فالعمليات العسكرية مستمرة ومتنوعة، ومحاولات التغيير الشكلي والمناورة السياسية في معسكر سلطة الأمر الواقع لاعادة التموضع واضحة، ومشكلات "تقدم" مع التحالف الموضوعي وتقاطع المصالح تتجذر باضطراد ، وسياسة التضييق في توسع، ولكن ارادة الشعب غلابة وهو المنتصر في النهاية. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!! ٦/٩/٢٠٢٤
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة