العلاقة بين الفنون والسياسة أو قل بين الفنانين والساسة علاقة قديمة. وقد كانت أحيانا طردية وأحيانا عكسية. وذلك بحسب وعي ونهج السلطة وحجم ومساحة الحريات المتاحة لأصحاب الأعمال الفنية. وفي نظر ساسة الأنظمة الديكتاتورية نجد أن الفن الذي يلمس قضايا اجتماعية وربما يفتح شهية المجتمع لمواجهة الساسة يكون محورًا للجدل بل دعوة للتغيير السياسي والاجتماعي. وهذا هو مكمن الخطر بالنسبة للساسة. وذات مرة قال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي في سياق الحديث عن النزاع بين أهل الفن من طرف والساسة من طرف آخر، قال ( إذا تفهم السياسيون دور الشعر، وتفهم الفنانون والشعراء دور الساسة، فأنا متأكد من أنهم سوف يتعايشون في أجمل تناسق). وفي نفس الوقت بدا حديث جون كينيدي للكثيرين أقرب إلى المدينة الأفلاطونية، وبخاصة في ظل النزاعات التي لا تنتهي بين أهل الفن والسياسة.
لقد كانت ظاهرة دخيلة على المجتمع السوداني وتحديدا مجتمع الفن والسياسة والثقافة، وأمراً مرفوضا وممقوتا أن قام النظام المخلوع ممثلا في وزارة إعلامه، ولا نبريء وزارة الثقافة، بمنع مصطفى سيد أحمد، من تسجيل أعماله في الإذاعة والتلفزيون. وقد تعمدتُ كتابة اسم "مصطفى" بلا لقب "فنان" لأن مصطفى شخصية جامعة، فهو أستاذ "تربوي" وشاعر وفنان وكاتب مقال، تلفحت كل أعماله بثوب الوطن، عرف عنه التمرد على المعتاد في اختيار الكلمة والنص حيث نذر فنه للغلابة والبسطاء.وقد كانت ذروة التوهج التي تحققت لمصطفى وأكسبته قاعدة جماهيرية عريضة، السبب في لفت أنظار الساسة إليه ومن هناك بدأ التخوف من فنه. ويكفي مصطفى فخرا أن (عتاولة) وجلاوذة الدولة قد اشتموا في فنه رسائل ساطعة وجريئة، ممزوجة برائحة النضال والوقوف بكبرياء لنصرة "محمد أحمد" السوداني أمام الظلم. صحيح أنه دفع ثمنها حرمانا من الأجهزة الإعلامية ولكن "موقف" مصطفى النضالي، والذي يمثل فيه شعبه، سيظل خالدا مسجلاً في دفاتر التاريخ أجيالا بعد أجيال كما سيظل الجبن والعار يلاحق من أخرسوا صوتاً مدوزنا بحب الإنسانية والأرض ويرفع عقيرته مطالبا بالديموقراطية.
تذكرت هذا الموقف يوم أن عاد مصطفى إلى أرض الوطن محمولا على أكتاف مشيعي جنازته، تلك الجنازة التي أرعبت النظام بحشود فاقت العشرة آلاف مشيع، حتى حاصرت الدولة مواكب ذلك التشييع المهيب والمهوب معا، خوفا من أن يتحول موكب الجنازة إلى انطلاقة ثورة. فقلت يومها: (لقد أرعبهم مصطفى حيا وميتا)
كسرة
سوف يظل الفن والثقافة والأدب في صراع مع السياسة إلا إذا اعتبرتها الدولة جزءا لا يتجزأ من تراثها وقيمها وحضارتها، وخصصت لها ميزانية كما للوزارات الأخرى.
من حقي أغني لشعبي و من حق الشعب عليَّا
لا بإيدك تمنع قلبي
ولا قلبي كمان بإيديَّا
علمني أغنِّي
الطين ، المخرطة ، و الطوريَّة
الناس الصابرة سنين بالحال المال دُغرِية
القابضة الجمرة في إيدا
و الجمرة تَلَهْلِب حيَّة
لا قادرة الجمرة تقيده لا دايرة تولِّع هيَّ
يا قلب بلاش نستعجل
في الدرب شويَّة شويَّة
واصلين المابيتأجَّل اليوم الشمشو قويَّة
علمنا الشوق ينترجَّل
و نستحمل وجع الجيَّة
لا القَش بيهاب المِنجَل لا الطِبُّو النار الكيَّة
يا صقر الإفة ، يا ريح
لا تنفُض عِش قُمرية
من حقُّو يغنِّي صريح ذُريّة ورا ذُريَّة
و من حقِّي أغني العالم
إبداع .. و عِلِم .. حُريَّة
إنساني شعوب تنسالَم تِتكالم بي حِنيَّة
على نَخب الوُد نتنادَم
لا جنس ولا لونِيَّة
لا عِرقِ لا آه نتقادَم سِكَّتنا بياض النيَّة
دي الدنيا وهيطة يا خيّة
و كل الاديان سماوية
خيرات الكون دي كتيرة
أتْرَحمَنوا
و احنا شويَّة
مع انُّو كبيرة
نضْرعلَها في ضَحَويّة
ليشْ طفل يَنين في هَجيرة ؟
و الخوف يملاهو عَشِيّة ؟؟
و الداهي عيونه قَريرَة يا عالَم ، رحمة شويَّة ؟
موش كلَّنا
جينا من آدم ؟؟
موش آدم أبو البشريِّة ؟!
السِجن إذاً يترايم نبنيها قِلاع ثَوْريّة
عقبان الخير يترادَم و الدنيا تَمِش دُغريَّة
مِد كفَّك يا بني آدم حُريَّة .. سلام .. حُريَّة
· (القصيدة كتبها الشاعر حميد بطلب من مصطفى سيد أحمد)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة