قال لي: لماذا تقف مع الجيش في هذه الحرب. قلت: انني اقف مع الشعب السوداني الذي يتعرض للإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية من مليشيا الجنجويد الكيزانية، مخلب دولة الامارات، التي تسعى للسيطرة على البلاد. ولذلك فإنني أقف مع الجيش الذي يتصدى لهذا العدوان، رغم الخزلان في بعض الأحيان. أقف مع الجيش رغم الخلل في قيادته المتامرة ضد الشعب وضد الجيش نفسه. قال: هذا يعني انك تقف مع الكيزان وجيش علي كرتي. قلت: إن مليشيا الجنجويد هي النسخة الأوسخ من الكيزان، وان قائدها محمد حمدان دقلو حميدتي هو الوحيد من بين الفاعلين الآن الذي كان في لجنة البشير الأمنية، وأن جل قيادات المليشيا كيزان، وهي تمارس ذات سلوك الكيزان، القتل والنهب والسلب، ولكن بصورة أكثر سفورا وفظاعة. وقد قلت لك ان قيادة الجيش متآمرة. انني اقف مع الجنود وضباط الصف وصغار الضباط وأواسطهم الذين اغلبهم شرفاء. قال: هذا طلس منك ساكت.. لقد كشفتك هذه الحرب على حقيقتك واظهرت انتماءك للمركز والشريط النيلي الذي يسيطر على الجيش. قلت: إذا سلّمنا بفهمك هذا، فهل القضارف تبع المركز والشريط النيلي؟ قال: علي انا يا فرعون.. إننا نعرف أن جذورك من الشمالية، وأنك قد ولدت في قرية البركل ريفي كريمة. قلت: صحيح هذا مسقط رأسي وهؤلاء اهلي الذين اعتز بهم واتمنى لهم الخير ولسائر أهل السودان. لكنني نشأت في القضارف وترعرعرت فيها، ودرست كل مراحل التعليم العام بها، وعملت فيها، وظللت طوال عمري مشغولا بقضاياها في إطار قضايا السودان ككل. قال: أنكم ابناء المركز تحنون إلى اصولكم وتنتصرون للمركز على حساب الهامش والمهمشين. قلت: إن الدكتور محمد جلال هاشم عرّاب نظرية المركز والهامش، نفسه، يقف مع الشعب السوداني ضد مليشيا الجنجويد؟ قال: إن محمد جلال (هامش) عاد إلى انتمائه الأولي، ووقف مع المركز والشريط النيلي حيث تعود جذوره. قلت: لكن الدكتور قال ان المركز ليس جغرافيا او إثنيا، وينطبق هذا على الهامش، وإنما المركز سلطوي، وقد بُح صوته يردد ذلك. قال: ده كلام فارغ .. لقد انكشف أيضا على حقيقته.. وقفتم مع الجيش الذي يسيطر عليه النيليون. قلت: دعني أسالك سؤالا .. لماذا وقف الناظر سعد بحر الدين، ناظر المساليت، مع الجيش؟ هل هو من النيليين أيضا؟ قال: هذا له حيثيات أخرى، تتعلق بالصراع بين الدعم السريع وقبيلة المساليت، وما حدث من تقتيل واعتداء عليهم. لقد وقف مع الجيش لمناصرة أهله. قلت: فلتعتبرني اقف مع الجيش لمناصرة المساليت واهل الجزيرة والخرطوم وكردفان، لقد قتل الجنجويد من المساليت وحدهم في الإبادة الجماعية الحالية 15,000 أو يزيد. قال: مالك انت ومال المساليت؟ لماذا تريد أن تتاجر بدمائهم لنصرة جيشكم؟ قلت: كلامك هذا يمنع أي شخص من مناصرة أي مجموعة إثنية تتعرض للإبادة، إذا لم يكن ينتمي إليها إثنيا .. ولعمري أن كلامك هذا هو عين العنصرية. قال: المشكلة أنك تتاجر بدمائهم لخدمة الجيش. قلت: طيب .. لماذا وقف الأديب عبد العزيز بركة ساكن مع الشعب السوداني ضد مليشيا الجنجويد وأضحى اقرب الى الجيش؟ قال: هذا موهوم ساكت.. كتب رواية "مسيح دارفور" وموضوع الجنجويد طار له في رأسه .. وأضحى لا يفرق ما بين الواقع والخيال.. وأخيرا عمل ليهو منشور سياسي في شكل رواية سماها "الاشوس" ده زول موهوم. قلت: لماذا لا تعتبرني موهوما مثل بركة ساكن. لأنْ أكون وهميا، أفضل لي من اتهامي بانحياز جهوي او اثني. قال: لا لا لا .. انت ما موهوم .. انت تنحاز بوعي عنصري لاثنيتك وشريطك النيلي. قلت: ولماذا وقف أردول مع الجيش؟ قال ضاحكا: هذا لص يريد السلطة والمال من خلال امتطاء الجيش. قلت: ولماذا لا اكون أنا لصا مثله؟ اللصوصية أفضل من العنصرية. قال: انت تنحاز للمركز والشريط النيلي. وانحيازك هذا يمنحك الامتيازات التاريخية التي تجلب لك المال والسلطة. قلت: هل نظام الانقاذ يمثل المركز والشريط النيلي؟ قال: نعم، وهل في ذلك شك؟ قلت: ظللت لمدة ثلاثين سنة أعادي وأقاوم نظام الإنقاذ، أي منذ العام 1989م وإلى أن سقط جزئيا في 2019م، لم يكن هنالك مجرد احتمال للجلوس على كرسي او بنبر سلطة. ومنذ تخرجي من الجامعة وحتى سقوط الإنقاذ لم أعمل في الحكومة شهرا واحدا ولم أتقاضى منها راتبا قط. ظللت أعمل معلما من منازلهم، ياتيني رزقي في مكاني. ولممارسة هذه المهنة لم أحتاج إلى واسطة او تزكية أو تقربا من احد. قال: لكن، لقد انكشفت على حقيقتك بعد هذه الحرب وظهرت عنصريتك. قلت: بل المشكلة في طريقة تفكيرك أنت، فالشخص الذي يقف موقفا مشابها لك ترحب به. أما الذي يقف موقفا مخالفا لك، فإنك تنظر الى اصوله، فإذا صادفت هواك، تقول أنه لم يقف ذلك الموقف إلا لأنه عنصري. وإن كانت أصوله مغايرة، فإنك تبحث عن تفسير آخر. إن طريقة تفكيرك هي العنصرية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة