في محطة السكة الحديد الشهيرة في مدينة الأبيض، يصل قطار الغرب منهكاً، بعد أن هدّه التعب وعناء الرحلة الطويلة التي امتدت من العاصمة الخرطوم إلى عروس الرمال، وعلى متن الرحلة يصادق الكمساري على تصريح السفر، وعليه اسم الطفل حسن نايل النور رفقة والده الذي جاء من الدرّة المقابلة النيل "أم درمان"، إلى براح كردفان، ينزل الطفل الصغير وسط حفاوة المستقبلين من الأهل والأسرة الذين ضجت بهم المحطة.. وأول ما يلفت نظره في المحطة رغم وصوله ليلاً "اللافتة البيضاء وعليها الاسم باللون الأبيض باللغتين "، وكأن شاعرنا ود المكي أحس بهذا الشجو، وهو يمهر قصيدته الجهيرة "قطار الغرب" القادم من أسكلة الخرطوم إلى الجبلين، وصولاً إلى بلد فيه للناس ريح طيب، بلدٌ من جمالها وحسنها، يُقبّل العاشق طوبَ المنازلِ، ورملَ الشوارعِ، وكلَّ البيوتِ.. الصور والمشاهد التي عبر بها الصغير ظلت قابعة في وجدانه وذاكراته طويلاً، سيما بعد الدخول إلى الحدود الإدارية للإقليم، فقد أيقن حسن نايل المولود في حي الركابية أم درمان، في العام 1932م، وقدم إلى الأبيض في عامه الخامس، أنه مقبل على مغامرة كاملة مثل مغامرات المستكشفين والرحالة الأوائل، تجربة فريدة شاهد خلالها، الناس والقرى والحلاّل، كيف يعيشون ويشيّدون، يزرعون ويرعون ماشيتهم وسط الريف المنبسط بالحقول، والرمال، وجمال الطبيعة. أتى حسن نايل إلي مضارب كردفان في أول زيارة له إلى غرب البلاد، بعد قضاء أيامه وسنواته الأولى في أم درمان، التي حصل فيها على شهادة الميلاد بمثل ما نالها والده.. مدينتان تتشابهان في السمت والملامح رغم اختلاف البيئة، فتلك سودانٌ مصغر، وهذه سُرة السودان وكينونته. إذاً حضر حسن إلى عروس الرمال صغيراً يحمل في مخيلته بعضاً من الأحلام الغضّة، ليكمل دراسته المتوسطة في المدينة.. ومن بعدها يكتب تاريخاً مشرّفاً في بلاط صاحبة الجلالة، إذ قضى أياماً ممتعة في رحابها، متجولاً في ربوعها، ومختلطاً بمجتمعها دون شعور بالرهبة أو الغُربة، وفي ظل ودٍّ وإخاء كبيرين، فالكل هنا أهلٌ وعشيرة، وهذه ديار شورى، ﻭنقارة ومردوم. ﺩﻳﺎﺭ ﺍﻟﻘﺮﻋﺔ ﻭﺍﻟﻤﻔﺮﺍﻛﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜّﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﻬﺪّﺍي أو كما قال الشاعر عبد الله إسماعيل.. والده نايل النور ترير، الذي قرر الامتثال لمقولة "الرحيل عز العرب" أتى به القدر ليكون شاهداً على زمان المدينة الجميل، الذي يضجُّ بكل مباهج الحياة، والنعماء، بلد تحدوها الأغاريدُ والجمالُ في كل مضاربها، وأجواء الدفء والإلفة، ليمتهن صناعة المراكيب وبيعها وسط السوق الكبير في دكانه الذي يقع شرق قهوة زهرة إفريقيا، ولم يكن الرجل غريباً على مجتمعها فهو من نسل الركابية الكرام، وأسرته ممتدة وضاربة بجذورها، وفروعها في كل مدن السودان، واشتهروا بمهن الطباعة والصحافة والنشر حيث أنشأوا المطابع في الأبيض، ودارفور، ونيالا، وكوستي، وامتدت مصاهرتهم للعديد من الأسر والعائلات، ومن أبنائه وبناته فاطمة "حرم عثمان الركابي"، وكمال الذي تزوج السيدة "سميرة إبراهيم عكاشة"، وعمل معلما في عدة مناطق، إلى جانب نفيسة حرم التجاني أحمد النور الذي انشأ مطبعة في كوستي، وهو والد الصحافي المعروف د. خالد التجاني النور، ومن أبنائه أيضاً حسين، توأم حسن نايل عاش بالمناقل وتوفي فيها، وأحمد الذي قضى سنوات عمره في مدينة ود مدني وانشأ فيها مطبعة الدوحة، أما مبارك فقد عاش في الفاشر وعمل في مجال التجارة، وقاسم الصحفي الرياضي الذي قضى سنواته مغترباً في دولة الكويت وعاد ليعمل في أقسام الصحافة الرياضية بصحف سودانية عدة، والسر نايل الذي عمل في الإمدادات الطبية وأقام في أم درمان، أما "أسماء" فقد عاشت إلى جانب حسن نايل في الأبيض حتى رحيلها.. ويمتد جذر الأسرة الكبيرة في الأبيض حيث استقر شقيقه أحمد النور، وأبناؤه عبد الله والفاتح ومحمد، وأمنة، وست الجيل أحمد النور وهي والدة الصحافي المقيم في الدوحة القطرية بابكر عيسى، وتصاهروا مع آل الحاج أحمد عيسى وآل العوني وآل محمداني "أبناء خالته"، وحسن محمد خير، وحسن علي كرار، وآل أبو رفاد، وآل أحمد حامد في بارا، وغيرهم.
أقام نايل النور في منزله الكائن بحيّ الربع الثاني غرب المتاخم لحي بلدو الشهير، وحي تقي.. وكلاهما في قلب المدينة ويتخذان الشمال الجغرافي.. وحينها لم تكن تلك الأحياء قد ترامت مثل ما هو اليوم لتحيط بالحيين الفرقان مثل فلاتة وحي الناظر وغيرها من الأحياء التي ظهرت أخيراً. بعد تخرجه في المدرسة الوسطى، تزوج حسن نايل في أكتوبر 1959م، من اِبنة خالته، السيدة الفضلى" أم الكرام أحمد عامر" وهي مغربية الأصول، نشأت وتربت بحي مكي في أم درمان، وأنجب منها سبعة أبناء، هم غازي، أماني، فيصل، نايل، شامية، ملاك، ويوسف. وظلت أم الكرام تقف خلف نجاحاته المتعددة، وتربية الأبناء الذين ساروا على درب أبيهم وطموحه في مهن التعليم، والهندسة الإذاعية والعمل العام، ومنهم من سعى في بلاد الغربة، وعلى المستوى الشخصي درست أم الكرام حتى المدرسة الوسطى وتخرجت فيها، ودائما ما كانت تمازح صغيرها يوسف بأنها اشطر منه بإحرازها سادسة اللجنة، وتعلمت فن الخياطة والزخرفة على الأقمشة في مركز تدريب الشباب الذي كان في الساحة الشعبية، وهي إحدى هواياتها المحببة التي ظلت متعلقة بها. إستغل حسن نايل أول سكن له في منازل الموظفين الحكوميين التي تقع غرب مستشفى الأبيض وتمتد حتى نادي البنوك، ومن ثم تحول سكنه إلى حي الربع الثاني غرب.
بدأ عمله محرراً ثم سكرتيراً لتحرير جريدة كردفان في الفترة من 1955 وحتى 1960 وسط أجواء غائمة بالأحداث التي شهدها السودان، حيث انطلقت الشرارة الأولى للحرب بتمرد حامية توريت في جنوب شرق الإستوائية، في الوقت الذي بلغ فيه النضال الوطني أوجه في مناهضة الاستعمار، ليتهيأ الناس للانتقال إلى السودنة والانتخابات والدستور وإعلان الاستقلال، هذا غير الأجواء والحراك السياسي في كردفان والأسماء التي شكلت نواة الحركة الوطنية، وساهمت في تشكيل الوعي والتنوير المعرفي من الوطنيين الأخيار الذين عانوا من عسف المستعمر مرة بالاعتقال، وأخرى بالتشريد بعد أن انتظمت روح النضال مدن كردفان عامة.. ولعلها ملفات وقضايا تتطلب ممن يعمل في مجال الصحافة الاطلاع عليها والإحاطة بها والتفاعل مع مجرياتها باعتبارها أحداث شكلت مسيرة الدولة السودانية..
ومنذ ترعرعنا في تلك الربوع كنّا لا نعرف للصحافة باباً، واسماً غير الفاتح أحمد النور، وحسن نايل النور، وجريدة كردفان، وشجرة التبلدي الموسومة بجانب اسمها، وشعارها الراسخ "الإصلاح من قاعدة الهرم إلى قمته"، وإلى جانب حسن نايل هناك أسماء أخرى هجرت الوطن الصغير، والتحقت بالصحف القومية، لتنال بريق النجومية، بالإضافة إلى مراسلي الصحف في الإقليم، محمد الشيخ القرشي، محمد علي طاهر، عبد الدائم السيد، وصلاح السيد طه.. ولكن التماع كردفان الجريدة ظل هو الضوء المُشّع، واللافت للأنظار، كونها حدثاً غير مسبوق، من خارج العاصمة، لتحقق نجاحاتها الداوية على المستوى الإقليمي. وقصة كردفان الجريدة عبارة عن ملحمة عريضة، خطت فصولها الهمّة والعبقرية والابتكار.. لمسنا مشاريعها وخطواتها، وحدثنا عنها الفاتح النور شفاهةً وعبر مؤلفاته، وطالعنا حروفها عبر أعدادها الأسبوعية، ومثلت الصحيفة بالنسبة لي واحدة من مظان البحوث الأكاديمية على المستوى الشخصي لنيل دبلوم الاتصال الجماهيري والصحافة والنشر في كلية شرق النيل الجامعية تحت عنوان "الصحف الإقليمية في السودان – صحيفة كردفان نموذجاً" تحت إشراف الدكتور النور جادين. ولعل حسن نايل أحد الذين صقلتهم الصحافة الإقليمية، ضمن عقد نضيد من أمثال حسن الرضي، وزين العابدين أبو حاج، وأحمد إسماعيل العمرابي، وعبد القادر حافظ.. هذا غير الكتّاب والمتعاونين أمثال الأساتذة مختار الأصم، ونفيسة كامل، وحسن عبد القادر، والشاعر محمد عوض الكريم القرشي، والشيخ اسحق شداد، والتجاني عامر وغيرهم. ونجاح هذه المجموعة تمثل في الأفكار التي تحولت سريعاً إلى مشروعات تنموية مثل فكرة عيد الشجرة، وإنشاء متحف شيكان، وجامعة كردفان، ومحاربة العطش، والحكم الإقليمي، والوقوف إلى صف القضايا الوطنية، وإيصال صوت الناس إلى صانعي القرار مثل حقوق الأهالي في جبال النوبة، كما تحولت الأفكار المستنيرة إلى ملفات خاصة بالتوثيق لزيارات الرؤساء والملوك والأدباء إلى الإقليم.. وأعتقد أن حسن نايل مشارك بفاعلية في تلك الأفكار والمشاريع لأن الصحافة عمل جماعي وإبداعي.. عرفناه، وعرفنا كيف يُنحتُ الصخر على متون الجبال.. وتجربته تتمثل فيما قاله الأستاذ مصطفى أمين في كتابه انقلاب في بلاط صاحبة الجلالة: " إن الصحافة الإقليمية هي مدرسة الصحافة الفطرية، بدليل ما من صحفي إقليمي موهوب إلاّ ووجد مكاناً في الصحف المركزية الكبرى بينما لا يستطيع أنجح الصحفيين في الصحف اليومية أن يجد مكاناً يبرز فيه موهبته في الصحف الإقليمية". ومعلوم أن الرئيس جعفر نميري أمم الصحف السودانية بما فيها جريدة كردفان، ولكن أعيد إصدارها بعد التأميم تحت إشراف وزير الحكومات المحلية وقتها الدكتور جعفر محمد علي بخيت، لتصدر من دار الصحافة في العام 1978م. وفي العام 1980 آلت ملكيتها للحكومة الإقليمية وتعاقب على رئاستها عدد من رؤساء التحرير، منهم موسى المبارك، وزين العابدين أبو حاج، واحمد إسماعيل العمرابي، وعبد القادر حافظ، لكن في العام 1985 اختارت حكومة الإقليم حسن نايل رئيسا لتحرير جريدة كردفان، ليستمر في المنصب حتى مارس 1986م حين قامت حكومة الأحزاب الانتقالية بإيقاف إصدار الصحف الحكومية. وبعد انقلاب 30 يونيو 1989 أعيد إصدارها في بداية التسعينات عن دار الثقافة التي كانت تصدر جريدة السودان الحديث، تحت شعار " كردفان الغرة ام خيراً جوه وبره "، وكان رئيس تحريرها محمد سعيد معروف، واختير حسن نايل مدير مكتبها في الأبيض، لكنها توقفت أيضاً..
نعود للحديث حول مسيرة حسن نايل الإعلامية بعد أن شكلت جريدة كردفان محطة مهمة في سيرته المهنية، صاحبها مشوار أخر في العام 1960 وحتى 1964م حيث عمل محرراً بجريدة الثورة التي كانت تصدرها وزارة الاستعلامات والعمل، وكان حسن هو صاحب فكرة إصدارها عندما كتب لمدير عام وزارة الاستعلامات والعمل وقتها محمد عامر بشير فوراوي، اقتراحاً بهذا المعنى "بحسب ما وجدنا في مذكراته"، لتخرج الجريدة في ثوب قشيب في العام ١٩٦١ بشكل يومي وملحق أسبوعي كان يصدر كل جمعة، وكانت من أولى الصحف السودانية التي تصدر بالحجم الكبير، لتتوقف في أكتوبر 1964 بعد نجاح الثورة وزوال حكم الفريق إبراهيم عبود..
تحول بعدها حسن نايل للعمل كمحرر صحفي بمكتب الثقافة والإعلام الأبيض في العام 1965 وحتى العام 1970.. ومن ثم تحول للعمل محرراً صحفيا بمجلة الإذاعة والتلفزيون والمسرح التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والإعلام في الخرطوم.. ومرة أخرى يعود للعمل محرراً صحفياً بمكتب الثقافة والإعلام في الأبيض في العام 1973 وحتى العام 1980. في الفترة من 1980 - 1981 عمل ضابطاً للصحافة والعلاقات العامة لحكومة كردفان في عهد الحكم الإقليمي، ليتقاعد إلى المعاش الاختياري، ويتجه لتأسيس وكالة نايل للإعلان التجاري في الأبيض.. لكنّ مهنة الصحافة لا تعترف بالمعاش، هي مهنة العقل والفكر، لذلك أصرّ حسن نايل، على مواصلة نشاطه الإبداعي في المجال ليعود للعمل مراسلا لصحيفة الصحافة، وظلت مقالاته تنشر حتى وفاته، في سلسلة تحت عنوان " تاريخ جبال النوبة السياسي والاجتماعي"، بالتزامن مع ذلك ظل يراسل صحيفة الأيام، وجريدة عالم الاقتصاد التي تصدر في العاصمة البريطانية لندن..
كنت أزور مكتبه المخصص للإعلانات التجارية "وكالة نايل للإعلانات" الذي يجاور البنك السعودي ، ويقع غرب مباني السلكية واللاسلكية والمايكرويف، نلتقي مع ثلة من الأصحاب في حضرة ابنه القائد الكشفي غازي، نقضي ساعات النهار في الأنس الجميل، دون مضايقة من حسن نايل، الذي دوماً ما كنت ألمح وجهه القلق، خلف دخان سيجارته، دائم السرحة والاستغراق، وحين يعود منتبهاً تحس بأنه شخصية جادة وصارمة في آن، قليلُ الحديث، كثيرُ التأمل، والأسرار، يعشق الهلال، ويستمع للشفيع، ويطرب لقصائد ود القرشي، يحب المشي راجلاً مثل أبناء جيله، هكذا هم أبناء المهنة وعالمهم. لم يكتف الرجل بجهده الوفير والمتقن في الكتابة فقط بل اِمتَدَّ عطاؤُه إلى مجال العمل الإذاعي والتلفزيوني، فقد أعدّ لإذاعة الأبيض مجموعة من البرامج في مقدمتها برنامج "شخصيات من كردفان " عند بداية بثها الإذاعي في العام 1980، واستمر برنامجه يبث على مدار أربع سنوات متتالية متضمناً أكثر من 70 شخصية من السياسيين وزعماء القبائل ورجال الدين والإداريين والكتّاب والشعراء والفنانين، وأصبحت هذه المادة الوثائقية مصدراً للباحثين عن تاريخ كردفان السياسي والاجتماعي من طلاب الجامعات والمعاهد العليا والكتاب، وقامت الإذاعة القومية بتسجيل هذه الحلقات كاملة، لتمثل أحد المراجع التي اعتمد عليها الكاتب عباس الطاهر في تأليف كتابه "ملامح من مدينة الأبيض".. لم تتوقف مسيرة حسن نايل مع البرامج رغم صعوبة الإعداد والتقديم لبرنامج مثل شخصيات من كردفان، ليعدّ برامج أخرى منها "مساجد ومسايد" موثقاً فيه نحو 60 مسجداً ومسيداً في الأبيض، كما أعد حلقات بعنوان "أضواء على تاريخ جبال النوبة السياسي والاجتماعي" سلطت الضوء على المنطقة وتاريخها وحراكها السياسي والاجتماعي والإبداعي، كما أردفه ببرنامج أضواء على استقلال السودان، وبرنامج تلفزيوني من عدّة حلقات بعنوان " من ذاكرة الوطن"، هذا غير المسابقات التي تهدف للتعريف وتنشيط الذاكرة تجاه تاريخنا الوطني..
لم يكن حسن نايل حبيساً للوظيفة العامة أو مهنة الصحافة وحدها فقد تنوع وتعدد نشاطه في مجتمع عروس الرمال، من خلال عضويته في عديد الجمعيات، ومن تلك الأنشطة عضويته في جمعية أصدقاء جامعة كردفان، ولجان المهرجانات الثقافية في الولاية، ومقرر لجنة تكريم رجالات الأبيض في العام 1992م، وعضو لجنة الإعلام للدورة المدرسية 1981م التي سميت بأم الدورات، ووجد نفسه أيضاً في فضاءات الرياضة حيث عمل سكرتيراً لنادي الترسانة الرياضي، وشغل منصب أمين المال في جمعية الكشافة في الولاية، ولعل حبه وعشقه للكشافة أمتد لكل أفراد الأسرة كباراً وصغاراً فقد انخرطوا جميعاً ضمن الفرق والجمعيات الكشفية بمن فيهم حرمه السيدة أم الكرام، وبناته وابناؤه، ويبدو أن نجله الكبير غازي حسن نايل هو من نقل هذه العدوى للأسرة، كما شغل منصب مقرر لجنة الإعلام بالحزب الاتحادي الديمقراطي، ومديراً لدار الحزب في الأبيض، رغم معرفتي بأنه لم يكن يحب السياسية إلا في إطار التعاطي الصحفي مع أخبارها وانشطتها. نظير هذا الجهد والعطاء النبيل في كافة الميادين كرّمته الدولة ومجتمع الأبيض، فقد نال التكريم من جامعة كردفان، وكشافة الولاية في العام 1992م، ومحافظة شيكان في ذات العام 1992، ومن حكومة الإقليم ضمن فعاليات الدورة المدرسية في 1981م، كما نال تكريم اتحاد الصحافيين والكتاب، وأسرة حي القبة بالجامعات والمعاهد العليا "دورة 1990-1991"، وقبل ذلك كله كرّمه الناس بالتقدير والتجلة والعرفان، واوجدوا له مكانة في قلوبهم نظير رحلة العطاء التي امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمان، قدّم خلالها حسن نايل عصارة جهده وفكره، وكان ينبغي لهذه المسيرة أن تتوج بمؤلفات وكتب لتوثيق سيرته، ورصد ما قدمه من برامج إذاعية وتلفزيونية ومقالات صحافية جعلت تاريخ كردفان عامة والأبيض خاصة، وقضايا المنطقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية حاضرة في أجهزة الاعلام الرسمية والخاصة، بل وشاع ذكرها عالمياً من خلال مراسلاته ومقالاته التي نشرت خارج حدود الوطن.. رحم الله حسن نايل الذي يذكرني بالجيل العصامي المثقف الذي أسس ومن معه مدرسة الصحافة الإقليمية بأفكارها الخلاّقة، ونجاحاتها الكبيرة، ليدون اسمه على قائمة المهنيين الشرفاء الذين حملوا راية التغيير والوعي.. لتودعه عروس الرمال في العام 1997م في يوم حزن عمّيق وفي مواكب تشييع مهيب شاركت فيه كل الأحياء والشوارع والبيوت، لينتهي فصل من فصول العطاء النبيل، ودعناه ونحن نردد مع الثبيتي: سلامٌ عَليكْ.. سلامٌ عَليكْ مُطِرْنَا بِوجْهِكَ فَلْيَكُنِ الصُّبح مَوعدنَا للغناء ولْتكُنْ سِدرة القلبِ فواحةً بالدماء سلامٌ عليكَ.. سَلامٌ عَلَيكْ.. فهَذا دمُ الرَّاحلينَ كتابٌ من الوجدِ نتلوهُ تلك مآثرهم في الرمالِ وتلك مدافنُ أسرارِهِم حينما ذلَّلَتْ لَهُمُ الأرضُ فَاسْتبقُوا أيُّهم يَرِدُ الماءَ ما أبعد الماءَ.. ما أبعد الماء!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة