في كتابه ( من يجرؤ على الكلام ) الصادر في العام 1989م أشار بول فندلي السناتور الامريكي السابق الى أن تأخر الادارة الامريكية في التجاوب مع توصياته التي أبلغها لأكثر من رئيس أمريكي فيما يخص اليمن بعد زيارته لها ، ومقابلته للمسئولين فيها ، ولمسه للتجاوب الكبير منهم بشان تحسين العلاقات بين البلدين ، اشار الى أن التأخر في اتخاذ القرار الأمريكي - لأكثر من أربعة سنوات – قد كانت له آثاراً كارثية فيما بعد ، وقد قال ضمناً إن ذلك سبب الكثير من الضرر لكلا للبلدين ، فقد قام داعمي المعسكر الشرقي في اليمن بقتل الرئيس اليمني وقتها سالم ربيع ، عندما أدركوا نيته في إصلاح العلاقات مع أمريكا ، وقد ذكر أن امر التأخر في اتخاذ القرار قد تكرر أيضا في سوريا التي زارها في طريقه الى اليمن وقابل رئيسها الاسد الذي فوضه لدعوة اعضاء الكونجرس لزيارة سوريا باسرع ما يمكن ، وكأن الرجل اراد أن يقول ان ذلك سمة من سمات الادارات الامريكية المتعاقبة خاصة فيما يخص الدول الصغيرة . س
وفي أوآخر عهد الرئيس السابق عمر البشير فاضت الدوائر الاعلامية بأخبار القاعدة العسكرية التي تنوي روسيا انشائها في شواطئ البحر الأحمر في السودان ، لم يكن ذلك الخبر عاريا عن الصحة ، ولا كان من فبركات أجهزة المخابرات ، فالرئيس البشير كان قد زار روسيا في أواخر عهده ، وناقش ووقع معها عدة اتفاقيات ، وكان من ضمن الأمور التي ناقشها ، أو ربما قام بالتوقيع عليها موضوع القاعدة البحرية التي قيل أنها ستضم حال انشائها أكثر من ثلاثمائة جندي ، وأربعة سفن بحرية بعضها يعمل بالطاقة النووية فالرجل الذي ظلت واشنطن تحاصره - خدمة لاسرائيل ولبعض دول اخرى - وتحاصر نظامه الحاكم اقتصاديا وتجوع بلده لأكثر من خمسة وعشرين سنة بحجج باطلة واهية - تعرف امريكا عدم صدقيتها - ولكنها تستخدمها لإيقاف تقدم البلد وتطوره من خلال منعه من استقلال موارده حتى لا يقوى نظامه الحاكم ويتقوى ، قدم لمختلف الدوائر السياسية من صناع القرار في الولايات المتحدة ما يكفي من الادلة عن بطلان ما ينسب اليه ، والى بلده من تهم الارهاب ، والابادة الجماعية ، والتطرف ، ووسّط ما يكفي من الحلفاء ، وتعاون مع امريكا في أكثر من ملف طلبت منه التعاون فيه - خاصة ملف مكافحة الارهاب - ولكن كل ذلك لم يأت بنتائج ايجابية ، وكما في عصر الستينات ، والسبعينيات لم تبادر امريكا ابدا لتحسين علاقاتها مع السودان ولم تفكر في تغيير سياساتها تجاهه ، ربما لانشغالها بملفات أُخرى ترى انها اكثر اهمية ، وربما لان رغبتها في ازالة النظام نهائيا - مهما تعاون معها - كان اكبر من رغبتها في الاستفادة من وجوده ، فواصلت التجاهل ، والتسويف للوعود التي كانت قد قطعتها له ، وبالتالي دفعت الرئيس السوداني عمر البشير دفعا للبحث عن حلول أخرى فذهب الرئيس مدفوعا بقناعته ان السعي وراء امريكا لا فائدة ترجى منه - بعد تجربته الفاشلة معها - ذهب يطرق ابواب الكرملين وهو كان قد طرق أبواب الصين في مرحلة سابقة ، وكانت النتائج مبهرة ، وإن كان المعسكر الشرقي قد تفكك وتبدلت أحواله كقوى تناهض المعسكر الغربي الا أن روسيا لا زالت موجودة في خارطة السياسة العالمية كقوى لها حضورها ، وتأثيرها ، وقدرتها على تغيير الموازنات .
الان عاد حديث القاعدة البحرية الى الظهور فقد تناقلت وسائل الأعلام المختلفة حديث الفريق ياسر العطا عن طلب روسيا انشاء محطة تزود بالوقود في البحر الأحمر ، وعن نية الجيش والكرملين للنظر في الاتفاقات السابقة التي أبرمها النّظام السابق ، والتي قيل أن من ضمنها واهمها انشاء القاعدة العسكرية في السودان ، وهي قاعدة لا ترغب امريكا على الاطلاق في أنشائها ، وتعارض اقامتها بكل ما أوتيت من قوة لأنها ترى فيها خطرا يهدد مصالحها ، ويزيد من انتشار روسيا في القارة البكر افريقيا ، فروسيا موجودة فعليا في العديد من دول القارة السمراء ، ولكن نظرة خاطفة الى واقع الحال تجعلنا ندرك ان أمريكا التي تلاعب الجيش السوداني بالسياسة ، وبالضغوط الاقليمية ، وبدعم المعارك الدائرة في مدن السودان وقراه او بتجاهل دورانها، قد دفعت - عمليا - في اتجاه اقامة تلك القاعدة فبعد ان فشل عبد الفتاح البرهان - مثل سلفه البشير - في تغيير موقف امريكا وفي دفعها للضغط على حليفها الاقليمي لمنعه من تقديم السلاح ، والاموال ، والرجال للدعم السريع والذي يطيل من امد المعركة ، و يزيد من ارهاق الجيش ، وجد الرجل نفسه مضطرا للبحث عن حلول اخرى غير حلول اصلاح العلاقة مع كابوي البيت الابيض ، ولان روسيا بخلاف أمريكا تتابع مجريات الامور على الواقع ، وتتخذ القرارت بناء على تلك المتابعة بالسرعة المطلوبة ، فقد قامت حال قناعتها باستحالة سيطرة الدعم السريع على الأمور في السودان بتغيير استراتيجياتها ، وموقفها فقررت بالتالي تحويل دعمها من الدعم السريع الى الجيش ، وسارعت لكبح جماح فاغنر ، وارسلت وفدها الى السودان للتفاهم مع القوة التي تأكدت أن الامور ستؤول اليها في نهاية المطاف مستفيدة من حاجة تلك القوة الماسة لداعم دولي قوي .
على الطرف الآخر كانت أمريكا ومنذ سقوط البشير تتلاعب بالموقف السياسي في السودان ، وتساند الاطراف التي تسعي لأضعاف الجيش ، والقضاء عليه ، ولتجلس لعيبة تم اختيارهم بعناية على كرسي الحكم لأنها من خلال وجودهم تستطيع ان تصل الى تحقيق كل مصالحها في السودان ، وهنا يتكرر ما تحدث عنه فندلي من التأخر القاتل في اتخاذ القرار ، وفي تغيير الاستراتيجيات استنادا للواقع ، ولذلك ربما تنبه واشنطن يوما لتجد ان القاعدة الروسية على شواطئ البحر الاحمر امراً واقعا لا مفر من التسليم به ، وليس اتفاقية على الورق تقبع حبيسة ادراج الساسة . لقد ظلت امريكا ومنذ جلوس البشير على سدة الحكم في السودان تتعامل مع نظامه بالكثير من الظلم وعدم الواقعية وتتبع استراتيجة واحدة طوال ثلاثين عاماً كاملة لأنها تنصت الى اطراف غير محايدة بل اطراف تناصب ذلك النظام العداء ايدلوجيا وصحيح انها قد نجحت في التسبب بالكثير من الضرر لذلك النظام وللسودان كله ، ولكن ذلك قد جعلها تخسر الكثير وهي للأسف لازلت تمارس ذات السياسة وتجني ذاك الخسائر وتنشغل عن امر السودان بما تظن انه اكثر اهمية والحاحاً .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة