|
رحلة في غياهب يوتيوب السودان (صدمة وذهول) ..!!؟؟ كتبه د. عثمان الوجيه
|
01:57 AM May, 14 2024 سودانيز اون لاين عثمان الوجيه-القاهرة-مصر مكتبتى رابط مختصر
- منذ فترة، خصصتُ جزءًا من وقتي الثمين لاستكشاف محتوى يوتيوب السودان على منصات التواصل الاجتماعي، رحلةٌ غاصت في أعماق هذا العالم الافتراضي، فكشفت لي عن ظاهرة غريبة ومحزنة، صحيحٌ أنّني لم أُخفِ سعادتي بمشاهدة بعض الإبداعات السودانية المميزة، تلك التي تُجسّد ثقافتنا العريقة وتُعبّر عن مواهب شبابنا المُبدعين، لكنّني، في المقابل، واجهتُ صدمةً قاسيةً هزّت كياني، عندما صادفتُ محتوى يوتيوب آخر ينحدرُ إلى مستوياتٍ تُسيءُ إلى قيمنا وأخلاقنا، فوجئتُ بوجود "نجوم" يوتيوب يقدمون محتوى تافهًا، بعضه يُبطل الوضوء والبعض الآخر يُوجب الغسل، ناهيك عن التقليعات السخيفة والألفاظ البذيئة واللباس الخليع الذي لا يليق بمجتمعنا، بل زاد الأمر سوءًا عندما شاهدتُ بعضهم يتناولون الطعام والشراب ويضعون المكياج في بثٍّ مباشرٍ لا يخلو من الإيحاءات الجنسية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتدّ ليشمل حفلات افتتاحٍ صاخبة للمطاعم والمقاهي السودانية في الخارج، عُرضت فيها مشاهدُ مُخجلةٌ تُسيءُ إلى صورة السودان وشعبه، ولكنّ الصدمة الأكبر كانت عندما اكتشفتُ أنّ هؤلاء "النجوم" عديمي المحتوى، كما أُحبّ أن أُسمّيهم، يمتلكون عشرات وربّما مئات الآلاف من المتابعين، بينما حسابات العلماء والمفكرين السودانيين، الذين يُنيرون عقولنا ويُثْرُون ثقافتنا، لا يتابعها سوى المئات أو بضعة آلاف!، وتزدادُ المفارقةُ سوءًا عندما نُقارن التفاعلات، فمنشوراتُ العلماء بالكاد تُحظى بإعجابين أو تعليقٍ بملصق، بينما تتصدّرُ حساباتُ "النجوم" عديمي المحتوى قائمةَ التفاعلات بفضلِ التفاعلات المُفبركةِ!، بل وصل الأمرُ إلى حدّ أنّه قبل أيامٍ قليلة، نشرتْ إحدى "الفنانات" منشورًا لا يحتوي سوى على نقطةٍ واحدة! نعم، نقطةٌ واحدةٌ فقط! وليس حرف أو كلمة أو جملة! ومع ذلك، فقد حظي منشورها خلال ساعاتٍ قليلةٍ بمئات الآلاف من الإعجابات وعشرات الآلاف من التعليقات وآلاف المشاركات!، أمام هذه الظاهرة المُحزنة، لم أتمكنْ من كبتِ مشاعرِ الاستياءِ التي انتابتْني، فتذكّرتُ قولَ الإمام الشافعي "نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا"، فما ذنبُ الزمانِ إنْ كنا نحنُ مصدرَ الداءِ والبلاءِ؟ نلومُ الزمانَ ونُنَكّرُ مسؤوليتنا ونَتناسى أنّنا نحنُ من نُصنّعُ هذا المحتوى ونُشجّعُهُ ونُروّجُ له، أينَ قيمُنا؟ أينَ أخلاقُنا؟ أينَ هُمْ شبابُنا المُثقّفُ؟ أينَ هُمْ علماءُنا ومفكّروُنا؟ إنّهُ لمن المؤسفِ أنْ نرى هذا التدهورَ في المحتوى الثقافيّ على منصات التواصل الاجتماعيّ، وأنْ نُسْلِمَ زمامَ الأمورِ لهؤلاءِ "النجوم" عديمي المحتوى الذين يُساهمونَ في تدميرِ قِيَمِنا وأخلاقِنا، فلنُقاومْ هَذِهِ الظاهرةَ بِكُلِّ ما أوتينا من قوّةٍ، ولنُنَشِرْ الوعيَ ونُشجّعَ المحتوى الهادفَ الرّاقيَ ونُدعمَ علماءَنا.. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:- منذ نصف عقد مضى، وأنا أسكنني همٌّ ثقيلٌ يزدادُ ثقلًا مع مرور الأيام، هو همّ مستقبل أطفال السودان، لقد مرّت بلادنا بمحنٍ قاسيةٍ هزّت أركانها، بدءًا من جائحة كورونا التي أغلقت أبواب المدارس والجامعات، مرورًا بثورة شعبية هزّت عرش الظلم، وصولًا إلى حربٍ عبثيةٍ عصفت بالبلاد، وشتّتت شمل العائلات، وخلّفت وراءها دمارًا هائلاً وفقدانًا للأرواح، ففي كلّ مرّةٍ أتواصلُ فيها مع أهلي وأصدقائي وجيراني وزملائي، ممن يعيشون تحت وطأة الحرب أو هُجّروا من ديارهم، أطرحُ عليهم سؤالًا واحدًا: "ما مصير تعليم أطفالكم؟"، للأسف، تأتي الإجابةُ محبطةً في كلّ مرّة: "أبناؤنا محرومون من التعليم!"، حاولتُ أن أُشجّعَ بعضهم على الاستفادة من وقت الفراغ لتعليم أطفالهم في المنزل، أو الاعتماد على الدروس عن بعد، أو تعلّم اللغات والعلوم المختلفة، أو حتى حفظ القرآن الكريم، لكنّ الواقعَ كان مُحبطًا أكثر مما توقّعتُ، فمعظمُ الآباء والأمهات لا يملكون الوقت الكافي للمراجعة لأطفالهم، أو حتى متابعة تحصيلهم العلمي!، والمؤسفُ أنّهم يُضيّعون ساعاتٍ طويلةً على وسائل التواصل الاجتماعي، يتابعون مقاطع الفيديو التافهة، دون أن يُدركوا أنّ هواتفهم الذكية مليئةٌ بالتطبيقات التعليمية التي لا تحتاجُ إلى اتصالٍ بالإنترنت، فأين ذهبتْ القيمُ والمبادئُ التي تربّينا عليها؟ أين ذهبتْ مسؤوليّةُ تربيةِ أجيالٍ واعيةٍ مثقفةٍ قادرةٍ على حملِ مشعلِ المستقبل؟ إنّ الأممَ لا تبقى قويةً إلّا بأخلاقها، فإذا ضاعتْ الأخلاق ضاعَتْ الأممُ، وأخيرًا، أودّ أن أُذكّركم جميعًا بالموت، فالموتُ حقيقةٌ لا مفرّ منها، في الماضي، كنّا نسمعُ أخبارَ وفاةِ العجائزِ والمرضى فقط، أمّا اليوم، فأصبحتْ أخبارُ الموتِ تُحيطُ بنا من كلّ جانبٍ، شابٌ في العشرينات من عمره يُشعلُ سيجارةً فيموتُ قبل أن تُطفأ، وفتاةٌ مراهقةٌ تبدأُ وضعَ المكياج فتُفارقُ الحياةَ قبل أن تُكمّلَ، وطفلٌ يموتُ وهو يُرضعُ في ثديِ والدته، ما الذي أعددناه للدار الآخرة؟، هذا هو السؤالُ الذي يجبُ أن نُجيبَ عليه بصدقٍ وجديّةٍ، قبل أن نفقدَ كلّ شيءٍ، ونخسرَ دُنيانا والآخرة معًا، فلا نُضيعْ مستقبلَ أطفالنا، ولا نُضيعْ أنفسنا، ونُحاولْ أن نُصلحَ ما أفسدناه، ونُبني بلادنا من جديدٍ على أسسٍ صلبةٍ من العلمِ والأخلاقِ والقيمِ.. #اوقفوا_الحرب #Stop_The_War وعلى قول جدتي:- "دقي يا مزيكا !!". خروج:- في رحلة الحياة، نصادف أرواحًا تتلألأ كالنجوم، تُضيء دروبنا وتُنير دروب من حولها، جوان الخطيب، أحد تلك النجوم، رحل عنا تاركًا وراءه أثرًا عميقًا في قلوبنا، اللهم، أنت الرحمن الرحيم، نرفع إليك أكفّنا الضارعة، نستحضر رحمتك الواسعة ونوسلك دعاءنا المتواضع، أن تُنزل رحمتك ولطفك على عبدك "جوان الخطيب" ويا هادي الضالين، نسألك أن تهدي من ضلّوا طريقهم، أولئك الذين طالبونا بعدم الترحم على روحه الطاهرة، اللهم، إنك أنت أعلم بِما في القلوب، ونعلم أنّ رحمتك تسع الكون، فلا تُحرمهم من نور هدايتك، يا إلهي، قبيل ساعات من اختيارك لجوان ليكون في جوارك، ظهر لنا في أحد أشهر فيديوهاته المباشرة، يشكو فيه لصديقته من الوحدة، اللهم، إنّ قلوبنا تقطعت ألماً حين سمعناه يتحدث عن وحدته، ونحن نشعر بالعجز عن مساعدته، نسألك يا ربي، أن تُؤنسه في وحدته، وأن تُسكنه فسيح جناتك، وأن تُذيق روحه طعم السعادة الأبدية التي افتقدها في دنياه، يا قادر يا كريم، لا ننسى فضلك علينا، ونشكر لك نعمك التي لا تُحصى، اللهم، نسألك أن تُعزّي عائلته وأصدقائه، وأن تُلهمهم الصبر والسلوان، وأن تُثبّتهم على طريق الحق والخير، رحم الله جوان الخطيب، وأسكنه فسيح جناته، وجمعنا به في دار القرار، إنه سميع مجيب.. ولن أزيد،، والسلام ختام.
د. عثمان الوجيه / صحفي سوداني مقيم بمصر بكالوريوس، ماجستير ودكتوراه:- لغة إنجليزية / جامعة أفريقيا العالمية [email protected] - X, Linkedin, Bluesky, Mastodon, Fasebook, Instagram, Ttreads, Tumblr, Reddit, Pinterest, Piceart, Flickr, Snapchat, Tiktok, Youtube, Bodcast, Skype, line, Viper, T.me :- @drosmanelwajeeh
|
|
|
|
|
|