سرني جداً الحديث الذي دار بين د. الوليد مادبو والأستاذ سعد عبدالكريم الكابلي، إذ أشار إلى العناصر التي أدت إلى تحرير إرادة الشعب السوداني من الهيمنة والإستعمار مذكراً بالتضحيات الجسام التي بذلتها أغلب المكونات السودانية من بينها قبيلة الرزيقات. أشار بكل وضوح إلى العوامل التي أدت إلى إنحدار السودان وفشل النخب التي وصلت إلى الحكم لاسيما الأنظمة العسكرية في بناء دولة سودانية حقيقية تعبر عن تطلعات مواطنيها. حديثه كان حديثاً شجاعاً وصادقاً ودقيقاً عبر عن الواقع وأبعاد الصراع الواضحة والخفية. ما أدلى به دكتور الوليد مادبو حتماً سيكون له أثره وتأثيره على أنأس كثيرين ظلوا تائهين غير مدركين لحقيقة الصراع السياسي والإجتماعي في بلادنا التي ظلت تسير من سيء إلى أسوأ حتى وصلنا مرحلة الجرح النازف! الذي هو محصلة طبيعية للجهل والإنتهازية والغوغائية التي طبعت سلوك البعض. عدم فهم الواقع وأبعاد الصراع السياسي والإجتماعي في السودان جعل بعض الناس يخدعون إنفسهم بالأوهام التي بذلها لهم صناع الخراب والدمار والفوضى في الوطن ويقبلون أن يكونوا مجرد عبيد وخدم لخدمة أجندة جهات سياسية هي في المحصلة النهائية تعمل ضد المصلحة الوطنية العليا. فأصبحوا ضحايا مثل ضحايا المخدرات الذين يعطون أموالهم للمجرمين الذين يمدونهم بالسم القاتل. عمر البشير وحاشيته الفاسدة طوال ثلاث عقود وأكثر كانوا تجار مخدرات باعوا الشعب السوداني الأوهام والأكاذيب والشعارات الزائفة التي سممت عقول البسطاء بأفكار ظلامية تحت شعارات الدين والوطن وغيره من شعارات وطنت الجهل والتخلف والتطرف... الذي يدافع عنه الأرزقية أمثال الصادق الرزيقي الذي برع في أداء دور الحكامة! وهكذا الدريري الذي أجاد دور المشاطة للدرجة التي جعلته يصف أهله بعرب الشتات! سقوط الإنتهازيين في مهاوي الخسة والدناءة والوضاعة لا حدود له. ما أريد أن أقوله هو أن أبناء الهامش نتيجة لجهلهم وإنتهازيتهم ساهموا مساهمة كبيرة في إطالة أمد الأزمة الوطنية وتعقيدها من خلال قبولهم بدور الكمبارس لخدمة مخططات الأقلية الظالمة الفاسدة التي ظلت ممسكة بمقاليد الحكم ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والإقتصادية والدبلوماسية عبر إستخدام سلاح الإنقلابات العسكرية التي حرمت الشعب السوداني من حقه الطبيعي في الإستقرار السياسي والنمو الإقتصادي والتطور العلمي والرفاه الإجتماعي، ليس هذا فحسب بل هذا النهج التسلطي قسم الشعب السوداني إلى كيانات جهوية وقبلية ومناطقية في ظل غياب التنمية والخدمات الأساسية التي زادت من وطأة معاناة الشعب في مناطق الهامش العريض ... وفي العاصمة والمدن الكبيرة مارس القمع الممنهج ضد نضالات الحركة الوطنية التقدمية المناهضة للإستبداد السياسي والفساد الإقتصادي والظلم الاجتماعي. بعد الحديث الذي تفضل به دكتور الوليد نقول: الحمد لله الذي فتح بصيرة أبناء الهامش وإدركوا إخيراً حقيقة خيال المآتة الذي كان يسمى الدولة السودانية! الآن بعد الحرب اللعينة التي أشعل نيرانها الكيزان بهدف قطع مسيرة التغيير أصبحت الأمور أكثر وضوحاً أن الدولة القديمة بهياكلها وسياساتها وممارساتها الإستبدادية الفاسدة هي أس الداء والبلاء! لذلك لا داعي لتجريب المجرب وإهدار وقتنا وجهدنا وطاقاتنا في المسارات الضيقة، بل علينا البحث عن خيارات جديدة أكثر إنفتاحاً وشفافية ونزاهة ترفع المعاناة عن كاهل الملايين من ضحايا دولة الظلم كي يلتقطون أنفاسهم بعد رحلة عذاب وشقى تجازوت الست عقود وتفاقمت في عهد النظام السابق ... أتمنى أن يتحول حديث دكتور الوليد إلى موقف عملي يساهم في توسيع مساحة الوعي بأبعاد الصراع السياسي والإجتماعي، ويطور مواقف الكثير لينخرط الجميع في معركة الحرية والحقوق والمصير لوضع حد للمظالم التاريخية التي إستمرت طويلاً أفقدتنا الكثير من الأرواح والفرص والموارد. إشارتي الخاطفة للمظالم التاريخية ليس الهدف منها السرد الميت أو التنظير الفارغ الذي يجعل الإنسان يمتلك أحلاماً لكنه عاجز عن إمتلاك أدوات وآليات عملية تحول آماله وآحلامه إلى فعل مؤثر في وعيه وثقافته وسلوكه يجعله يربط تنظيره بالواقع المعاش أولاً كي يحرر نفسه من الخوف والإنكسار ويجد في ذاته المنعة والمناعة الأخلاقية التي تجعله قادراً على قول الحق للناس بلا رتوش لفضح مخططات وجرائم الأقلية الظالمة الفاسدة التي ظلت ممسكة بمقاليد الحكم ومؤسسات الدولة على حساب الأغلبية من الشعب السوداني التي تعرضت للظلم والإقصاء الممنهج حتى تضطلع بدورها التاريخي وتتحمل مسؤولياتها الوطنية تجاه حاضرها ومستقبلها ومستقبل أجيالها القادمة. بذات الشجاعة والجرأة الوضوح الذي تحدث به د. مادبو نؤمن على حديثه بأن السودان الدولة القارة لا يمكن أن يدار بعقلية الأقلية المسيطرة على مفاصل الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والإقتصادية والدبلوماسية والإعلامية... السودان يجتاح تأسيس دولة سودانية جديدة متفق عليها من جميع مكوناتها. دولة تعبر بحق وحقيقة عن إرادة شعبها بالتي هي أحسن، وليس بالتي هي أخشن التي أدت إلى إنفصال الجنوب وحولت ما تبقى من السودان إلى نار جهنم!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة