من يملك تأريخ حضاري عريق ، و يركنه في زاوية ضيقه في حياته ، و لا يستفيد منه في مسيرته ، بل و يقع في أخطاء مكررة عليه فهو كسول شاء أم أبى .. من يمكنه أخذ حل جذري لمشكلته الآنية ، و يتركه و يأخذ الحل الآخر ، الذي يلعب دور المسكن فقط لهذه المشكلة ، فهو أيضا كسول ، فالمشكلة ستظهر مرة أخرى ، و ربما بصورة أشد و أخطر ، و كل ذلك متحقق فينا الآن نحن السودانيين الحاليين ، لا نستفيد من دروس التأريخ ، و نقدم الحلول المسكنة لمشاكلنا المستعصية على أختها الحلول الجذرية ، و السبب أننا أبتلينا بطبقة من السياسيين و المتابعين للشأن العام من ذوي الهمم الدنيئة ، يرضون بالسفوح دون القمم ، فالتعليم في السودان تسبب في تشتيت ذوي الهمم العالية من أبناء السودان في مجالات بعيدة كل البعد عن متابعة الشأن العام ، فدان الشأن العام لغيرهم فكانت النكبة ، فأصبح السفح ملعبا لنسور أمة السودان كما يقول عباس محمود العقاد ، فالأمة محتاجة لثورة ذوو الهمم العالية لتصحيح المسار .. لماذا تفشل الثورات الشعبية السلمية في السودان في كل مرة ؟ تفشل لأن الأرضية ليست مواتية لحياتها أساسا .. ماذا تقصد بهذه الجملة من فضلك ؟ للإجابة : هب أن مولودا ولد في الشهر الخامس أو الشهر الثامن للحمل هل يعيش ؟ الإجابة بالطبع : لا . من خلال إحتكاكي بمجالات : الاحصاء , و الرياضيات ، و الحاسوب ؛ يمكنني صياغة نظرية ، تفسر سبب فشل الثورات السلمية في السودان ، سمه : الحد الأقصى لنشاط القوى غير الحكومية في الدول ، و هي نظرية مبنية من القاعدة الفيزيائية التي تقول : الطبيعة لا تقبل الفراغ . فهذه القاعدة تلعب أدوارا في السياسة ، و الاجتماع ، و حتى الاقتصاد ؛ فإذا كان عندك بنت في سن المراهقه فما فوق ، و أخفقت في مجال نفقتها ، فالفراغ سيسد بطرق أخرى لن تروق لك.. نص النظرية ( الحد الأقصى المسموح به لحجم أنشطة القوى غير الحكومية في الدول التي تتميز بالاستقرار السياسي هو أقل من 5% من النشاط أو السيطرة داخل الحدود المخصصة للدولة ) . بمعنى أن الدول المستقرة سياسيا يجب أن تحكم قبضتها على الأمنية بنسبة 95% ، و تقلص قبضة القوى الأخرى بأقل من 5%، من المليشيات و العصابات ، و كل معتادي الإجرام ، أما غير ذلك فإن مسألة إستتباب الأمن سيكون ضربا من الإستحالة ، عند تساوى الكتوف بين القوى الأخرى و الدولة , فالدولة السودانية فشلت منذ الإستقلال في بسط سيطرتها على مساحات حكمها ، بل تقاسمت النفوذ مع بعض المليشيات على بعض الأقاليم في مشهد يدل على كامل ضعفها و إهمالها لخطر هذه العصابات على مستقبل الدولة السودانية ، و هي تحصد الان ثمرة التفريط في السيادة داخلياً ، فالفشل في تحقيق الحد الأدنى للإستقرار السياسي من قبل الدولة السودانية منذ الإستقلال في حدودها السياسية هو السبب في موت الثورات السلمية الشعبية في السودان ، فالوضع الأمني المتردي يقف حجر عثرة أمام أي مجهود سياسي للحكومات المدنية ، لذا فهي تموت في مهدها ، لتحل محلها حكومة عسكرية ، و هي تفشل أيضا لأن مهمة هزيمة المليشيات المتزايدة على مساحات أقاليم السودان أيضا فوق إمكانياتها المتواضعة ، فالأمر ظل يراوح مكانه ، طوال العقود السبعة الماضية .. الثقافة التي إتبعها الخليفة عبدالله التعايشي و التي سمحت باحتلال إراضي بعض السودانيين ، و إغتصاب نسائهم ، و غنم أموالهم وممتلكاتهم هي ثقافة سائدة حتى الآن في السودان ، و نفذت من قبل مليشيا الدعم السريع بمعاونة إمتداداتها العرقية في دول الجوار ، و هي قمة التهديد للدولة السودانية ، و لو كانت الدولة السودانية بعد الاستقلال قوية و باسطة سيطرتها على أراضيها لما تكرر الخطأ مرة أخرى ، و لكن الكسل والخمول للسودانيين الحاليين يظهر مرة أخرى في نداءتهم المتكررة لوقف الحرب ، و الجلوس للتفاوض مع هذه المليشيات بحجة أن الحرب قد تطاول أمده ، و أن الدمار قد بلغ مداه ، و أن المصالح قد تعطلت بصورة كبيرة ؟ بما في ذلك توقف التعليم ؟ هب أن الشعب قد نفذ طلبهم بإيقاف الحرب ، و أن العمار قد حدث مرة أخرى في السودان ، و أن الثقافة لدى حواطن المليشيات لم تتغير كما حافظت على عدم تغييرها بعد حادثة الخليفة عبدالله التعايشي و التى ترجع لأكثر من ١٢٥ سنة ماضية ، فما يضمن لنا أن الدور التي بنيت ستنهب مرة أخرى و تسرق ، و تغتصب النساء ؟ لا يوجد أي ضمانة في أن تعود حليمة لقديمها الكئيب. فالحل السليم و المستديم لشعب السودان العظيم هو التشمير عن ساعد الجد والاجتهاد والمثابرة ، و جعل هذا الإمتحان الصعب هو الأخير في سلسلة إمتحاناته الداخلية ، و إجتناب الحلول المسكنة ، فالمقاومة الشعبية + مؤسسة الجيش السوداني ؛ إجتماع القوتين هما الخطوة الأولى و المهمة في بناء قوات نظامية جديدة قادرة على السيطرة على كامل الحدود السياسية للدولة السودانية ، و القضاء الكامل على أنشطة المليشيات في ربوع السودان المختلفة ، و محو ثقافة الإحتلال و الاغتصاب و السرقة من حواضن هذه المليشيات عبر الأنشطة القانونية للدولة السودانية الجديدة ذات الهيبة و السلطان ، و أنصح بتحويل رئاسة الأسلحة المهمة للقوات المسلحة السودانية لدارفور و كردفان ، و التركيز في التجنيد حاليا للمكونات السودانية التي لا تحمل الثقافة المدنية الضارة الموجودة عند الحكامات ، و محاسبة فئة الحكامات تمهيدا للقضاء عليها لأنها فئة تقف ضد حقوق الإنسان و القوانين المدنية ، فهي تدعو لانتزاع حق الغير بغير سلطة الدولة و القانون ، و بعد عقود يمكن تجنيد فئات تلك المكونات السودانية بعد زوال ثقافة الحكامات الضارة في حواضنهم الاجتماعية ، و أخيرا وليس آخرا إرجاع المكونات السودانية الأصيلة التي إغتصبت إراضيهم بقوة سلاح الميليشيات إلى أراضيهم بقوة القانون و إنشاء محكمة وطنية تعنى بالحواكير و أهلها الأصليين ، و إنشاء معسكرات بعيدة عن هذه الحواكير للكيانات المغتصبة و إبعاد من رفض منهم إلى البلاد التي جاءوا منها أيضا بقوة القانون ، فعلينا أن ننشيء دولة قوية بسواعدنا نحن ، حتى لا تموت ثوراتنا السلمية الشعبية في كل مرة بسبب ضعف مكونات دولتنا بسبب كسلنا و ضعف همتنا و لين عزيمتنا و نحن أحفاد بعانخي ملك الملوك .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة