استنادًا إلى مراجعتي لبعض مقالات الأستاذة رشا عوض، وبالإضافة إلى استماعي إلى التسجيلات الذي تضمنت ردودها على الدكتور عبد الله تيه والأستاذ فارس موسي، وغيرهما أرى أنها تحمل مشاعر كراهية وبتشنج تجاه الحركة الشعبية ورؤيتها التي صاغتها في مبادي واهداف ما تعارف عليه بمشروع السودان الجديد. وان كان حق الاختلاف في الرؤي مكفول للجميع، الا ان الأستاذة رشا عوض لم تتردد في استخدام وسائل ملتوية من الاحتيال، لتشويه مقصود لصورة الحركة الشعبية شمال ومشروعها. ولان رشا عوض تتفق وتيار عريض من النخب السودانية التي تتصدر مشهد الحراك المدني (تقدم) في مناطق النزاع بين الجيش والدعم السريع والتي بدورها تستثمر في علاقات قياداتها مع القوي الإقليمية والدولية نعلق على ما تسوق.
في تسجيل الأستاذة رشا ردا علي الدكتور عبد الله تية المشار اليه، وبعد مقدمة بديهية حول أهمية النقد البنّاء للكيانات السياسية في السودان، وهو أمر لا يوجد خلاف حوله، فالتقييم والإرشاد والمحاسبة هي العناصر الأساسية لتطوير وتحسين أي منظومة. ومع ذلك، تتجلى مأساة الأستاذة رشا عوض والمتفقين معها من قادة الرأي من النخب في الإصرار على محاسبة الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بمواقف ملفقة مثل سياسات وتجربة دولة جنوب السودان بعد فك الارتباط في 15 فبراير 2011 و بالتركيز على السلبي طبعا، وهذا استناداً إلى أن الحركتين كانتا تحت مظلة تنظيمية واحدة قبل الانفصال واشتركتا في تبني فكرة مشروع السودان الجديد.
سلوك التضليل هذا يحمل في طياته خبث وسوء نية جهارا. موقف رشا ومن يمارس نفس الاسقاط يعادل تحميل جميع مسلمي السودان مسؤولية أفعال دولة الإنقاذ أو دولة طالبان لانهم اشتركوا في اعتقادهم بالإسلام- هكذا! فهل يعقل أن نوجه نقدا للحزب الشيوعي السوداني بناءً على ممارسات الحزب الشيوعي الصيني ضد الأويغور ...مثلا؟!
"guilty by association"، أو "الإدانة بالارتباط"، تعبير يعني إلقاء اللوم على شخص أو جماعة بسبب الارتباط بآخرين بغض النظر عن مشاركتهم في الأفعال نفسها. وهذا ما تحرص عليه رشا عوض وهذا يعني أنه يتم الحكم الحركة الشعبية- شمال و (ادانتها) ليس بناءً على أفعالها وتجربتها الحالية في السودان اومواقفها الموثقة والتي امام الجميع، بل بناءً على ارتباط تاريخي ان لم يكن بناء علي تلفيق، وهذا الحكم لايكون محصورا على الفترة التي كان فيها هذا الارتباط، انما يتم بناأ علي ما بعد فك الارتباط قصدا. هذا النوع الكسول من تلفيق المسؤوليات فوق انه يتجاهل الحقائق الماثلة فهو يتجاهل السياق والتطورات المستقلة للكيانات المستقلة، ويضع من يختار هذا الطريق موضع اللاأخلاقي.
I think that's kind of like a fundamental moral truism... Again, it's a very simple ethical point: you are responsible for the predictable consequences of your actions, you're not responsible for the predictable consequences of somebody else's actions.” ― Noam Chomsky, Understanding Power: The Indispensable Chomsky
ماقد يعني: يقول نعوم تشومسكي في فهم القوة:
(أعتقد أن هذا يشبه إلى حد ما حقيقة أخلاقية أساسية/ بسيطة... مرة أخرى، إنها نقطة أخلاقية بسيطة جدًا: أنت مسؤول عن العواقب المترتبة على أفعالك، وأنت غير مسؤول عن العواقب المترتبة لبناء على أفعال شخص آخر.)
والسؤال هو، لماذا تفارق رشا عوض الأخلاقي وتعمد على التضليل وتحرص على ادانة الحركة الشعبية بهذه الطريقة الملتوية و(كمان بعنجهية وصلف) لا يوجد ما يسندها؟ (وسنعود لهذا!)
في 15 فبراير 2011، قررت الحركة الشعبية لتحرير السودان فك الارتباط بين فرعيها في جنوب السودان وشماله علي جميع الأصعدة: السياسية، التنظيمية، الإدارية والعسكرية بعد إدماج ولايتي جبال النوبة/جنوب كردفان والنيل الأزرق مع الشمال، موصية بأن تستمر كحركتين مستقلتين في الدولتين، وعليه، ومنذ تاريخه تصبح الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال ليست طرفا في بنية الهياكل التشريعية ولا التنفيذية ولا القضائية- في دولة جنوب السودان. الجنوبيون مسؤولين عما يجري في وطنهم، وسكان السودان الشمالي مسؤولين عما يجري في وطنهم فعلام الالتواء!
الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال لديها تجربتها التي لا تخطئها العين داخل السودان، والأمانة تفترض ان تقيم و تحاسب أي جهة بتجربتها. وللاسف أمثال الأستاذة رشا عوض يقصدون تجاهل الأراضي المحررة داخل السودان لان ما يجري فيها تجاوز كل سقف لتصوراتهم عن سودان يضمن حقوق المواطنة والمساواة لجميع مواطنية، ومن الناحية الأخرى مايجري في الأراضي المحررة يهدد تراتيبية اجتماعية تفكيكها هو شرط وقف الحروب وبناء السودان الديمقراطي العلماني الموحد طوعيا والذي يحكم بواسطة المدنيين. فالصحيح هو ان الحركة الشعبية تتحمل مسؤولية أي أخطاء في الأراضي المحررة، لأنها- الحركة الشعبية - شمال هي من تدير هذه الأراضي وهي من بنت السلطة المدنية للسودان الجديد فيها، وهي من انشات المؤسسات التشريعية والسياسية والتنفيذية والنقابات، والغرف التجارية، واتحادات كرة القدم والجمعيات الأدبية والفنية ... الخ... فان رغبت رشا عوض او غيرها ان تنتقد الحركة الشعبية شمال فسجل الأراضي المحررة مفتوح، فلتتعلم عنها، واعتقد ان الرفاق يرحبون باي نقد بناء لتطوير تجربتهم في إدارة المناطق المحررة، هل هذا الامر صعب؟
الان، دعني احدث الأستاذة رشا عوض ومن معها قليلا عن السلطة المدنية للسودان الجديد في وطننا السودان عسي ان يستيقظوا من أوهام لم يعد لها رصيد.
بعد اندلاع الحرب الثانية في 2011، قامت الحركة الشعبية بتطوير تجربتها مع السلطة المدنية للسودان الجديد، التي تم تحديثها عقب المؤتمر العام الاستثنائي لعام 2017. وقد تأسست السلطة المدنية القومية بموجب المرسوم الرئاسي رقم (2) بناءً على المادة (102) من دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال لعام 2017 الصادر عن القائد عبد العزيز آدم الحلو، رئيس السلطة المدنية للسودان الجديد. وتم تأسيس السلطة المدنية على المستويين الإقليمي والمحلي، وصادق مجلس التحرير القومي على قوانين تنظم جميع مستويات السلطة المدنية في الأراضي المحررة خلال دورته الثانية في أغسطس 2018، ولكن الأستاذة رشا عوض وامثالها يختاروا عدم رؤية هذا ويصروا علي تضليل الناس بإقحام دولة جنوب السودان!
تشكيلات الحكم في السودان الجديد كالاتي:
الجهاز التشريعي، ويُمثل مجلس التحرير القومي وهو أعلى سلطة تشريعية، يتولى مهام التشريع والمصادقة على القوانين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، وقد أجاز مجلس التحرير القومي عشرات القوانين الفاعلة في الأراضي المحررة – واليوم لايزال لا يوجد جهاز تشريعي في مناطق سيطرة الحكومة والدعم السريع! بل وقد فشلت النخب التي تولت إدارة السودان بعد سقوط نطام البشير بمدنييها وعسكرييها في تكوين برلمان او مجلس تشريعي رغم تأييد ملايين السودانيين لما اسمته النخب (بحكومة الثورة)، فعلام تحاضر الناس رشا عوض ومن معها وهم لاسنون لهم أصلا!؟
الاراضي المحررة اليوم، بها جهاز قضائي فاعل، ويتألف الهيكل القضائي من أربع مستويات، تشمل محكمة الاستئناف، المحاكم العُليا، محاكم المقاطعات، ومحاكم البيام، وبها جهاز تنفيذي فاعل لاعلاقة له مع أي جهاز تنفيذي في دولة جنوب السودان او غيرها، ويتكون من رئيس السلطة المدنية للسودان الجديد ونائبيه، ويضم إحدى عشرة إدارة مسؤولة عن مختلف القطاعات من الشؤون الداخلية إلى الرعاية الاجتماعية. فاليوم توجد هياكل مكتملة للسلطة المدنية على مستوى الأراضي المحررة، المقاطعات والبيامات، كما توجد قوات نظامية في المناطق المحررة تتبع للسلطة المدنية للسودان الجديد....
ولنحدث الاستاذة رشا عرض ومن معها قليلا عن الجيش الشعبي- احد اجسام الحركة الشعبية-شمال في السودان، وطنها، وليس جيش اي دولة اخري وهو الجيش الثورة والحقيقة!
تأسيس الحركة الشعبية الام في 31 يوليو 1983 ، ومنذ تأسيسها تبنت الكفاح المسلح كاستجابة لعنف الدولة، وبروح تحمل في طياتها قيم العدالة والكرامة الإنسانية متمثلة في مشروع السودان الجديد كما ورد في ادبيات الحركة الشعبية الام الموثقة. ركزت الحركة الشعبية منذ بدءها على تنظيم صفوفها وضبط سلوك جنودها، وهو ما تجلى لاحقا في إصدار قانون الجيش الشعبي لعام 2003 وتحديثه في عام 2018، مما يعكس التزام الحركة بالمعايير القانونية والأخلاقية العالية.
وفي الوقت الذي يواجه فيه سودان سيطرت النخب الفاشلة عسكريين ومدنيين تحديات متعددة وصراعات مسلحة كاسحة، يبرز الجيش الشعبي لتحرير السودان كنموذج للتفوق الأخلاقي والمهني في ميدان الدفاع عن الانسان السوداني، وحقوقه الكاملة وكرامته في الأراضي التي حررها بسواعد ابطاله عنوة من المتعاركين عندما كانوا متحدين ومتكالبين عليه - ولاتزال عملية التحرير هذه فاعلة. وبينما لم يستطع عمر البشير شراب القهوة في كاودا كما وعد اتباعه، اتاحت الحركة الشعبية لحكومة مابعد سقوط عمر البشير زيارة الأراضي المحررة، و تمت تغطية زيارة حمدوك الي كاودا، عاصمة السودان الجديد، ومع سبق الإصرار تخلط رشا عوض بين كاودا وجوبا!
الأراضي المحررة اليوم هي أكثر مكان امن في السودان الذي اوصلته النخب التي سيطرة على السلطة والثروة منذ الاستقلال وفشلت في بناء مشروع وطني يستوعب تقاطعاته قبلت رشا عوض وماتمثل ام تعمدت الجهل.
الان، وقبل استمرار حوارنا مع الأستاذة رشا عوض في مداخلات قادمة، نشير إلى أن رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، المعروفة باسم (تقدم)، قد وجهت دعوة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، لعقد اجتماع طارئ. الهدف من هذا الاجتماع كما قالت (تقدم) هو الدخول في نقاش عميق حول سبل العمل المشترك بين قوى الثورة لوقف الحرب وتأسيس الدولة السودانية وتطوير تفاهمات في هذا السياق تمكن من العمل سويا لبلوغ هذه الغايات.
تقدير كاتب هذه السطور، ان رؤية (تقدم) بناء على حراكها وما أصدرته من وثائق حتى الان قاصره، إصلاحية، وتجاهلت جذور المشكل التي أوصلت السودان الي ما هو عليه الان، بالإضافة الي انها صممت لتحافظ على نفس توازنات نفس النخب من ناحية ومن الناحية الأخرى لتبقي على بنية الدولة السودانية التي اوصلتنا الي ما نحن فيه، وهذا سيؤدي الي تكرار دورة جديدة من الفشل.
استجابت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال لهذه الدعوة بترحيب مبدئي، مبني على رؤيتها الخاصة للوصول إلى حل نهائي وشامل للحروب في السودان. تؤكد هذه الرؤية على أهمية مناقشة المشكلات السودانية من جذورها، وسمت أجندة النقاش التي تنادي بها متمثلة قضايا الهوية الوطنية والوحدة الطوعية، وعلاقة الدين بالدولة، والتحوُّل الديمقراطي، ونظام الحكم، والمشاكل الاقتصادية، والمحاسبة التاريخية والترتيبات الأمنية.
والاختبار الان امام أمثال الاستاذة رشا عوض والتيار العريض من النخب السودانية التي تتصدر مشهد الحراك المدني في مناطق النزاع بين الجيش والدعم السريع، ان ينضجوا الي وعي نضوب كل مساحات المناورة، ولاسبيل لقطع الطريق علي المزيد من الحروب وتداعياتها علي كل الأصعدة سوي بمواجهة جذور المشكلات التي أدت الي الوضع الحالي في السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
خالد كودي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست