يوم الامتحان ، يكرم المرء ، أو يهان .. هذه حقيقة لا مراء فيها ، و أقرب المهن في الحياة لمجال التربية و التعليم ، في إعتقادي المتواضع هي المجال الزراعي ، فرحلة المحصول ، و رحلة المرحلة التعليمية في تقارب زماني ملحوظ ؛ و لذا ، فالإمتحان و الحصاد وجهان لعملة واحدة . . فتجد مثلث : الدولة ، المزارع ، المحصول الزراعي ، في مجال الزراعة . بينما تجد مثلث : المنهج ، الأستاذ/ة ، التلميذ/ة في مجال التربية و التعليم . لكل منا عدد معتبر من القصص و الحكايات المرتبطة بالامتحان في مسيرته التعليمية ، فمن تلك المحفورة في ذاكرتي ، ما حدث في إمتحان مادة العلوم في الصف السادس الابتدائي في العام ١٩٩٣م ، فقد أعطانا أستاذ مادة العلوم السيد : إسماعيل مالك عبد الهادي ؛ مدير مدرستنا : وادي سيدنا الإبتدائية ، الكائنة في داخل الكلية الحربية السودانية ؛ و التي كانت في السابق مدرسة وادي سيدنا الثانوية القومية النموذجية إدبان وجود الإنجليز في سدة الحكم في السودان.. أعطانا الأستاذ نبذة عن المواد العضوية في درس ، و أخرى عن إرتياد الفضاء من قبل البشر في درس آخر ، و وعدنا بعدم إدراج هذين الموضوعين في إمتحان الفترة الأولى الذي كان قد إقترب أوانه ، و سيادة المدير كان هو المتخصص في مادة العلوم في المدرسة ، و منذ بداية هذه المادة في الصف الرابع الابتدائي ، لم يسبق لي أن أحرزت فيها الدرجة الكاملة ، فعقدت العزم على إحراز الدرجة الكاملة في هذه المادة في الامتحان القادم ، مرت الأيام ، و دخلت إمتحان مادة العلوم ، قلبت صفحات الامتحان لاعرف نوعية الأسئلة و أهميتها في آن واحد ، و فوجئت بأن السؤال الخامس و السادس عن المواد العضوية ؟! لقد نسي أو تناسى سيادة المدير المحترم وعده !؟ و دخلت في تحدي مع نفسي ، ما العمل الان مع عزمي السابق ؟ هل أستسلم بحجة عدم إيفاء أستاذ المادة بوعده ؟ و لكن قررت مواصلة التحدي و الرجوع بالذاكرة إلى أوان الدروس ، و فعلا رجعت بالذاكرة إلى أوان الحصتين ، و جاوبت وفقا لمخزون ذاكرتي ، و بعد الإمتحان مباشرة ، ذهبت لكتاب المادة لأتأكد من صحة الإجابات ، و كانت المفاجأة السعيدة أن الإجابات كانت كلها صحيحة ، و عندما ظهرت النتائج ، وجدت ٦٠/٦٠ في مادة العلوم . في بداية الألفية الثالثة ، و نحن في السنة الثانية في كلية العلوم الرياضية في جامعة الخرطوم ، عانينا كدفعة من قسم الرياضيات التطبيقية ، فقد كانت المسائل الرياضية في القسم تمتاز بالطول الشديد و الصعوبة معا ، بحيث تستهلك زمن الطالب ، فيخرج من الامتحان دون إكمال الأسئلة بسبب ضيق الوقت ، فوعدنا البروفيسور بمعالجة الأمر ، لكنه نبهنا لأمر في غاية الأهمية ، و هي عدم فقداننا الثقة في أنفسنا ، مهما كانت صعوبة الامتحان ، فقال لنا : ( مستواكم العقلي متقارب ، فأقل نسبة دخلتم بها كليتنا هذه كانت : ٨٣.١% ، فلا تنسوا هذا الأمر ) . و البروفيسور الطاهر أحمد العاقب ، علم من أعلام مادة الرياضيات ، وجدنا إسمه في كتب الرياضيات في المراحل التعليمية المختلفة في السودان ، و تشرفنا بالتتلمذ على يديه في كلية العلوم الرياضية جامعة الخرطوم ، رجل في غاية التهذيب و التواضع ، ربنا يجعل قبره روضة من رياض الجنة . في يوم ٤/١٢/٢٠٢٣ ، بدأت إمتحانات الشهادة الثانوية لدولة جنوب السودان ، و الذي يشتغل بنظام السلم التعليمي ، ثمانية أعوام للمرحلة الأساسية ، و أربعة للمرحلة الثانوية ، و قد إشتكى الطلاب و الطالبات هذه المرة من صعوبة الامتحانات ، و منذ معرفتي بهذا المنهج الثانوي ، لمست فيه عددا من العيوب ، تحول دون التحصيل الجيد للطلاب و للطالبات ، و أكبر هذه العيوب العدد الضخم للمواد المقررة في إمتحان الشهادة الثانوية ، فعدد المواد المقررة للطالب/ة في الصفين الأول و الثاني ما مجموعه ٢٦ مادة ، و للطالب/ة في الصفين الثالث و الرابع ما مجموعه ١٦ مادة ، جملة هذه المواد قرابة ٤٢ مادة ، و الطالب/ة مسئؤول عنها جميعا في إمتحان الشهادة الثانوية ؟! .. صحيح أن قدرات العقل البشري كبيرة ، و لكن يوجد حيز لمشاكل الحياة ، لا تقل مساحة عن حيز مساحة التربية و التعليم ، و الطالب/ة يواجه الاثنين بنفس الجهاز أي العقل ؛ لذا كان ترشيد الحيز التعليمي من الأشياء الضرورية في حياتنا ، لذا أقترح كمعالجة لهذه المعضلة ، أن تخصص الوزارة أبواب معينة في كل عام دراسي من الفصول الدنيا ( الاول ، الثاني ، الثالث) ، رفقة مقرر الصف الرابع ، يركز فيها الطالب جهده ، و يمكن تغيير هذه الأبواب كل سنة ، و بذا يمكن معالجة تشتيت جهد الطالب في عدد هائل من المقررات ، فيخرج من العملية التعليمية من غير فائدة أكيدة و ملموسة . [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة