نعم للتدخل الدولي ووصاية الأمم المتحدة كخيار لا بد منه (1/2) (2/2) كتبه جمال عبد الرحيم صالح

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-01-2024, 04:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-08-2023, 01:42 AM

جمال عبد الرحيم صالح
<aجمال عبد الرحيم صالح
تاريخ التسجيل: 12-08-2023
مجموع المشاركات: 1

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نعم للتدخل الدولي ووصاية الأمم المتحدة كخيار لا بد منه (1/2) (2/2) كتبه جمال عبد الرحيم صالح

    00:42 AM December, 07 2023

    سودانيز اون لاين
    جمال عبد الرحيم صالح-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر



    نعم للتدخل الدولي ووصاية الأمم المتحدة كخيار لا بد منه (1/2)


    قدم البروفيسور مهدي أمين التوم طرحاً منشوراً بالوسائط الإعلامية والتواصلية المختلفة بتاريخ 15 نوفمبر 2023، تحت عنوان “مشروع مُقتَرَح لِسُودَان بُكْرَة: وصاية دولية آنية، تقود إلى فيدرالية تكاملية مستقبلية”، فحواه أن الأوضاع بالبلاد في حالة من التدهور والهشاشة في كل جوانب حياتها بما يستدعي أن نسلم أمرنا طوعاً وباختيارنا لوصاية دولية تقودها الأمم المتحدة بغرض وضع السودان في مسار ينقذه من احتمالات التلاشي المحتملة، وذلك عبر تأسيس جهاز دولة حديث يسمح للبلاد بالتطور والتقدم إلى الأمام.
    ورأي البروفيسور التوم هذا ليس جديداً، كما أن تأييدنا ومناداتنا بذات الدعوة ليس جديداً أيضاً، بيد أن هذه الدعوات تكتسب وجاهة ومنطقية أكثر ونحن نضع في اعتبارنا الوضع الراهن، الذي لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين أن يصل إلى هذا المستوى من الانفلات الذي يُعجِز حكماء هذه البلاد، على قلة هؤلاء الحكماء، من كبح جماحه، وما يقود إليه من مصير مظلم بشكل متسارع.
    من جانبي أؤيد هذا الطرح لأسباب جوهرية، سأوضحها لاحقاً، ولا أظن أنها تقبل النفي أو الإنكار أو المغالطة لكل صاحب عقل سوي ووجدان متسق. سيركز الجزء الأول من مقالتي على واقع الحال بالبلاد باعتباره يوفر المعطيات اللازمة لدراسة الخيارات المطروحة وتحديد ما هو ملائم منها، على أن  يتناول الجزء الثاني من المقالة، تحليل توازنات القوى الفاعلة في الساحة، والحلول المطروحة حالياً، ثم نتناول من بعد ذلك حيثيات مقترحنا الذي يركز على وجوبية التدخل الدولي بالشكل الذي طرحه البروفيسور مهدي أمين التوم في مقالته المشار إليها.
    مدخل:
    يثبت التاريخ بخلو كامل بلادنا، وحتى آخر يوم في دولة المهدية، خلوها من أي مؤسسة تعليمية أو صحية أو طبية حتى وإن كانت صغيرة الشأن. كما يثبت بان كل حصيلتها من المرافق العامة لم  يكن يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، حيث انحصرت في مسجد أمدرمان الكبير (القائم في العراء حتى اليوم)، وسجن السائر، وبيت المال، وبيت الأمانة، وكلها عبارة عن حيطان خارجية بائسة ومباني داخلية مبنية من الطين وجذوع وفروع الأشجار. بذات القدر، يثبت ذات التاريخ، أن المستعمر البريطاني أنشأ للبلاد جهاز دولة كفء ذو فعالية ممتازة بمعايير تلك الفترة التاريخية، وشيد مشاريع كبرى تغطي معظم جوانب الحياة، في قطاعات الزراعة والتعليم والصحة والنقل والطاقة والجيش والشرطة وغيرها.
    غض النظر عن رأينا في الاستعمار ومشروعيته ودوافعه وأهدافه، سقنا المقارنة السابقة لنسأل سؤالاً مباشراً، سنحتاج للإجابة عليه لاحقاً في مقالتنا هذه: هل كان محتملاً أن يؤدي التطور الباطني للدولة المهدية بخصائصها وطبيعتها المعروفة، وعلى سبيل المثال، إلى قيام مؤسسة تعليمية حديثة، وميناء عصري، وشبكة سكة حديد تربط ذلك الميناء بمدينة الأبيض وغيرها من المدن الرئيسية في خلال أقل من 10 سنوات؟ هل كان محتملاً إنشاء كلية حربية عصرية، وخزان على النيل الهائج لري 2 مليون فدان وتوليد كهرباء لتغطية المناطق الحضرية، وذلك في خلال عقدين من الزمان تقريباً؟ نستنتج من ذلك أن ليس كل مكروه في مبتدئه هو قبيح في منتهاه.
     في وصف الحال
     الحقائق على الأرض، أنه وبعد أكثر من خمسة وستين عاماً من الاستقلال، تعاني البلاد من أوضاع غاية في البدائية والتخلف بمعايير عالم اليوم، مع الوضع في الاعتبار أن سنوات حكم الإنقاذ الأربعة وثلاثون شهدت الشطر الأعظم، وبما لا تجوز مقارنته مع العهود الأخرى، من الانهيارات والتفككات التي أدت لذلك الوضع. غض النظر عن مسئولية هذا أو ذاك، لكن الواقع يقول أن السودانيين فشلوا تماماً في بناء دولتهم في أهم الجوانب: الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية والأمنية والعدلية.
    يكفي دلالة على هذا الفشل، أن جهاز الدولة الذي تركه لنا الاستعمار يوم 31/12/1955 كان في مستوىً واحد، هذا إن لم يكن في حالٍ أفضل، مما تركه في ماليزيا التي استقلت عنه في نفس الفترة تقريباً. إلا أن الواقع اليوم يقول بأن دخل الفرد من الناتج الإجمالي لماليزيا لعام 2022 قارب الـ 12 ألف دولار في العام، مقابل 1,100 دولار للفرد بالسودان وذلك وفقاً لإحصائيات البنك الدولي، مع العلم بأن حظ ماليزيا من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، عند بداية الحكم الوطني بها، كانت أعمق من تلك التي ورثناها نحن عن الاستعمار البريطاني. بمعنى آخر، فإن أوضاعنا كانت أفضل منهم.
    ملخص لوضع الحياة الراهن ببلادنا:
    لقد مثلت فترة حكم الاسلامويين المأساة الأعظم منذ الاستقلال، حيث أجهزت على ما تبقى من مهنية وانضباط واحترافية في الفضاءين، المدني والعسكري. في الواقع، لم تكتف الإنقاذ بالقضاء على تلك المزايا فحسب، بل زرعت شخوصاً ومؤسسات ومناهج وأفكار أفسدت ذينك الفضاءين بشكل كامل. كما مضت أبعد من ذلك عندما خلقت جهاز استخبارات مسيس تماماً، لا يكتفي بواجب حمايتها فحسب، بل جعلت له اليد الطولى في إدارة الخدمة المدنية، بما فيها القضاء، وذلك  عن طريق إصدار القرارات من وراء ستار، أو عبر الآلاف من منسوبيه المزروعين في مفاصل تلك الخدمة المدنية.  يمكننا تلخيص واقع الحال في الجانب المدني في الآتي:
    * نظام تعليمي ضعيف من جميع النواحي. مقررات بالية ومؤدلجة، مدارس عامة تفتقر لأبسط المقومات، من حيث الاجلاس و المناشط والمرافق الصحية، لدرجة أن العملية التربوية والتعليمية، في كثير من أنحاء البلاد تتم في العراء، والتلاميذ جلوساً على الأرض، تحت ظلال الأشجار. أما المدارس الخاصة، والتي باتت تضم نسبة عالية من الطلاب، نسبة لعدم رضاء ذويهم عن مستوى المدارس الحكومية، فغالبيتها العظمى عبارة عن منازل وشقق مستأجرة، بكل ما يتمخض عن ذلك من ضعف في العملية التربوية والتعليمية.
    * مستشفيات عامة تفتقر للمقومات التي تمكنها من أداء دورها، ويعاني أطباؤها انعدام المعينات اللازمة، وتخلو مخازنها من أهم مطلوبات العلاج كما يقف دليلاً على الضعف المهني للقيادات في هذا القطاع، درجة تحول قضايا مهنية وعلمية لا تحتمل الجدل، لتصبح باباً للسجال في الصحف، كقضية المحاليل الوريدية الهندية، والدواء الإماراتي، وغيرها كثير.
    * مناطق صناعية شبه منهارة نتيجة لعدم توفر الكهرباء اللازمة لتحريك عجلة الإنتاج، والصعوبات التي تواجهها المصانع في توفير المواد الخام، إضافة لجبايات الدولة. يقف شاهداً على ذلك، توقف الأغلبية الساحقة من مصانع النسيج والجلود التي كانت بمثابة مدن تستوعب عشرات الألوف من العمال والمهندسين، بل منها ما تم التخلص من معداته، الباهظة التكلفة، عبر بيعه كخردة لمصانع معالجة الحديد.
    * تدهور الإنتاج الزراعي الذي يشهد عليه ما آل إليه مصير مشروع الجزيرة ومشروع سندس الزراعي، وتبديد مئات الملايين من الدولارات في مبادرات وهمية كالنفرة الزراعية والنهضة الزراعية.
    * سياسة خارجية مبنية على أمزجة و مصالح الحكام الآنية أكثر من ارتباطها باستراتيجية شاملة للدولة، ويقف على تنفيذها جهاز دبلوماسي فاقد للكفاءة حتى في مقدرات دبلوماسييه اللغوية، يشهد على ذلك ما تم تداوله في وسائط الإعلام والتواصل الاجتماعي من نماذج مدهشة في ذلك الصدد.
    * مؤسسات عدلية فاقدة للكفاءة والنزاهة والأهلية في جميع مفاصلها.
    * طرق داخلية بالمدن وبين الولايات بعيدة بالكامل، من سوئها، عن أن تصنف تحت أي معيار هندسي، وفوق ذلك تكتظ بأكثر أشكال الانتقال بؤساً، حيث يكاد لا يخلو شارع رئيسي بعاصمة البلاد من العربات التي تجرها الدواب.
    * شبكة سكة حديد معطوبة بالكامل تقريباً، وخارج الخدمة في مجموعها، رغم إهدار مئات الملايين من الدولارات لـ “تحديثها”! و ناقل جوي وطني اندثرت معالمه، ومطارات غاية في البؤس.
    * عاصمة، ومدن، وقرى تفتقد بلا استثناء لأي خدمات صرف صحي وتصريف لمياه الأمطار.
    * أزمة طاقة كهربائية، تعاني منها المدن والأرياف، رغم انفاق مليارات الدولارات على سدود ومحطات توليد حراري كان من المفترض أن تحل أزمة الطاقة الكهربائية.
    * أزمات دائمة في توفير مياه الشرب النظيفة بالمدن، دعك عن الأرياف.
    * أسواق عامة تفتقد لعناصر التنظيم والنظافة وتتراكم النفايات في أرجائها. منافذ بيع مظللة ببقايا الجوالات الممزقة، ومعظم الباعة بها جعلوا من العراء مقراً لهم، بل أن أسواق الماشية الرئيسية انتقلت لجنبات الشوارع الرئيسية في قلب عاصمة البلاد.
    * اضمحلال قطاع السياحة حيث تم تخريب ما كان موجوداً من قبل، كمحمية الدندر الطبيعية، وشواطئ البحر الأحمر الجاذبة، بل شمل ذلك حتى المتحف القومي، الذي انقطع الزوار عنه لما أصابه من بؤس.
    * فساد شامل واستهتار بمقدرات البلاد يقف شاهداً واضحاً عليه ضياع 200 مليون دولار أمريكي على محطة كهرباء الفولة، التي لا تزال معداتها ملقاة في العراء رغم مرور أكثر من 10 سنوات من وصولها.
    ذلك ما كان من أمر الخدمة المدنية، أما في جانب الخدمة العسكرية فيمكننا تلخيص المأساة في التالي:
    *  تعدد غير مسبوق في الكيانات العسكرية وشبه العسكرية. أمثلة عليها:
    – جيش نظامي تسيِّره عقيدة عسكرية مشوهة، فاقداً للانضباط المطلوب، وفقير الالتزام بالعمل المؤسسي والأعراف والممارسات المعروفة عالمياً. لقد سجل هذا الجيش فشلاً ذريعاً في التمسك بالمسئوليات والواجبات والمعايير المناط بأي جيش العمل وفقها، والتمسك بها، مثل الولاء للدولة والوطن وليس لتنظيم من أي نوع سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو دينياً أو غيره، واحتكار السلاح، والخضوع للحكومة المدنية، والالتزام الكامل بالتراتبية ووحدة القيادة، وما إلى ذلك.
    – قوة موازية ونظيرة للجيش تحت مسمى “الدعم السريع” تدين بالولاء لعائلة واحدة ومتحررة من قيود الجيوش النظامية، وأفردت لها موارد بالغة الضخامة.
    – قوة أخرى موازية أيضاً للجيش تحت مسمى “قوات الدفاع الشعبي” تأتمر بأوامر قادة سياسيين ليسوا جزئاً من مكونات الدولة من الأساس.
    – تشكيلات عسكرية أخرى مجهولة القيادة والتكوين والتسلسل الهرمي (نموذجاً لها كتيبة البرَّاء والأمن الشعبي).
    – جهاز أمن واستخبارات موالي بشكل كامل لتنظيم سياسي، ذو صلاحيات مطلقة تسمح له بالتأثير حتى على الجيش النظامي، كما أنه يمتلك قوة ضاربة، تحت مسمى هيئة العمليات، موازية للجيوش الأخرى وغير مؤتمر بأمرها.
    – قوى مسلحة أخرى تتبع لقيادات جهوية وقبلية أخرى.
    – جهاز شرطة ضعيف مهنياً وفاقداً للكفاءة في أداء دوره، ليس له دور يذكر في تحقيق الأمان للمواطن الذي أصبح لا يحس بوجوده سوى في دفع غرامات المرور واستخراج أوراقه الثبوتية. وصل بؤسه مستوى أن يغض الطرف عن جرائم تهريب حاويات مخدرات عبر الميناء الرسمي للبلاد، وكشفها بواسطة سلطات الجمارك. إضافة لذلك، غذى حكم الإنقاذ المشؤوم ثقافة القهر للمواطن، حيث شاهد العالم صوتاً وصورة مدى العنف الذي مارسته الشرطة في قمع المتظاهرين السلميين، ومدى الاستخفاف بأبسط قواعد المهنة وأخلاقياتها (نموذجاً ساطعاً لذلك كذبة قائد الشرطة بولاية كسلا في تحديد سبب وفاة الشهيد الأستاذ أحمد الخير). في الواقع فإن للضعف المهني لقوات الشرطة تاريخ أبعد عن حكم الإسلاميين، وهو ضعف نجد شواهده في تعاملها وإدارتها لأحداث مارس 1954، وحادثة عنبر جودة مطلع 1956، وفى حوادث المولد النبوي  بأمدرمان عام 1961.
    * على الرغم من تعددها وتكاثرها، واستنزافها لثمانين بالمائة من موازنة البلاد، تفتقد كل تلك التكوينات للمهنية والاحترافية، وتم تربيتها على العداء الشديد لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الوطنية العامة. لقد شهد العالم بأسره كيف تبارت هذه الكيانات في قتل وتهجير مئات الألوف من المدنيين في بقاع السودان كافة، وكيف تنافست  في قمع المحتجين المسالمين، قتلاً وسحلاً واغتصاباً، في العاصمة والأرياف، وكيف تبارت في الكذب ونقصان المروءة وفقدان الخلق القويم.
    * رغم صحة بعض المزاعم عن مسئولية بعض القوى السياسية في إفساد العقيدة العسكرية للجيش النظامي عبر تنظيمها للانقلابات من خلاله، إلا أن واقع الحال يشير لخلل بنيوي في ثقافة وعقيدة هذه المؤسسة العسكرية النظامية. يؤكد هذا الخلل البنيوي، وينسف مزاعم أن تصرفات الجيش تلك إنما كانت استجابة لطلبات التدخل من قِبَل السياسيين، أن تاريخ المؤسسة العسكرية كان حافلاً بمحاولات انقلابية بدأت بعد الاستقلال مباشرة ولا يد واضحة للسياسيين فيها، كمحاولة انقلاب الصاغ عبد الرحمن كبيدة في يونيو 1957. كما أن الزعم ببراءة عسكريي انقلاب الجنرال عبود في نوفمبر 1958 باعتبار أنهم استلموا الحكم تلبية لطلب من رئيس الوزراء آنذاك، يدحضه رفضهم التام لطلب إعادة السلطة للمدنيين من ذات الجهة التي دفعتهم للانقلاب!  إضافة لذلك، فإن هناك الكثير من الانقلابات ومحاولات الانقلاب تولى أمرها ضباط مغامرون مدفوعين بأجندتهم الخاصة، ولم يرد بها ما يمكن نسبته لأحزاب سياسية بعينها. بل أن أهم دليل على ما نقول، انقلاب البرهان بتاريخ 25/10/2021 الذي كان مدفوعاً بطموحات قادة الجيش، وزعمهم الذي لم يخفوه بوصايتهم على البلاد، ورغبتهم في الاحتذاء بتجربة الجارة مصر. لا يغير من هذه الحقيقة ما وجدوه من تأييد من قبل الاسلامويين، حيث لم يكن الأمر يعدو أن يكون زواج مصلحة مؤقت. وفي الواقع، وكنفي لزعم أن المدنيين هم الذين يحرضون الجيش على الانقلاب، فإن قائد الجيش، البرهان ورفاقه، هم الذين دفعوا قوى مدنية بعينها (إغلاق الشرق واعتصام الموز نموذجاً) لخلق تعقيدات في المناخ السياسي تبرر خطوتهم الانقلابية، وليس العكس.
    * لقد بلغ مستوى التردي المهني حد أن يخلي الجيش الرسمي معسكراته لجيش آخر متطلع للسيطرة، وتفشل استخباراته وقياداته في التنبؤ بما كان معروفاً لدى رجل الشارع العادي عن طموحات قائده التي لم يتردد في الإعلان عنها بمختلف الوسائل، وعن التمدد الهائل لذلك الجيش، كماً ونوعاً.
    * لقد بات واضحاً من خلال نتائج الحرب الضروس القائمة الآن، والتي تشير لتقدم الدعم السريع عسكرياً، أن المؤسسة الأمنية بأكملها في حالة انهيار وأنها أبعد ما يكون عن تطبيق الحد الأدنى من وظائفها.  وأنها تحتاج لإعادة بناء بالكامل.



    نعم للتدخل الدولي ووصاية الأمم المتحدة كخيار لابد منه (2/2)

    جمال عبد الرحيم صالح
    لقد كرسنا الجزء الأول من مقالتنا هذه لوصف حال بلادنا في الشقين المدني والعسكري، باعتباره يمثل الخلفية التي يمكن على ضوء ما بها من حقائق تحديد الخيار الأنسب للخروج ببلادنا من محنتها الكارثية. سنتولى في هذا الجزء من المقالة تحليل وضع القوى الفاعلة على الأرض، ثم نستعرض الحلول المطروحة الآن وأسباب قصورها، ومن بعد ذلك نتناول رأينا في حتمية التدخل الدولي لحل الأزمة السودانية، ثم نعرج لتفصيل التحفظات المتوقعة على المقترح، وأخيراً نستعرض ردنا على تلك التحفظات المتوقعة.
    أولاً - وضع القوى الفاعلة على الأرض:
    *قوى الثورة (ونعني بها قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة): تمثل القوة التي لها مشروعية في قيادة الفترة الانتقالية وبناء جهاز الدولة من جديد. لقد فعلت قوى الحرية والتغيير حسناً بابتدارها الورش المتخصصة التي انعقدت قبل قيام الحرب، والتي من خلالها قيَّمَت أداءها وأداء حكومتها أثناء الفترة الانتقالية. يُشهَد لها بالرصانة والجدية في قيادتها للحراك السياسي الذي قاد للاتفاق الإطاري المُجهَض، كما يُحمد لها حراكها السياسي بعد الحرب الذي نجح في توسيع قاعدة قوى الانتقال الديمقراطي، إضافة لنشاطها في الجبهة الخارجية عبر التواصل مع القوى الإقليمية والدولية. ربما يمكن أن يكون النقد الأساسي الموجه لها يتمثل في انعدام أي نشاط مؤثر في الشارع، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظروف استقطاب عسكري حاد وخطير للغاية، إضافة للنزوح الواسع النطاق الذي تصعب معه قيادة حراك في الشارع.
    *قوى التغيير الجذري: لا خلاف في أنها إحدى الفصائل التي صنعت الثورة، بيد أنها تريد المضي بها إلى ابعد من طاقتها، وأبعد من أهداف قوى الثورة الأخرى، التي تتمركز حول إعادة بناء أجهزة الحكم نفسها، قبل التفكير في مسار التطور الاقتصادي الاجتماعي المستقبلي. في تقديرنا أن ما تطرحه من رؤية بعيد عن مزاج الشارع وأكبر من قدراته الحالية، وخير لها وللثورة أن تضع يدها في أيدي قوى الثورة الأخرى، التي تطرقنا لها أعلاه.
    *قوى اتفاق جوبا: لا تملك وزناً عسكرياً أو سياسياً يسمح لها بالتأثير في مجريات الأحداث. يمكن اعتبارها قوة مساندة للقوى المتحركة الأخرى أكثر من كونها قوة أساسية. وفي الواقع، نرى أن على قوى التغيير إعادة النظر في اتفاق جوبا بما يتناسب مع الوزن والنفوذ الحقيقيين لهذه القوى. الأهم من ذلك، فإن الاتفاق نفسه فقد مشروعيته حيث انهار مع انهيار الوثيقة الدستورية نفسها، تلك التي استند عليها، كما أن الحركات الموقعة نفسها شاركت بفعالية غير مخفية في التحضير لانقلاب البرهان الذي أغلق المسارات السياسية التي كانت فاعلة حينها.
    *الحركة الإسلامية (المؤتمر الوطني): تمثل الكتلة الرئيسية في معارضة التغيير. عداءها لكل القوى الأخرى (بمن في ذلك حلفاءها المؤقتين الحاليين من قادة الجيش) عداء جذري ولا يوجد أدنى احتمال في أن تركن للسلم وتترك البلاد تتطور في حالها، حيث أن بنيانها السياسي والتنظيمي يقوم على الانفراد المطلق بالحكم. لا تملك هذه الحركة رؤية أو استراتيجية للخروج بالبلاد من نفقها المظلم، كما تفتقد للحد الأدنى من العقل والأخلاق. عموماً ليس لديها سقوف عليا أو خطوط حمراء يمكن أن تعيقها عن الجلوس على دست الحكم المنشود.
    *البرهان وقيادات جيشه: ليس لديهم رغبة في التنازل عن السلطة وترك خيار الدولة المدنية يسلك مساره الطبيعي. يفتقدون للحد الأدنى من المهنية والوطنية، ويتسمون بقدر غير مسبوق في الكذب والمراوغة ونقض العهود، كما يفتقدون للحد الأدنى من المصداقية الذي يسمح بتنازلهم عن السلطة لحكومة مدنية. يكفي دلالة على انعدام كفاءتهم ومهنيتهم سماحهم لقوات الدعم السريع بالتمدد أفقياً ورأسياً لدرجة أن تنتصر مليشيا عائلية على جيش يقوده خريجو مؤسسة عسكرية عمرها يزيد عن المائة عام؛ ويكفي افتقادهم للمصداقية تجاوزات البرهان الكثيفة لدوره المحدد في وثيقة دستورية شهد عليها العالم أجمع، منها على سبيل المثال اجتماعه مع الرئيس الإسرائيلي للاتفاق على مسائل ليست من مهام الفترة الانتقالية أصلاً، وليس آخرها انقلابه المشؤوم تفادياً لتصعيد أحد الأعضاء المدنيين بمجلس السيادة ليكون رئيساً وفقاً لما نصت عليه الوثيقة الدستورية.
    *الدعم السريع: نشأ الدعم السريع كتنظيم ارتزاقي ليس له عقيدة عسكرية أو سياسية وطنية، ولم تمثل مشكلة المواطن السوداني، جزءاً من همومه وأهدافه، بل لم يمثل حتى جناحاً عسكرياً لقبيلة دع عنك أن يكون معبراً عن وطن بأكمله. معلوم للجميع مسئوليته المباشرة عن قتل واغتصاب آلاف السودانيين والسودانيات، سواء في دارفور، أو العاصمة نفسها، كما أنه مسئول بشكل مباشر عن انتهاكات حديثة واسعة النطاق من ضمنها الاستيلاء على بيوت المواطنين وسلب ممتلكاتهم بالعاصمة، وأعمال قتل وترويع، ذات طابع عرقي، واسعة النطاق أيضاً بدارفور. اكتسب التنظيم قوته، إضافة لما وفرته له الدولة من سلاح، اكتسب قوته من تجيير موارد البلاد لتصبح في أيدي أفراد أسرة واحدة، بدون اعتبار للشعب. اتسم سلوكه السياسي بعد ثورة ديسمبر بالتكالب المحموم للاستيلاء على منظومة الحكم. وفي هذا تم إرشاء آلاف القادة القبليين والروحيين ليشكلوا له حاضنة اجتماعية، مدفوعة الثمن، تمكنه من يسط سيطرته على الدولة حتى في ظل نظام ديمقراطي تعددي.
    لقد شهدت الفترة قبيل الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر 2022 تغييراً مفاجئاً في الخطاب السياسي للدعم السريع (ولا أقول الخط السياسي لعدم وجود ما يؤكد تحول ذلك الخطاب إلى سياسة أصيلة)، بشكل يبدو عليه التماهي والتعاطف مع شعارات الثورة وقوى التغيير ورؤيتها وقبول أطروحاتها حتى في تحديد مصير الدعم السريع نفسه، تلك القائمة على دمجه بالجيش النظامي وولاية وزارة المالية على المنشآت الاقتصادية للمؤسسات العسكرية؛ هذا إضافة إلى نقده الذاتي العلني فيما يخص موقفه من انقلاب 25 أكتوبر. يلاحظ المراقب السياسي أيضاً، تلك المثابرة في ترديد مستشاروه السياسيين وقياداتهم الميدانية بأن هدف جيشهم يتمثل في بناء دولة سودانية جديدة قائمة على الديمقراطية والدولة المدنية، وهو أمر رددته قيادتهم العسكرية كثيراً أيضاً، مثالاً عليه خطاب قائد ثاني الدعم السريع عند استلام قيادة الفرقة 20 بالضعين، وتكراره بأن هدفهم إنشاء دولة مدنية.
    من الصعب تصور أن هذا التحول الجريء في الخطاب السياسي للدعم السريع جاء نتاجاً لتطور طبيعي في داخله، لذلك نميل إلى ترجيح فرضية أن طبيعة صراعه مع التنظيم الإسلاموي والبرهان وجماعته، أملت عليه التماهي مع شعارات الثورة باعتبار أنها التيار الأقوى والأقدر على تحقيق الانتصار السياسي على خصوم الدعم السريع من الاسلامويين وقادة الجيش، وأيضاً باعتبار الاحترام والاعتبار الذي يكنه المجتمع الدولي لقوى الثورة؛ هذا إضافة إلى ثقته العالية في انتصاره في الحرب القائمة بشكل يسمح له بتحديد شكل ومهام الحكومة المدنية المحتملة.
    لا بد أن نضع في الاعتبار، لتجنب الغفلة التي أودت ببلادنا لهذا القاع السحيق، أن الدعم السريع استثمر كثيراً في "تمدين" هيئته وشعاراته بمواظبة واهتمام بالغين، من خلال الاستعانة بعدد مقدر من المستشارين المدنيين الذين يتمتعون بمقدرات سياسية ومهنية معقولة، وأيضاً من خلال كسب ود القادة الاجتماعيين والروحيين خاصة بغرب البلاد. في تقديرنا أن عملية "التمدين" التي أشرنا إليها، يأتي في إطار تمكينه من السير في فكرة الدولة المدنية الديمقراطية التي تبناها مؤخراً من خلال هؤلاء المدنيين، سواء بالانفراد بالسلطة، أو عبر التحالف مع قوى مدنية أخرى، شريطة أن تكون له اليد العليا، التي سيفرضها من خلال انتصاره العسكري المُحتَمَل.
    لكن، وبشكل عام، ورغم رأينا في الدعم السريع، ينبغي الاعتراف إلى أنه يتفوق كثيراً على خصومه من الإسلاميين والجيش، من ناحية المصداقية ووضوح الخطاب، إذ أنه، وعلى الأقل، كان أكثر مبدئية في تعامله مع الاتفاق الإطاري. وبالطبع، عندما نقول أنه يتفوق على خصومه في المصداقية، فإننا نقصد أن الفرق بينهما فرق درجة وليس نوع، حيث أن ذات الدعم السريع الذي يدعي تماهيه مع قيم الديمقراطية ومناداته بالدولة المدنية، هو ذاته الذي أكدت جهات دولية ذات مصداقية لا يتطرق إليها الشك مسئوليته عن مجازر بشعة ارتكبتها مجموعاته بالجنينة وغيرها قبل أسابيع قليلة.
    ثانياً - الحلول المطروحة وأسباب قصورها:
    توجد حالياً آلية واحدة فاعلة في معالجة الأزمة السودانية بعد إنهاء تكليف بعثة اليونامتس، وهي منبر جدة، الذي بنيت فكرته الأساسية على قاعدة أن الحل يجب أن يكون سودانياً، وأن دور القوى الإقليمية والدولية المشاركة به لا يتعد دور المُسهل أو المُيسر، وأن غايته الأساسية لا تتجاوز الوصول لهُدَن يقف بموجبها العمل العسكري للجانبين وذلك لأجل توصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين، ومن ثمَّ الوصول لوقف دائم لإطلاق النار، تعقبها مفاوضات بمشاركة المدنيين في اتجاه الوصول لاتفاق سياسي تنشأ بموجبه حكومة مدنية. ومنذ مطلع مايو المنصرم وحتى هذه اللحظة، لم ينجح المنبر إلا في تحقيق هدن قصيرة للغاية في أيامه الأولى، لا نعتقد أنها أدت دورها المنشود.
    في تقديرنا أن هذا المنبر بالفرضيات التي بني عليها حتى الآن، والتي تفتقر حتى لوجود أظافر يمكن من خلالها التأثير على الأطراف المتحاربة، لن يوقف الحرب ويجلب السلام والاستقرار للبلاد عبر التفاوض، دعك عن أن يأتي بحل سياسي يضمن أولاً عدم تفتت الدولة، ثم تالياً إصلاح جهاز الدولة المدمر بالكامل. تحفظنا هذا ناتج عن جملة أسباب:
    *القيادة الحالية للجيش فاقدة للمصداقية والموثوقية في أقوالها وأفعالها، وغير مهتمة أساساً بآلام مواطنيها ومصلحتهم. إضافة لذلك تفتقد للحس الوطني والشجاعة اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة. لقد أدرك العالم جميعه تقريباً هذه الحقيقة مما جعل حتى قادة الدول الصديقة لهم يبحثون عن حلول أخرى متجاوزة لهم.
    *طموحات الدعم السريع في إضفاء سيطرته العسكرية الكاملة واضحة للعيان، كما أن طموحاته السياسية في الهيمنة وتحديد مسار تطور البلاد لا يمكن إخفاءها مهما تحدث قادته بغير ذلك.
    *أحد الأطراف الرئيسية في الصراع القائم، وهم الإسلامويون أصحاب النفوذ القوي في الجيش، ليس لديهم استعداد مطلقاً لإيقاف الحرب، لأن ذلك يعني ببساطة فقدانهم للحكم، وهو امر غير وارد لديهم، وهو ما أثبتته تجربة 34 عاماً من وجودهم في السلطة. وحتى بافتراض توقف الحرب، فإنه من غير الوارد ضمان توقف محاولاتهم عن إفشال الانتقال المنشود وإصلاح حال الدولة.
    *إن انتصار أحد القطبين المتقاتلين، سيجعل من الاستحالة إبعاده عن التأثير القوي على مآلات العملية السياسية وما ستفضي إليه، وإلا سنكون من الحالمين! وفقاً لهذا، ستكون الحكومة المدنية المفترض قيامها كناتج للتفاوض في إطار هذا المنبر، أضعف من أن تحقق أهداف الثورة المعلومة، حيث ببساطة يستحيل لحكومة مدنية ليس لها سلطان عسكري، خاصة في السياق السوداني المعروف، أن تنجز تحولاً جذرياً في جهاز الدولة، وبالذات في هيكلة الجناح العسكري له.
    ثالثاً - حتمية التدخل الدولي لحل الأزمة السودانية:
    استناداً على مجموع الحقائق والملاحظات التي تطرقنا لها أعلاه، وتجذُّر الفشل في بلادنا منذ الاستقلال، لا نرى بديلاً منطقياً لحل المسألة السودانية إلا بتدخل دولي سياسي وعسكري قوي، ويفضل تحت مظلة الأمم المتحدة، يمكن أن يأخذ صفة الوصاية أو غيرها من الآليات، فنحن يهمنا الجوهر أكثر من المظهر هنا. لقد استفاض مقترح بروفيسور مهدي حسن التوم الذي أشرنا إليه أعلاه في توضيح مهمة هذا التدخل وأهدافه وفترته الزمنية، حيث يمكن الرجوع للمقال في هذا. لكن يهمنا أن نبرز باختصار أهم القضايا العاجلة في التالي:
    *إيقاف الحرب، بالقوة إن لزم ذلك، والقيام بالفصل بين القوات المتحاربة.
    *الإشراف على تحديد متطلبات عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.
    *الإشراف على توفير متطلبات تلك العودة من مساعدات إنسانية وإصلاحات عاجلة في مؤسسات الإدارة المدنية.
    *إعادة تشكيل القوات المسلحة وإنهاء حالة تعدد الجيوش.
    *إصلاح الأجهزة الأمنية الأخرى من شرطة واستخبارات وتأهيلها لأداء أدوارها المعروفة عالمياً.
    *باختصار إعادة بناء الدولة السودانية.
    رابعاً - التحفظات المتوقعة على المقترح:
    *التدخل الدولي سيكون خصماً على السيادة الوطنية، وأن الوطنية الحقة تشترط أن يكون الحل سودانياً خالصاً، وأن السودانيين قادرون على حل مشاكلهم بأنفسهم.
    *الدعوة للتدخل الدولي دعوة حالمة، وغير محتملة الحدوث، حيث أن الدول المقترح تدخلها غير مطروح في أجندتها الخارجية مثل هذه التدخلات.
    *الدول المقترح تدخلها (كالولايات المتحدة) محكومة بمصالحها فقط، ولا تتدخل من أجل سواد عيوننا، وأن هنالك بوناً شاسعاً بين ما تفعله حقيقة وبين ما ترفعه من مبادئ وشعارات عظيمة.
    *يجب أن تكون الأولوية الآن لإيقاف الحرب حيث أن أي أطروحات أخرى يجب أن تناقش في إطار المفاوضات المتوقعة بعد نهاية الحرب.
    خامساً - ردنا على التحفظات المتوقعة:
    *واقع الحال يقول أن هنالك مخاطر ماثلة تهدد وجود الوطن نفسه، عليه يصبح الحديث عن الوطنية والسيادة نوعاً من الترف الفكري والسياسي لا يناسب حال البلاد و مآلات أزمتها الحادة.
    *من يقول أن الأولوية لإيقاف الحرب عليه أن يجيب عن كيف ستقف الحرب، ومن يضمن عدم اشتعالها مرة أخرى، وما الضمان لاستمرار أي حكومة مدنية يمكن أن تُكوَّن كنتيجة لأي مفاوضات والتاريخ الماثل مُشَبَّع بنماذج لا حصر لها من الكذب البواح والتآمر المفضوح لمن يملكون مفاتيح القوة العسكرية. بل تمضي تساؤلاتنا لأن نقول: أيّ رئيس مدني ذلك القادر على فرض الصيغة المثلى لإعادة هيكلة القوات النظامية مثلاً؟
    *إن التأخر عن طلب التدخل الدولي بحجة أن الأولوية هي إيقاف الحرب يحمل في طياته خطراً يتمثل في احتمالية انتصار أحد طرفيها. إن حدوث ذلك يمثل كارثة حقيقية حيث كلا الطرفين لديه حاضنة سياسية واجتماعية جاهزة، ستكون منتشية بالنصر، وشرهة للانفراد بالحكم تحت مظلة حكومة مدنية يتولى الطرف المنتصر تشكيلها من حاضنته؛ وحيث ستجبر تلك النتيجة قوى الثورة للتحرك مجدداً من نقطة متأخرة للغاية، باعتبار أن الشارع نفسه سيكون منقسماً.
    *الدعوة للتدخل الدولي نراها أقل (حالمية) من الحلم السائد بوجود أمل في أن تفلح العملية السياسية الجارية في الانتصار لشعارات وأهداف ثورة ديسمبر! لا أظن أننا نفتقد الدليل على أن القوى و الجهات المعادية للثورة السلمية، العسكرية منها والمدنية، تفتقد لأي وازع وطني أو أخلاقي يجعلها تستجيب لصوت العقل، أو مقترحات الوسطاء، أو رغبة الشعب، أو أحلام وطموحات الشباب الذي دفع أثماناً غالية للغاية ليراها مُتَحقَّقَة؛ فتلك الجهات المعادية تتحكم في القطاع العسكري بالكامل، إضافة لسيطرتها على مفاصل الجناح المدني للدولة بما في ذلك الجهاز العدلي. عليه فإن ضبط المعادلة لمصلحة ثورة التغيير يتطلب دعم قوى أخرى، وهي المجتمع الدولي؛ إذ لا بد من أن نضع في الاعتبار دائماً أن ثورتنا المجيدة ليس لها سند عسكري.
    *صحيح أن استجابة المجتمع الدولي للتدخل ليست سهلة، حيث أنها مرتبطة بالمصالح والحسابات والتقديرات السياسية للدول المعنية، لكن هنالك شواهد كافية تدعم إمكانية حدوثها، حيث يمكن الاستشهاد في ذلك بالحملة الجوية للناتو ضد جيش جمهورية الصرب في 1995، والتي فرضها الضمير العالمي تجاه ما كان يحدث في منطقة البلقان من مجازر مبنية على العرق والدين. لقد نجح ذلك التدخل الدولي في إخضاع الصرب للتفاوض ومن ثمَّ التوقيع على اتفاقية دايتون. كما نجح أيضاً في إنقاذ شعب كوسوفو من خطر الإبادة، ولا تزال كوسوفو، وبعد إعلانها استقلالها عام 2008، تحظى بالحماية من الأمم المتحدة والحلف الأطلسي رغم معارضة دول رئيسية، وتحديداً روسيا والصين. ولم نذهب بعيداً وأمامنا تجربة استجابة المجتمع الدولي في حماية سكان دارفور، والتي رغم قصورها وضعفها إلا أنها لعبت دورا في تحقيق قدراً من الاستقرار والأمان لضحايا حرب نظام الاسلامويين المشؤوم.
    *المجتمع الدولي مصلحته في وجود سودان مستقر وآمن، حيث أن مآلات انهيار السودان كدولة سيكون له آثاراً خطيرة للغاية في أمن واستقرار العالم بأجمعه.
    *في تقديرنا أن ثورة ديسمبر المجيدة خلقت احتراماً وقبولاً وتعاطفاً دولياً واسع النطاق، بل ينظر إليها المجتمع المدني والحكومات في العالم المتحضر باعتبارها نموذجاً رائعاً وملهماً للآخرين، وفي هذا يمكن تقديم نماذج لا حصر لها للتدليل على ذلك. يكفي الاحترام البالغ والحفاوة التي استقبل بها رئيس وزرائها دكتور حمدوك في المحافل الدولية المختلفة التي شارك فيها.
    *لكل ذلك وغيره، نرى أن هناك احتمالاً قوياً في أن يستجيب المجتمع الدولي لأي دعوة للتدخل الإيجابي في الشأن السوداني.
    *لذا نرى أن تتولى الدعوة لذلك التدخل، وتحديد شكله وملامحه والمشاركين فيه، أوسع جبهة ممكنة من قوى ثورة ديسمبر المجيدة. وأن تكون تلك الدعوة محور نشاطها السياسي والإعلامي، وأن توفر الحيثيات والشروط الملائمة في اتجاه إقناع المجتمع الدولي بصحة توجهها. وفي هذا يجب أن لا تقتصر دعوة الجبهة المقترحة على الحكومات فحسب، بل عليها أن تركز كذلك على منظمات المجتمع المدني والبرلمانيين وصناع الرأي في البلاد المناط بها قيادة، أو المشاركة، في التدخل الدولي المقترح.
    *يدعم وجهة نظرنا هذه، والتفاؤل بإمكانية نجاحها، أن تدخل المجتمع الدولي لحماية سكان كوسوفو من الألبان المسلمين تم بطلب مباشر من زعيم الألبان روغوفا وجهه للرئيس كلينتون إبان زيارته للولايات المتحدة. وبالطبع، فإنه، ومثلما تختلف قضية كوسوفو عن قضيتنا، فإن طلب التدخل المقترح من جانبنا لا يتم بالضرورة بذات الوسيلة ولذات الجهة.
    *هناك حساسية غير مبررة، في تقديري، لدى كثير من قوى الثورة حول إشراك المجتمع الدولي في حلحلة الأزمة الراهنة، أو في الواقع لديها موقف من تدخله أصلاً. في رأيي أن ذلك الموقف ناتج عن رؤية مشحونة بحمولات أيديولوجية، أكثر منه موقفاً مبنياً على معطيات الواقع الراهن سواء على مستوى العالم أم على مستوى البلاد. إن قوى المجتمع الدولي المقصودة بالتدخل، سواءً الولايات المتحدة أو الايغاد كأمثلة، لها موقف إيجابي ومساند لثورة السودان، وحق الشعب السوداني في الحكم المدني الديمقراطي، والمؤشرات الدالة على مدى الإعجاب والاحترام الذي تكنَّه لشعبنا أكثر من أن نحتاج لذكره.
    لا يخالجنا شك في أن هذه الدول تضع مصالحها الوطنية في المقدمة، إلا أن ذلك لا ينفي أن وجود نظام مدني ديمقراطي هو الخيار الأفضل لديها، كما أن الأفضل للسودان أن يكون شريكاً مستقبلياً لها بدون تعارض مع مصالحه الوطنية. في رأينا أن دور المجتمع الدولي الذي استعرضنا ملامحه، سيكون حاسماً لتعود بلادنا إلى المسار المطلوب، مسار إعادة البناء لدولتها. ولأصحاب المخاوف والتحفظات نقول: إن الحكومة التي تسعى لها الثورة، وما ستضعه من برامج وسياسات، ومن خلفها شعبها بشارعه، هي الضامن لاستفلال البلاد السياسي والاقتصادي، فمسألة السيادة أو التبعية في يدنا نحن وليس في يد المجتمع الدولي المعني.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de