برهان : إضطراب الإستيلاء أم الإستبدال العظيم ؟ كتبه كيسر أبكر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-06-2024, 05:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-29-2023, 03:46 PM

كيسر أبكر
<aكيسر أبكر
تاريخ التسجيل: 11-29-2023
مجموع المشاركات: 2

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
برهان : إضطراب الإستيلاء أم الإستبدال العظيم ؟ كتبه كيسر أبكر

    02:46 PM November, 29 2023

    سودانيز اون لاين
    كيسر أبكر-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر




    من الذي يقف حقا وراء كل هذة الإنقلابات ؟
 طريقة حكم السودان منذ الإستقلال تشبه لعبة القط و الفأر ، فلقد بات مألوفا ، بأن أول حكومة تكون ديمقراطية ، ثم تحدث إنقلاب عسكري ثم ديمقراطية ثم إنقلاب عسكري و هكذا دواليك . لكن المثيرفعلا ، لم يحدث قط أن نجحت عملية إنقلابية على حكومة إنقلابية أخرى في السلطة .
    كما إنها ، لم تتسلم قط حكومة ديموقراطية مقاليد الحكم من حكومة ديموقراطية أخرى ، أي أن جميع الحكومات المنتخبة ديمقراطيا ، لم يشأ لها أن تنهي مدتها الدستورية . والملاحظ أيضا ، بأن مدة عمر الحكومات الديمقراطية في السودان ، تقصر بنسبة النصف تقريبا ، بالنسبة لأية مرحلة ديمقراطية سابقة لها . فيما الواقع ، بأن أنظمة الدكتاتوريات تطول بنسبة الضعف ، بالنسبة لأية حكومة دكتاتورية سابقة لها .
    لنأخذ مثلا لذلك ، حكومة النميري دامت خمس عشرة سنة ، بينما نظام البشير جثمت على صدر السودان في ثلاثين عاما عجافا .
    لذلك يساور البعض إعتقاد ، بأن هذة ليست ظاهرة إعتباطية ، إنما إنها عمل محسوب بدقة عقارب الساعة ، و برودة الجليد في دهاليز الدولة العميقة . و إن كان ذلك صحيحا، أي عمل مدبر في الظلام ، فيمكننا أن نتجرأ للقول إذن ، بأن هذة هي تماما طريقة عمل عصابات " الجريمة المنظمة ".
    و ليس سرَا ، بأن هناك طبقة صفوية في الأحزاب السياسية ، في مؤسسة الجيش ، في غرفة التجارة و الأعمال و المؤسسات الثقافية ، تمَكنت من تأسيس أو تمهيد الطريق لظهورأنظمة أوليغارشية في السودان . و هذا النهج المنحرف لإدارة الدولة السودانية ، هو إستدلال عملي ، لإنعدام الثقة بين المنظومة القابضة ، والشعب المغلوب ، الأغلبية المهمَشة . لكن هناك ثمة تفسير بسيط ، لهذا السلوك الأعور ، هو بأن قواعد لعب النظام الديمقراطي ، بطبيعتها ستنزع حتميَا مقاليد الحكم من تلك الصفوة لصالح مفهوم "سلطة الشعب " وتأمين ضمان فعلي لحقوق الأقليات ، لا تسمح مطلقا " للنخبة القابضة " بإستيلاء و إحتكار السلطة عبر نفق الإنقلابات .
    ولذلك من غير المدهش حقيقة ، إن في معظم هذة الإنقلابات ، كان العقل المدبر لها هو أحزاب النخبة السياسية نفسها ، التي تأتمن على عملية خلق دولة مدمقرطة و مواطنية حرة . فهذة الطبيعة الغريبة ، لتداول السلطة في السودان ، تبدو و كأنها محاولة مستميتة من قبل حرًاس " الدولة المتعرَبة " لقطع الطريق أمام أي خطر لفقدان قبضة السلطة ، أو لتحييد أي تهديد تحدق بنفوذ و إمتيازات تلك النخبة المدجَنة بثقافة الآخر، و مجموعاتها الإثنية .
    و ماذا عن الحروبات الأهلية من يقف ورائها ؟
    إذن ببساطة ، إنها إستراتيجية " متفقه عليه " للتحكم بزمام الأمور، دون الإفراط ، فيها بأي حال من الأحوال، بغض النظر عن قيم عقيدتها السياسية و الدينية . فتصبح تدبير الإنقلابات و إشعال الحروبات الأهلية هي ألية التلاعب الفعَالة بقواعد الإدارة الرشيدة للبلاد و ذلك بغرض التحكم بموازيين القوة والسيطرة لتبقى محتكرة فقط في قبضة الأقليات المهيمنة .
    فلا غرو، بأن نمط الدول الإثنودموية ، تضع دائما مقدرات البلد في يد أقلية ، تعتبر نفسها وصيَة عليها ، و هي ظاهرة مستشرية في معظم الدول التي نالت وهم الإستقلال من المستعمر . ولهذا ، تختار تلك النخبة القابضة ، بدقة ، أفرادا من قيادة الجيش ، لطالما تنتمي أغلبيتها لفئة الأقليات المهيمنة و نظرة واحدة في إجتماعات ورش القيادة و مراسم التخريج العسكرية تكشف هذة الحقيقة عارية . بحيث تكون المهمة الوحيدة لهذا الطاقم العسكري ، هي تدريب جيش البلاد ليكون دائما صمام أمان و ضمان لإستمرارية السلطة في يد هؤلاء الحفنة من الوكلاء . فهذة القيادة المختارة تضع الجيش ، الذي في غالبه من الأغلبية المهمَشة ، في حالة جهوزية و أهبة دائمة لتقمع أية حركة مقاومة أو ثورية لأية قوى مناهضة لها .
    بل هذة الأنظمة المستبدة، توجَه جام غضبها بأسلوب ، العقاب الجماعي ، ضد الأبرياء العزل، السكان الأوائل ، بدلا عن خصومها من المقاتلين . فلقد ثبت بأنها نفسها تقوم أحيانا بهندسة خلق تلك الحركات المسلحة ثم تمسيخها و كذلك توظيف الزعامات القبلية كعملاء لها . و غالبا ما تتم ذلك عبر إبرام صفقات تسويات مشوهة تشبه لحد ما، أسلوب الرشاوي ، مع حملة السلاح ، و تلك الزعامات الرجعية، عوضا عن المعالجات الجذرية .
    و من المحتمل دائما بأن هذة القوى المناهضة لها تنفجر ، فقط في المناطق التي لم تتأثر كثيرا بقيم " المركز " المهيمن عالميَا ؟
    لذلك هذا يظل كمؤشر لخلل التكافؤ بين دول الشمال القوية " المركز " و الجنوب الضعيفة " الهامش " و يعد أمرا طبيعيا اليوم ، في ديناميكية القوة في الجغرافيا السياسية .
    هنا علينا التذكير ، بأن أسس الدولة السودانية الحديثة ، في الواقع ، تم إستلهامها وفقا لمشاريع حوكمة سياسية مستوردة من مراكز الهيمنة العالمية . نقول ذلك ، لأن هذة الدول المصطنعة هي عبارة عن شركات أو مشاريع لإمبراطوريات عابرة للقارات ، تفرض فقط رؤيتها الأحادية ، دون أية إعتبارات للحضارات الأخرى.
    ففي فترات ما قبل الإستقلال كانت هنالك أدبيات هستريأ فقه الخلافة الإسلامية في الحكم، السلطنات الإسلامية ، تقلي ، مسبعات ، سنار ، دارفور ، و غيرها .
    أما ما بعد الإستقلال فإن مشروع ميشيل عفلق " القوميون العرب " البعث و الوحدة العربية ، كان هو منصة الإنطلاقة الوطنية الرئيسية ، لدولة السودان ، ولاحقا إستلمت حركة الأخوان المسلمين ، الراية ، وهو مشروع حسن البنا .
    و بالرغم من أنه ، كانت دائما هنلك محاولات مستمرة ، لسودنة هذة الإتجاهات و الإيديولوجيات الفكرية ، لكنها كلها تقريبا باءت بالفشل .
    و بالتالي هي دولة إنفصامية ، بنيت أساسها على أيديولوجيا دينية و قومية ، ليست أصيلة تماما لأكثرية الشعب السودان . مع إنه ليس أمرا معيَبا الإستفادة من تجارب المعارف الإنسانية الأخرى ، عندما لا تستخدم كليَا ، لإلغاء ثقافة و تاريخ السودان الأصيل .
    و هذا ما حدث حرفيَا قبل و بعد الإستقلال .
فلقد حدَدت مسبقا هوية السودان ، مسيَرة غير مخيَرة " أي هوية مختلقة، لتغدو دولة عربية إسلامية ، دون أية إعتبارات للخلفيات التاريخية الموغلة و القيم الحضارية العميقة لبلاد السودان الأفريقية .
    و هنا تكمن خطورة خطوة كهذة ، لأن صنع كيان مغلق بهذة الأطر الإيديولوجية ، بدوره حتميا سيخلق مواطنا إنفصاميا ، ذو أفق تفكير مغلق في فقاعة ذهنية منقطع ، بالجملة ، عن الواقع السوداني الأفريقي . فدولة إنفصامية كهذة ستتحكم كليَا على حياة المواطن، بل على قضائه و قدره ، أعني على ساعة بقائه و فنائه . لطالما أية دولة دينية قومية ، بطبيعتها البنيوية ، ستزعم بإنها خليفة الله في الأرض ، أي إنها تنزع و تعطي و تحي و تقتل بمشية الله .
    إذن ماذا يعني هذا الإنقلاب على الحقائق في الأرض ؟ ببساطة ، إنها كانت بداية سياسة دكتاتورية تمارس الغيبوبة والقهر و الإضطهاد العرقي و الثقافي ضد الشعب السوداني بأكمله . أي إن السودان أصبحت دولة تمت مصادرتها نهائيا، من قبل هذة النخبة ، لتوطَف و تكرَس كل إمكانيات و مقدرات الدولة ، فقط لصالح تلك الأجندة المستوردة .
    و هذا بالتأكيد ، كله إعلاء لنمط أو بالأحرى ، لأوامر فلسفة ، أو معايير فكر المستعمر المهيمن أو الذي يتحرك نيابة عنه ، في بناء و إدارة أية دولة في النصف الجنوبي.
    لا شك ، بأن سلسلة من العوامل والنزعات البدائية ، مثل تفضيل الإنتماء المللي و القبلي و الجهوي ، بدلاعن التوجه نحو بناء دولة المواطنة ، ساهمت بفعالية في إنهيار الدولة . غير أن ، هذا السقوط الدراماتيكي يقف ورائه بشكل محوري ، تلك المقاربة الخاطئة للنخبة . فلقد كانت تلك النخبة منذ الوهلة الأولى مسكونة ، بنزعة مكابرة و رغبة قوية لطمس الحقائق النوبية من تاريخ وثقافة في السودان و فرض حقائق جديدة و مستوردة بالقهر و القوة .
    و هذا بلا شك ، نظرة إستعلائية مستعارة مباشرة من ثقافة المستعمر الغربي و العروبي ، الحقيقة التي مهَدت الطريق منذ البدء لخلق دولة فاشلة ، قابلة للتدمير الذاتي . و بما و إن الإستعمار هو في ذاته حالة غير طبيعية ، فهو بالضرورة يخلق مناخا يسود فيه مشاعر الشك ، الكراهية ،عدم الثقة و التبعية للمهيمن فضلا عن تدشين هويات متناقضة مع ذاتها .
    فوفقا لتلك الهويات المزيفة ، بات سكان السودان و دول الساحل الأفريقي يسمون بعضهم بعضا عبيدا و خدما بتأثير ثقافات غربية مستوردة و هوية عروبية مزيفة تماما .
    فلذلك هناك من القوميين العرب من يأنبهم الضمير اليوم ، فيتحملون بمضض أوزار هذا الإنحطاط ، لما بلغ عليها الأحوال المأساوية في السودان و بعض الدول الأفريقية من تخبط في الإنتماء و الهوية و إنسداد متلاحق في دوامة من العنف و البؤس و الجنون . و كل تلكم التراجيديا الإفريقية و الإنسانية ، بسبب رومنسيات العروبة وأوهام المثقفين العرب و المعربين ، الذين ذرعوا في رؤوس هؤلاء البؤساء في السودان و أفريقيا و هلوسة العروبة .
    لذا ، يدفع الأبرياء في السودان الكبير ، ثمنا دمويَا لعقود بتدمير بلدانهم و ذواتهم و فتح الأبواب للأعداء لنهب الثروات بدون أي أمل أو رجاء في شفاء أو يقظة في الآفاق.
    فالنخبة " الرعيل الأول " التي تقلَدت زمام السلطة ، في السودان ، هي خلاصة لتلك المدارس الفكرية ، التي مرتكزاتها هي الميل الجارف نحو أنفعالات القومية العربية والإسلامية و أفكار الذهنية الغربية الإمبريالية .
    فالمدرسة الأولى، هي نفسها نتاج المركز" المهيمن "رسالتها رومانسية وحدوية قاتلة للتنوع ، أما الحركة الإسلامية ، برؤيتها العقدية القطعية للأمور أستباحت حقوق كل من عارضهم، و صنَفهم دينيَا بالخوارج في السودان . وهي أيضا التي تكفلت بالمهمة المقدَسة ، نشر العروبة و الأسلا ـ أموية في أفريقيا ، و لوعلى أشلاء أهلها .
    أما عن الذهنية الغربية الإمبريالية في النخبة الليبرالية السودانية ، فحدث عنها و لا حرج .
    فهذا الرعيل ، من الصفوة السودانية ، من الواضح ، إنه لم يولي إهتماما كافيَا بما هو تحت أقدامه ، من كنز ثقافي أسود صمد لدهور بصمت ، أمام كل الغزاوات الإستعمارية .
    فلذا ، هذة المقاومة المستمرة من شعب السودان، بالرغم من ضعفها ، في الحقيقة هي صمود ثلاث ألف سنة و أكثر ، في وجه الإضطهاد العرقي و الديني و الثقافي و إغتصاب الأرض و العرض . ببساطة ، هي سلسلة من الإبادات التي لا تتوقف أبدا لأن العدو يعرف قيمة تراب بلاد السودان .
    الجيش كان دائما طرفا في هذة المقاومة و إن وظفته هذة الإمبراطوريات لخدمتها ضد أهله في أغلب الأحيان . غير إن هناك أمرا واحدا كان غامضا للجميع ، وهو أن الجيش و الشعب كانا وجهان لعملة واحدة لهذة المقاومة المستمرة .
    لنبدأ فقط من قوات ترهاقا ضد الهكسوس و الكنداكة ضد الروم و قوات رماة الحدق ضد الغزو الإسلا- أموي و قوات الملكة رصد الفاطمية السودانية و قوات المماليك بقيادة أبو المسك كافور الأخشيدي ، الى قوات حركة الجهادية في كسلا ضد الخلافة العثمانية ، و كرري ضد الإنجليز و جون قرنغ ضد منظومة الإنقاذ الإسلاموية. فهذة السيرورة النضالية لم تنقطع قط فهي موجودة دائما في داخل منظومة المستعمر و تعمل بصمت ، الجندي المجهول ، من الداخل . في الظاهر هذة القوات كانت تتم دائما توطيفها ضد أهلها ، غير إنها تنتصر في أهلك المحن لصالح أهلها من السودان .
    فهذة القوات الموغلة في التاريخ ، كانت دائما هي " نواة الأساس " التي تبني عليها قوات و قيادة هذة الإمبراطوريات الغازية ، فهي تعرفها جيَدا ، بإنها ستنقلب عليها يوم ما ، لذلك نادرا ما تؤهل قيادة كبيرة ، من أبناء السودان . فظاهرة اللواء الأبيض ، هي دليل دامغ لتلك السيرورة .
    هي مقاومة مستمرة ، ضد ثلاث إمبراطوريات متوحشة تمكنت من رومنة و تنصير و تغريب و تعريب هذا الشعب الأفريقي ، وفقا لمصالحها الضيقة ، فقط . علما بأن هذة الشعوب السودانية تعرف الله قبل هذة الإمبراطوريات التي تمتهن الرق و تتشدق أبدا باسم الرب البارئ.
    لأن الهدف المركزي ، لكل هذة الإمبراطوريات واحد ، وهو سلب هويات هذة الشعوب بخلق نسخ هويات مشوشة ضائعة و مشوهة لصورتها ، ممل يسَهل لها عملية إستغلال كل مقدراتها و نهب ثرواتها و بالتالي السيطرة عليها .
    فنتيجة هذة السياسة القمعية المستوردة ، هي خلق " حالة سودانية " تكون رهينة لغيبوبة في الوعي و الفكر مما ساهمت في وقوع تلك الفظائع الدموية الجنونية المستمرة بلا توقف .
    لكن، من المحزن حقا ، أن معظم كل تلك الفظائع الجهنمية ، ترتكب بأيدي الخلاسيين منا بالدرجة الأولى ، ضد النصف الآخر منا ، الأسود القريب المعروف، لصالح الأبيض البعيد الغير معروف . و بطبيعة الحال ، هناك من السود منا من لا يقلون فظاعة لسحق بني جلدتهم ، هذة الإنحرافات سنتناولها بالتفصيل في فصل منفصل .
    في الحقيقة هذا التمرد المستمر هو ضد " المركز المهيمن " ضد هذة الإمبراطوريات القديمة المتجذَدة ، لكن بسبب التشويش المربك و الهائل للماكينة الإعلامية المهيَمنة ، تظهر هذة المقاومة في شكل حروبات أهلية و قبلية طاحنة .
    و مع كل ذلك ، ينبغي دائما أن نكن لهذا الرعيل الأول ، الإجلال و الإحترام اللازم ، بخاصة إذا أخذنا في الحسبان عامل العمر ، فبلا شك إن أغلبهم كانوا شبابا متحمسا كما هو اليوم ، بلا خلفية سياسية و ثقافية صلبة لإدارة مهام كبرى في غاية التعقيد ، بالنظر للقدرات المعقدة للعدو الوافد الذي سنَ قوانين اللعبة سلفا ، لصالحها .
    اللبنة الخاطئة ، و من هم رعاة المنظومة ؟ :
    السيد محمد صالح الشنقيطي رئيس أول جمعية تشريعية للسودان 1948 وهو من أصول موريتانية ، ساهم مساهمة عميقة في تدريب نواب ووزراء سودان المستقبل على نظم إدارة الحكم ما بعد الإستقلال . و هو ينتمي الى إسرة دينية محافظة لا شك تلك الخلفية ، ساهمت بقوة في تشكيل أفكاره السياسية و الثقافية لصياغة أطر إدارة الدولة السودانية . من المعروف أيضا ، بأن الأب المؤسس للدولة السودانية ، الزعيم الأزهري ، تخرج مع أساطين حركات البعث العربي القومي في جامعة بيروت .
    و هكذا تبنَت أنظم الحكم في السودان في الوعي و اللاوعي تنفيذ هذا المشروع العروبي و الإسلأ ـ موي في السودان و تصفية كل من يقف في طريقها ، بوحشية شيطانية.
    و لذلك ، عندما يتعلق الأمر بالعمل السياسي الحزبي ، نجد تقريبا كل الأحزاب السودانية ، بأن كل أيدولوجياتها و أجندتها ، مستوردة مباشرة أو غير مباشرة ، من نمط التفكر الإبدبولوجي للنظم السياسية في الدول العربية القديمة أو ما أسميها " بالنظام العربي القديم " أو من محاكاة النظم الغربية المهيمنة .
    فهذا يعني عمليا ، ربط أحلامها و طموحاتها بإستراتيجيات لا تمت بذرة بالسودان و لا بأفريقيا القارة . و هذة المشروعات في غالبها هي مشروعات ممتدة للإمبراطوريات القديمة المتجددة ، ذات النزعة الإمبريالية ، القمعية و الإستعبادية في القارة السوداء و العالم . وهو الأمر الذي ساهم في إنفجار الصراعات العرقية و الوجودية في القطر السوداني و القارة بأكملها .
    و الشاهد ، بعد تجربة مشروع الإنقاذ الإسلأـ موي ، نرى بإنها لم تطرح أية نوايا إيجابية لفكرة الإندماج و الإنسجام مع شعوب القارة الأفريقية ، وهي منها ، بل إنها ترفض جملة و تفصيلا ، أفكار العيش المشترك ، حالة إنفصال دولة جنوب السودان . و عندما سقطت عنها ورقة التوت في حربها في دارفور، كشفت حكومة الإنقاذ نيتها المبيَتة ، بلا حياء، و هي المشروع الأموي.
    فرأينا فعليَا الإبادة العرقية هناك ، عندما قامت بإطلاق مشروع مليشيات الجنجويد المستعربة و جلبها لفيفا ، من داخل و خارج القطر السوداني . و ما يجري في الخرطوم و دارفور و مناطق أخرى في دول الساحل الأفريقي ، هو صورة من صور ذلك المشروع الإسلأ-موي العروبي المتمدَد . و من سخريات القدر و التلقين ، حتى هذا المشروع نفسه هو إمتداد لأطماع و طموحات إستعادة حلم الإمبراطورية العربية الأموية ، تتم تنفيذها بأيدينا نيابة عنها .
    و لقد فُضح هذا المخطط بجلاء عندما حصلت المفاصلة في حركة الأخوان ، فلقد رأينا بوضوح بأن تيار الترابي كان غالبيته " المؤتمر الشعبي " الذين يميلون للقطرية ، بينما جناح غازي صلاح الدين ، يميل للخلافة العالمية ، كان غاليبته من الذين يميلون للعروبة . و من المعروف تاريخيا بأن المشروع العروبي تستخدم جميع الإيديولوجيات ، غير أن غايتها النهائية ، هي في تعريب الشعوب التي تقع خارج مدار نفوذها الجغرافي و الثقافي و الديني.
    و لا غرابة ، إنها تعتمد حرفيَا " كتاب منهج " المستعمر الأوربي ، في تنفيذ تلك الإجندة ، سواء كان ذلك عبر الإبادات العرقية أو الإضطهاد الثقافي و الإستثمارالإستيطاني .
    فلذلك هناك خطر داهم لبقاء السودان و إنسانه القديم، تحديدا ، و يتمثل ذلك التهديد في ثلاثة أمور 1/ أجندة المشروع العروبي التي تقودها في الحقيقة ، نواة صغيرة ، في الحركة الإسلاـأموية و دائرة ضيقة من قيادات العروبيين في الجيش. 2/ هو نزعة الكراهية المتجذرة ضد اللون الأسود ، وكل شئ ذو صلة به ، علما بأننا جميعا سود ، مهما رفضنا هذة الحقيقة ، وذلك بسبب الدعاية العالمية لصالح هيمنة العرق الأبيض ، وهناك النزعة القبلية القابلة للتلاعب بها من الأعداء . 3/ سياسة قضم الأراضي ، الأوطان و الإستيلاء عليها تدريجيا ، بخلق مناخات الإنفصال و التفتت . ثم الزحف ببطء لتنفيذ نفس الخطط الإنفصالية في هذة الدويلات المفككة مسبقا .
    مصير السودان تحت رحى نظامين عربيين ، و الهدف واحد :
    و بالعودة لفكرة تأسيس الدولة السودانية ما بعد الإستقلال ، علينا عدم تجاهل قوة إرتباطها الوثيق بالمنظومة العربية . و بذكر تلك المنظومة ذات الذراع الطويل ، ينبغي أن نشير هنا ، الى وجود نظامين للعالم العربي ، ساهما بشكل حاسم في إنشاء هوية و كيان دولة السودان الحديثة .
    الأول هو النظام العربي القديم ، الذي ربما مازال يتبنى مشروع ميشل عفلق ، وحدة القومية العربية ، يقف وراءه بقوة ، القوميون العرب و المستنيرون منهم . و يتمثل ذلك في مصرالناصري و سوريا الأسد و عراق صدام و ليبيا القذافي ، و اليمن و لبنان و السودان النميري .
    و هذا المشروع قوامه فكرة علمانية تهدف الى إقامة كيان عربي موحد من المحيط الى الخليج . فالنظام العربي القديم ، إعتمد خطة عمل بطئ و حذر في الان ذاته ، مبنيَة على أسس الحداثة و التنوير المعاصر . و لقد كرَس في ذلك جهود التعاون الثقافي و التضامن السياسي و الأقتصادي و العسكري لتحقيق الوحدة العربية . بينما لعبت القضية الفلسطينية العادلة ، كرافعة جبَارة ، في إشعال مشاعر المجد و الوحدة و القومية و المصير المشترك . ولكن نظرا للإخفاقات و الهزائم العربية المتلاحقة و التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تفاقمت مع الألفية الثانية ، تراجع زخم تلك القضية و معه تراجع ذلك الحماس الوحدوي ، فضلا عن أفول دور الجامعة العربية في المنتديات العالمية .
    لكن مع إكتشاف وفرة الثروة النفطية في الجزيرة العربية ، حدثت معجزة تنموية مدهشة في دول الخليج . فهذة الطفرة التنموية الهائلة مكَنت دول الخليج أن تسحب بقسوة، بساط معاوية السفياني، من تحت أقدام غلاة القوميين العرب و المستنيرين منهم في النظام العربي القديم .
    فلقد إستطاعت هذة الدول الخليجية ، توظيف إمكانياتها المالية الضخمة في تأهيل نخبة جديدة من أبنائها في الجامعات الغربية العريقة ، فإكتسبت طرق تفكير جديدة ، بعبارة واحدة : البراغماتية .
    وهكذا ، إنتقل مركز القرار العربي سريعا ، بعد سقوط نظام البعث في العراق الى دول النفط في المنطقة . و بسرعة لافتة ، تأسست منظومة عربية جديدة ، متمثلة في دول الخليج ، بشكل عام ، تقوم نفوذها بإلاعتماد المطلق على تأثير و نفوذ القبضة المالية والقوة الإعلامية المتدفقة.
    فلذلك هذا النظام العربي الجديد ، إنطلق مباشرة بإستراتيجية حرق المراحل ، بالركون كليَا ، على طفرة مالية نوعية و الإبتعاد عن سياسة الإيديولوجيات سواء كانت قومية أو دينية . غير أنها حقا ، لم تمتنع مطلقا أو تنحرف كليَا عن هدف تلك الإيديولوجيات . فلقد كانت سرَا ، تستخدمها بالوكالة ، بدعمها لجماعات " متطرفة إسلاموية وأرثودكسية " لتنفيذ تلك الإجندة التوسعية . و إتضح ذلك جليَا ، في مساندتها جهرا العمل الجهادي في أفغانستان ، إبان الحرب الباردة ، فباتت "حليفا موثوقا " للغرب الرأسمالي ضد الكتلة الشرقية الشيوعية .
    وعندما إنتهت الحرب الباردة ، إنقلب النظام الغربي على حلفائه المجاهدين ، و شن حرب بلا هوادة ضد دوغما الجهاديين . و هنا تورط النظام العربي الجديد ، و أصبح نفسه وكيلا مزدوجا ، بدعم أو بتدمير بقايا الإستشهاديين في مناطق ما و تشجيع الإنفتاح نحو الليرالية في مناطق أخرى .
    و لقد تزعمت قطر و الأمارات ، بشكل خاص ، و السعودية بدور خلفي في هذة المرحلة للقيام بأدوار مزدوجة و قذرة، بمناصرة الحركات الإسلاموية المتطرفة و المعتدلة ضد النظم العربية القديمة . و رأينا ذلك إبان إنتفاضات و ثورات الربيع العربي في ليبيا ، اليمن ، سوريا ، مصر ، تونس و البحرين . و في كل هذة الإنتفاضات كانت القوة التنظيمية الفاعلة ، هي الجماعات الإسلاموية المدعومة إعلاميَا و ماديَا من دول الخليج . كما ظهرت بوضوح العلاقات المعقدة ، بينها و بين حركات الأرهاب الإسلاموي ، في دول الساحل الأفريقي .
    و لكن ما يهمنا هنا ، هو تداعيات ذلك المشروع الطموح مع أجندته المتجددة على دولة السودان و دول الساحل و جنوب الصحراء الأفريقي ، تشاد مالي نيجر و بوركينافسو موريتانيا و نيجريا . حيث إنفجر نشاطا محموما للتنظيمات الاسلاموية الأرهابية والحركات التحررية بنهج غير مسبوق في هذا الأقليم من القارة الأفريقية .
    بطبيعة الحال ، كانت دولة الصومال ، الثرية ، أولى الضحايا ، لسياسة هذا المشروع العروبي فدولة سياد بري كانت علمانية يسارية تحت نفوذ النظام العربي القديم ، و لكن مع سقوطها سيطرت عليها بالكامل الحركة الاسلاموية و أمراء الحرب لطالما كانوا جميعهم مدعومين مباشرة من دول الخليج ، بغرض تفتييتها و إستغلال سواحلها الإستراتيجية.
    و ينبغي أن نسارع للقول هنا ، بأن دولة قطر مثلا كانت تدعم تمدد المشروع الإسلاموي في أفريقيا ، بينما دولة الأمارات المتحدة تقف وراء الحركات الليبرالية و التحررية المتطرفة ، بخاصة في السودان و دول الساحل الأفريقي ، تباعا . غير أن القاسم المشترك بينهما واحد ، وهو بسط النفوذ العروبي في أفريقيا ، مثلها مثل كل القوى العظمى الإستغلالية في العالم .
    و ربما القذافي كان أول من راقب أفول النظام العربي القديم ، و كذلك النميري لاحقا ، بإنفتاحه لمشروع الإسلامويين في السودان . بينما شرع القذافي بخفة ، المزج عمليا بين المشروعين العروبي و الإسلاموي في حربه التوسعية في تشاد و مشاريع الوحدة الأفريقية في القارة . فلقد أعلنت الوحدة ، بين ليبيا و تشاد من طرف واحد في بداية 1981 ، لكن تلك الخطوة تمت رفضها و إدانتها بشدة من المجتمع الدولي . فأنشأ القذافي المليشيات المعرَبة و الفيالق الإسلاموية مما خلقت حالة فوضى و عدم إستقرار الى اليوم .
    غير إن، الهدف الإستراتيجي ، كان منذ البداية واحدا واضحا ، و هو إحلال المشروع العروبي القومي محل مشروع الإستعمار الغربي بشكل خاص النفوذ الفرنسي ، في القارة .
    بدء الإستبدال كخطوة حاسمة لخلق دولة عرقية مزيفة:
    و مع إستيلاء الحركة الإسلامية في السودان على مقاليد السلطة ، تمكنت من فعل نقلة رديكالية ، ضد طريقة الحكم التي كانت تسير على نهج النظام العربي القديم ، نشر العروبة بروح الحداثة و التثقيف . و لتجسيد تلك النقلة المتطرفة ، إستغل نظام الإنقاذ الإسلاموي راية الجهاد ضد الجنوبيين و النوبيين " السكان الأوائل ". ثم ترك الباب مشرعا، لكل الإستشهاديين في العالم ليؤسسوا قواعد لعملياتهم الإرهابية في السودان ونسج شبكة علاقات في بقية العالم .
    وهكذا غيَرت حكومة الإنقاذ سريعا ، العقيدة العسكرية للجيش السوداني في حرب الجنوب ، من قوات محترفة الى جماعات شبه جهادية بائسة . ليس ذلك فحسب ، بل مضت حكومة الإنقاذ في تطرفها ، و أنشأت مليشيات جهادية قوية و متطرَفة ، منها الدفاع الشعبي كجيش بديل مواز .
    و تزامنا مع ذلك ، إستعانت بمشروع القذافي ، جامعة الفاتح من سبتمبر في دارفور ، و على نسختها أسست جامعة أفريقيا العالمية ، و غيرها من مراكز الأبحاث المتعلقة بأفريقيا بهدف تكوين كوادر قادرة لتحقيق أهداف فرض العروبة و الإسلاموية في أفريقيا ، بالحرف و السيف . و من أجل ذلك ، تبنَت حكومة الإنقاذ بقايا مليشيات العقيد معمر القذافي ، مثل الفيلق الإسلامي " بن عمر ؟؟؟ المتمرد العروبي أصيل أحمد " بوكو حرام في دول الساحل الأفريقي ، الذي أسَس تنظيم التجمع العربي في دارفور ، الذي بدوره أصبح لاحقا ، حجر الأساس لمشروع الجنجويد الدموي .
    فكرة إنشاء مليشيات في حد ذاتها ليست جديدة ، للنخب القابضة في السودان ، فالبنسبة لها ، هي فقط آلية أخرى مثل آلية تدبير الإنقلابات لإحتكار السلطة . ذلك لأن ، هذة النخبة منذ البدء ، أيضا لا تضع ثقتها مطلقا بالقوات المسلحة السودانية ، لأن افرادها ببساطة ، من جميع عامة الشعب و بخاصة من الأغلبية المهمشة " الناجون من الإبادات ". و ثمة سبب آخر لذلك التوجه ، فلهذة المؤسسة ميزة ثانية ، لا تتوفر في أية مؤسسة سودانية أخرى مطلقا ، فهي تضم كافة القبائل و الشرائح الإجتماعية و الدينية في السودان .
    و لكن هذة الميزة ، فعلا جعلت المؤسسة العسكرية ، محل شك عند النخبة القابضة، فهي قد لا تنخرط كليا مع الوقت مع تلك المشاريع المستوردة التي تتبناها هذة النخبة . ليست ذلك و حسب ، فهذة الميزة ساهمت ، و إن ببطء ، في خلق روح سودنة وطنية عالية عند أفراد الجيش . وهذة بدورها ، ربما ساعدت أيضا ، من جهة أخرى ، في تعزيز روح السودنة بين المواطنين السودانيين ، بشكل عام و وسط الخلاسيين بشكل خاص .
    فهذا التطور في الوعي الوطني ، بالرغم من خموله ، سبَب لهذة النخبة منغصات عويصة ، في محطات كان البلاد يمر فيها بأوقات عصيبة . على سبيل المثال، عندما إندلعت ثورة حركات متمردة متفرقة ، في النيل الأزرق، كردفان ، دارفور والشرق و الشمال بشكل عام . و قد يعود ذلك المأزق ، إلى أن غالبية أفراد هذا الجيش من مناطق رفعت فيها مظالم ضد التهميش و العنصرية في السودان .
    و بما أن هذة النخبة القابضة ، منذ البداية ، أبرمت عقد شراكة ضمنيَة ، مع بعض قادة الجيش ، الأمر الذي أسَس في السودان نظاما شبيه بنظام الأوليغارشيا الفاسد و الإستبدادي . وبالتالي ، هذة النخبة الطفيلية ، إختطفت الجيش و وضعت لها مهمة واحدة فقط : قمع أية بادرة تمرد أو مقاومة لسلطة الدولة الوظيفية . و لكن الجيش ، بالرغم من عمليات غسيل المخ المستمر ، و التحكم و الترصد المتواصل، بطرق شتى كأن أخطرها الهوس الديني و شعارات العروبة ، أظهر العصيان في فترات منقطعة في تاريخ طويل من الخضوع و القبضة الأمنية .
    بمعنى ، أن قوات الجيش بدأت تدريجيا ، أن تنتبه لخطورة هذة المهمة الإجرامية ، التي تستغل الجيش لتأسيس دولة مفترسة ، و ليست دولة مواطنة دستورية . لذا معظم قادة التمرد القادمين من قلب المؤسسة العسكرية كانوا يطالبون بدولة مواطنة جديدة ، على رأسهم العقيد جون غرنق ، و هناك آخرون قضي نهبهم بطرق غامضة أو إعدامات صورية من جراء رفضهم لسياسات الإبادات العرقية أو أدلجة الجيش كليَا . الأمر الذي وضع الجيش في مواجهة مع أهداف تلك النخبة ، خوادم المشاريع المستوردة .
فهذة التراجيديا السودانية قد تفوق حتى ما جاء في رؤى دانتي عن الجحيم .
    و لقد إتضحت تلك المعارضة بشكل جلي في مشاريع الإبادات الحديثة ، عندما رفضت باقة من الطيارين تنفيذ عمليات حرق في دارفور و في جبال النوبة و الجنوب .
    و بالرغم من أن مثل هذة الإتجاهات العصيانية بدأت تزداد في الجيش إلا أن صفوة الحركة الإسلاموية ، في نظام الإنقاذ ، كانت أكثر من قابلتها بنشوة الخلاص . ذلك لأن أي تلكأ لتلك القوات ستدفع في جهة خططها الإستراتيجية ، و هي التخلص من قوة أصبحت لا تؤتمن علي المشروع العروبي الإسلاموي.
    فلجأت تلك النخبة الإسلاـ موية فورا ، لإهمال أفراد الجيش عمدا ، و الاهتمام المباشر بتكوين مليشيات الدفاع الشعبي الجهادي و تمكينها بإمتيازات مفتوحة ، لتظهر بوضوح كجيش موازي، بل يعتقد إنها كانت في لمساتها الأخيرة ، لتصبح البديل النهائ للجيش السوداني .
    غير أن ، مفاصلة الإنشقاق بين الإسلامويين حدَت من سرعة تلك المكيدة المباغتة . فلقد كان تيار الترابي ذات الرؤية المحلية ، أو القطرية جعله ، منشقا عن حركة الاخوان العالمية ، تيار غازي صلاح الدين ، الذي يتبنى رؤية التنظيم الأم في الوطن العربي . و بما أن معظم مجاهدي الدفاع الشعبي هم من الموالين في أقصى اليمين لشيخهم ، الترابي ، هؤلاء أيضا تم تجرديهم من إمتيازاتهم و إهمالهم تباعا . فإنخرط بعضهم في صفوف الحركات المسلَحة في دارفور ، تحديدا حركة العدل و المساواة . و بعضهم اليوم يقاتلون بضراوة مليشيات الدعم السريع .
    و مع حريق دارفور وظَفت حكومة الإنقاذ ، مليشيا الجنجويد العابرة للحدود ، و ذلك القادم من صلب الدفاع الشعبي المنحاز لتيار غازي و التجمع العربي في دارفور ليأخذ مهمام الجيش هناك بهدف إرتكاب جرائم الإبادة و التهجير.
    الخطوة الحاسمة ـ تطبيع سودنة الجنجويد :
    ثم بدأت عملية تطبيع سريعة لهذة المليشيات، فبات تعرف بحرس الحدود ؟ و من هناك بدأت عملية توطين و تجنيس رهيبة للمستعربين و الخلاسيين من دول الساحل الأفريقي . ثم بلغ المدد مداه لترقيتها إلى قوات الدعم السريع ، بحيث تم تفويضها تقريبا ، لإستحواذ كل موارد ثروة البلد بدون حسيب .
    إسم الدعم السريع ، في حد ذاته ، كأنه يكشف ضمنيَا ، بأن المنظومة التي أسست هذة المليشيات تعاني أزمة وجودية ، فلذلك يبدو بأن مؤسسيه لا يريدون به نسف الجيش فقط ، إنما حتى تجاوز النخبة القديمة المتسودنة تدريجيا ، و أجندة النظام العربي القديم .
    فهناك من يعتقد بجزم ، بناءا على تحليلات عميقة، بأن ثمة دائرة ضيقة من النخبة القابضة ، و أغلبها من القيادت المتطرفة من الحركة الإسلامية ذات ميول عروبية جيَاشة ، هي التي وراء التمكين الكثيف للدعم السريع . عمليَا ، بهدف أن يكون الجنجويد البديل النهائ للجيش السوداني أو المهيمن عليه في أسوأ السيناريوهات .
    وذلك ، بعدما تأكت لهذة النخبة المؤمنة بالأجندة و الأيديولوجيات المستوردة ، بأن الغالبية من سكان السودان المستعربين ، بدأت تنأى بنفسها عن تلك الإتجاهات المزيفة و المدمرة ، بفضل الإندماج الطويل ، ثورة المعلومات و تجارب اللجوء و الإغتراب . و أخذت تهتم بجدَية بقضايا السودان الأصيلة من تاريخ و ثقافة و حضارة قامت على ظهرها تقريبا باقي الحضارات المعاصرة . بل هناك توجه قوي لحدما ، الآن في هذة المجموعات المستعربة ، بتبنى السودنة و الأفريقانية و تتقبل بنهم حضارتها الأفريقية القديمة ، أي حضارة كيمت وكوش الأسود .
    فهذا التحول المفاجئ ، في توجهات أهل السودان في الفكر و الوعي، يعني إعاقة حاسمة و فعلية ، للمشاريع المستوردة ، منها المشروع العروبي و الإسلاـ موي " إسلام دولة أموية " في دولة السودان . لذلك ، لن تتردد هذة النواة الصغيرة من رعاة العروبية، بتقديم كل دماء أبناء السودان ، لو تصدوا لهذا المشروع الإسلأـموي و العروبي . و ما يجري في الخرطوم الجنينة نيالا الأبيض و غيرها من جرائم ضد الإنسانية لهي برهان صدق و إخلاص و تضحية من أجل ذلك تحقيق ذلك الحلم الإسلا-موي " العروبي " .
    و لهذا وقف النظام العربي الجديد ، دول الخليج ، بقوة و بدعم ثابت لنظام الأخوان الإنقاذي ، بخاصة دولة قطر و قديما من السعودية و الكويت . و لكن عندما ظهرت قوة شابة وافدة في غرب السودان ، متمثلة في جماعات الجنجويد حيث شبقت بجموح في مشروع العروبة ، برزت لهم دولة الإمارات المشغولة في تمويل الحركات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي ، في إحتضانهم بعجلة متجاوزة الحرس القديم للدولة المستعربة في السودان .
    لذلك يعتقد المرء بأن ما بات يسمى بمنظومة الجلابة هي بمثابة التعبير السياسي للنظام العربي القديم ، لكنها منظومة بدأت في عمومها تصحو من غيبوبة عروبية أبدية ، فعلا بتبني سرديات الكنداكة و السودنة ، و بالتالي ، الميل نحو إعادة النظر في قناعاتها الثقافية و التاريخية الراهنة .
    فهذا الصراع الدائر حاليَا ، دفع جزاء كبيرا من تلك المنظومة لإعادة تشكيل عميق في مشروع السودنة . بينما ، الدعم السريع يعبر بوضوح عن توجهات النظام العربي الجديد و المتمثلة في زعزعة إستقرار و تقويض تاريخ و ذاكرة دولة السودان من أساسها .
    فالدعم السريع هو أحد أدوات الحركة الإسلامية ، المتماهية كليَا مع طموحات النظام العربي الجديد ، لبسط نفوذها الديموغرافي و الثقافي و الديني و السياسي في دول الساحل و السودان . فلذلك تطمح قيادة الدعم السريع في تأسيس دولة تجمع المستعربين في منطقة الصحراء الكبرى . و يتضح ذلك الهدف بشكل عملي في عمليات التوطين الجارية في أقليم دارفور و في بعض مدن وسط السودان .
    فعملية التوطين التي تجرى في دارفور و التمكين الغير معقول لقوات الدعم السريع في أجهزة أمن الدولة وإعادة تموضعها في أماكن إستراتيجية حساسة ، كلها كانت تشير بأن هذة ليست محض إجراءات روتينية بريئة. إنها عملية ضخ دم جديد لمواصلة إستكمال المشروع العروبي و الإسلاموي في الدولة السودانية تحت حماية جيش جديد ، عرقي في تكوينه و موثوق فيه تماما ، بدلا عن جيش سوداني وطني مشكوك دائما في ولائه لتلك النخبة القابضة . و بهذة الطريقة تسطيع هؤلاء الرعاة مواصلة الحلم العروبي في أفريقيا ، نيابة عن النظامين العربيين .
    و من الواضح ، بأن دول الخليج هي من تتبنى هذا الطرح العروبي الجديد ، كما أشرنا في الصلب . ولقد لعبت دولة الأمارات المتحدة ، الدور القيادي حاليَا على مسرح أحداث السودان و دول الساجل الأفريقي . و من المرجح بقوة ، بأن الهدف الإستراتيجي لهذا الحرب ، هو تدمير و تطهير عرقي لقوات الجيش ، ليحل محله جنود المستعربيين و الخلاسيين من الصحراء الكبرى .
    و عندما تكتمل هذة الخطوة الحاسمة ، تأتي المرحلة الثانية ، وهو تأسيس دولة عروبية أو دويلات ، بقوات عروبية جهادية مؤتمنة عليها . و تكون مهمتها القتالية هو : إبادة السود تدريجيا و تعريب من يمكن تعريبهم باسم الإسلام في كل شبر في أفريقيا بالكامل . إن عمليات بوكو حرام و تنظيم القاعدة في دول الساحل هو تمهيد أولي لإكمال ذلك المشروع العروبي و الإستعماري .
    قد يبدو هذا الحديث مبالغا و للبعض نوعا من الشطط ، لكن أية مراجعة خاطفة في سجل التاريخ البائد و الحي ، تثبت هذة الحقيقة ، التي تحقق ببطئ السلاحف في القارة الأفريقية ، فقط لاحظ وجود أقليات سوداء أفريقية في شمال أفريقيا . و من هؤلاء بالذات يتشكل جوج المعربين السود ، في كل الأجزاء الجنوبية لدول شمال أفريقيا ، بدون إستنثناء .
    لذلك ، إنه من السخريات حقا ، أن يتفوق العدو في مكره و فكره الى هذة الدرجة ، ضدنا ، فقط بتطبيق مبدأ سمو اللون الأبيض . و هكذا ، تتم تدمير سود بسود و من سود من أنفسهم ، هؤلاء المعربيين . أنظر فقط في كل شاشات السودان ، لن تجد مذيعة سودانية سوداء " زرقاء " واحدة ، بل تستخدم المساحيق بتعسف واضح ، لجبر الملامح الأفريقية الواضحة لتظهر بيضاء .
    من هم رعاة الجنجويد ، حقيقة ؟ :
    نختتم بطرح هذة الأسئلة المعروفة التي ينبغي عدم تجاهلها في خضم هذة المعركة .
    من الذين أشرفوا منذ البداية ، على تأسيس منظمة الدعم السريع وهل هؤلاء مازالوا موجودون في هرم السلطة السودانية اليوم ؟
    من الذي شرَع للدعم السريع بأن تصبح منظمة عسكرية أسرية لنهب ثروات البلاد ، ثم تستخدم أموال السودانيين لإبادتهم ؟ و ما هي أهدافها الحقيقة ، في ظل وجود مؤسسة عسكرية سودانية ذات قوات مسلحة محترفة ؟ و كيف نثق في منظمة ذات عقيدة جهادية تنقلب فجأة ، بين عشية و ضحاها ، الى منظمة علمانية عميلة ملحدة ، تزعم بأنها تقاتل الإسلاميين ، لكنها مازالت تستخدم آيات القرآن عند ذبحها الأبرياء كما كان يفعلها الإسلاـ أمويين؟
    لكن في ظل هذا الإرتجاج الذهني و الفكري في المواقف السودانية ، أزاء معركة الوجود هذة ، يبدو بأننا نعاني فعليا من العمى الليل . ففي مثل هذة الأحوال العصيبة ، ينبغى أن تكون الرؤية واضحة ، العدو بين و الصديق بيَن و ليس بينهما شبهات . ففي مثل هذة الأحوال التي تسودها العتمة و الضبابية ، وبالتالي التخبط و الشكوك ، ينبغي إيجاد مركب متوازن من الجدية ، الحذر و جرأة الإقدام لسحق أعداء الوطن.
    فلا يجب لأشخاص مثل الفريق البرهان ، الراعي الأول ، لهذة المنظمة أن يكون الشخص المناسب لقيادة البلاد ، وهذة المعركة المصيرية في مثل هذا المنعطف الخطير . فنحن نشبهه، مثل الأب الذي ربى إبنا عاقا ، إلا إنه في عهده ، فتح الأبواب على مصرعيه لسياسة التخضم الجامح لمنظمة الجنجويد . فيما مقارنة بسيطة بين حالة جندي القوات المسلحة و جندي الدعم السريع ، تكشف مدى الإهمال و البؤس الذي أصاب القوات المسلحة ، كأنه تعمَد ذلك .
    وظيفة الجندي أمر في غاية التعقيد ، بالذات في دولة وظيفية مثل السودان ، و قد يكون الفريق البرهان جنديَا متفانيا ماهرا في الرماية كأجداده ،رماة الحدق ، و تلك مهارة تتطلب قدرة فائقة في دقة التوقيت و التصويب ، و هي عملية متأنية قوامها الصبر ، الجلد ، و برودة الأعصاب .
    الجنرال برهان ، يتمتع بجملة ما لتلك القدرات ، إذن لماذا كل قرارته تفتقر تماما لدقة التوقيت و التصويب ؟ الأمر الذي يترك دائما عواقب وخيمة ضد لجيش و مفيدة بلا حدود للدعم السريع .
    و لطالما السودان وقع ضحية في لعبة شائكة في غاية الخطورة ، فإنها بحاجة ماسة لمواقف واضحة و جراحة محدَدة و جريئة مقدامة لإنقاذة . الجنرال برهان قد يكون مخلصا في سودانيته ، نوباويته وظيفته ، لكنه حتما ، تورط في لعبة أدوار قوة قذرة . غير إن وجوده في هرم السلطة في هذة المرحلة ، تضع علامات إستفهام كبيرة حقيقية ، لما وصل عليه البلاد من خطر تفييت محدق و على الشعب أن يستمر بالمطالبة على أجوبة فورية ، لتلك الأسئلة الصعبة .
    و في هذا السياق ، من المنطقي ، النظر بجدية في مؤامرة الإستبدال العظيم ضد الجيش و الوطن .
    غير أن ، الحل بسيط و المخرج وحيد ، لهذة الكارثة الدموية و التخبط الإنتمائ : التخلى نهائيا من الأوهام ، من رأس القمة الى القاعدة ، و التمسك بعزة و قوة بعقيدة السودنة لكل شئ مادي أو غير مادي . فضلا عن تسخير و تعميم كل موارد و مقدرات السودان من بشر و حجر و غيرها ، لمواجهة هذا الخطر الرهيب .
    بالنسبة للتعامل مع واقع هذة المنظمة الوظيفية الشريرة ، علينا أولا أن نعترف بإنها مجموعة مرتزقة ، فيها بعض من المتمردين . لكنها تظل منظمة إرتزاقية ، ليست لها قاعدة شعبية متماسكة و صلبة ، و لا عقيدة وطنية إنما هي أداة لتحقيق أهداف غير سودانية . لتصفية أية منطمة إرتزاقية ، ييجب القضاء مطلقا على مواردها التي تعتمد عليها بتجفيف تام لمنابع تلك الموارد من مال و رجال و إعلام .
    و ينبغي عدم الإستخفاف و الإستهانة بأي عدو كان حتى إن كان جنجويدا وافدا .
    لذلك من المهم ، أن تتوحد كل أفراد الشعب السوداني في الدولة ، من شرقها لغربها و من شمالها لجنوبها بدون قبلية ، و لا جهوية و حزبية و لا طائفية ، إنما نقلة واحدة موحدة ، لحماية الوطن و لخلق دولة دستورية سودانية .
    و إلا سيستمر أطفال السودان و أجيالهم القادمة ، بدفع أثمان باهظة لهذا الجنون .
    فهذة الحلقة المفرغة من الخراب الدموي و الأخلاقي و القيمي ، هي، نتيجة مباشرة منطقية لكراهيتنا لسوادنا . لذا ، فحتى و لو حدث مليون إنفصال ، ستستمر هذا التدمير الرهيب . لأننا ، نمقت و نكره بوعي و بوعي باطني هذا اللون الرباني الذي كرَمنا الله به ، كأننا نريد الفرار منه ، كمن الذي يريد أن يفر من ظله .
    حب الوطن و روح الوطنية تنبع مباشرة من حب النفس و الثقة به ، إنعدامها تعني كراهية للوطن و لمن فيه .
    كيسر أبكر
    mailto:[email protected]@outlook.com


























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de