ربما لا يفهم الكثيرون نظرية انشتاين حول الزمن، ولكن في الواقع هم لا يستطيعون تصورها، لأنها تجعل من الزمن شيئاً، وليس افتراضاً. فالزمن بحسب المفهوم المنطقي هو كالمسافة وكالسرعة؛ أداة قياس افتراضية. الزمن ليس حقيقة بل اختراع بشري لقياس الحدث من منظور التغير والاستمرار. فلا يمكن أن نجعل من السنتيمتر أو المتر أو الطن شيئاً حقيقياً لأننا نحن من اخترعنا وحدات وهمية لقياس المسافة والوزن، لذلك تختلف تلك الوحدات من دولة لأخرى. وكذلك وحدات قياس المساحة والحجم..الخ. حيث يفترض الإنسان وحدات لينظم بها الأشياء مميزاً بعضها عن بعض. لذلك فالزمن لا شيء، فسواء بقى شخص على الأرض وطار توأمه إلى الفضاء فإن حسابات العمر قد تبدو غريبة، لكن لو حللنا حيوية الجسد فلن نجد أي اختلاف بين التوأمين. لأن الزمن هو أداة قياس مفترضة للحدث. أما فكرة الزمن كشيء مستقل، وبالتالي يمكن أن نخترق الزمن بأن نعود إلى الوراء أو نمضي إلى الأمام بآلة زمن أو غيره فهي فكرة لاهوتية. الحدث كحدث هو حالة من التغير، والتغير يحتاج لقياس، نحتاج لقياس شيخوخة الخلية الإنسانية، من حيث القوة والضعف بمصطلحات زمنية كالشباب والكهولة والشيخوخة أو بالأرقام: ثمانية عشر، أربعون، سبعون..الخ. ولذلك فإكسير الشباب لن يعيدنا إلى الوراء، ولن يعمل داخل افتراض الزمن، بل سيعمل داخل الحدث، أي داخل تغيرات الخلية نفسها. لقد كان الإنسان يفهم ذلك في بدائيته، ليحمي أمنه الإقتصادي، الزراعي والرعوي، ولذلك كان يتأمل الأفلاك في السماء، ليعرف الفصول، ليعرف مواسم الجفاف والمطر.. ليعرف أن العشب سينمو وأن الأرض ستقفر وهكذا يرتب أوضاعه على الأرض. كان الزمن مجرد افتراض لينظم به حياته، ويقاوم فناءه. لقد كان احد الأصدقاء من المنبهرين بالنسبية يمارس خطاباً دوغمائياً، وهو يدافع عن نسبية آينشتاين وكأنها دين، رغم أنني لست مهتماً بها. لأن واقعي لا يتحمل الغرق في الخيالات. ولكنني سألته سؤالاً واحداً: هل تقصد بأن الزمن مفارق أي شيء مستقل بذاته. صمت قليلاً ودفعه كبرياؤه للإجابة بنعم. وهنا توقفت عن النقاش، لأن هذا سيجرني إلى أسئلة أخرى تبدو لي شديدة السخف. مثل هل هناك زمن بلا حدث، زمن خارج الزمان والمكان؟ ويبدو انني توقعت إجاباته. هناك روابط كونية، لكنها روابط حدثية ومن هنا يجب أن يفهم الزمن كافتراض مستصحب مع الحدث. وفي مسرحية ثلاثة مهرجين، تناولت ذلك بحوار عميق. هناك دائماً تجاهل للأصل، اي للحدث، والذي لا يكون هناك زمكان بلاه. كما لا يكون من حدث بلا الزمكان. ولكنها ليست محايثة، كما أنها ليست مفارقة، بل هي علاقة لزوم. (يتبع)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست