* إنها سلسلة مقالات تم نشرها، وأعيد نشرها بتصرف، للتذكير بما حدث من الإمارات، عقب سقوط نظام البشير، للسيطرة على صناع القرار في السودان.. وعلينا التمعن في تواريخ الوقائع كي نعرف ما يجري الآن من حرب تؤجج دولة الإمارات أوارها.. مع ملاحظة أن المؤامرة أطلت برأسها في أبريل ٢٠١٩..
* محمد بن زايد كسب رجال الأعمال والعسكر والحكام الجدد فاعتقد أن بمقدوره امتلك السودان كله، ولم يمض طويل وقت من التوقيع على اتفاق سبام جوبا حتى قدم مبارته التي أُطلق عليها (المبادرة الإماراتية لحل مشكلة الفشقة)، في مارس ٢٠٢١..
* قرأتُ ما يقال أنها التفاصيل الكاملة للمبادرة الإماراتية بشأن منطقة الفشقة.. وتأكدتُ من أن المبادرة ليست بالكاملة في حقيقتها، فدائماً ما تنطوي أمثال هذه المبادرات والاتفاقيات على ملاحق يتم تمريرها من تحت الطاولة خشية افتفضاح ما ربما يتمخض عنها من سلبيات يضطر الجانب الأضعف من تمريرها دون أن تظهر على متن المبادرات أو الاتفاقيات..
* والمبادرة الإماراتية سمحة جداً.. وأقولُ قولةَ أخينا الشاعر دكتور عمر خالد:- " سمحة جداً سمحة آية.. السماح بس ما كفاية!" ولن أصل حدود وصفها بسمحة (سماحة جمل الطين!) بالرغم من أن سماحتها تقترب من سماحة ذلك الجمل!
* ففي هذه المبادرة ثقوب تعيد منطقة الفشقة إلى الحالة التي كانت عليها قبل استعادة الجيش السوداني غالبية أجزائها، وهي تشير في مضمونها إلى عودة الجيش السوداني إلى مواقعه السابقة.. فلا غرو في أن أتفق، وبقوة، مع (مجلس الدفاع والأمن) السوداني في إصراره على أن يتم ترسيم الحدود أولاً ثم يأتي الحديث عن (بقية) بنود المبادرة، بعد ذلك..
* ومن عجبٍ أن يقول السيد الوزير خالد سلك عن المبادرة:-"الحكومة استلمت تصوراً من الوسيط يرتكز على ثلاثة محاور، وهو الأقرب لنموذج 1972، بالاعتماد على اتفاقية 1902 لتكثيف الحدود مقابل توفيق أوضاع المزارعين الإثيوبيين في المنطقة..."،
* وحديث الوزير سلك يوحي بأن نموذج ما قبل استعادة الجيش السوداني أجزاء من منطقة الفشقة هو النموذج المطروح في المبادرة وهو النموذج المقبول من جانب الحكومة..
* وربما خُدعنا بتصور أن المبادرة أعطت السودان حقه (الدسِم) في سيادته على منطقة الفشقة، لكن قراءة ما بين السطور تؤكد أن المبادرة حرمته من حقه.. فمثلاً، في جملة "توفيق أوضاع المزارعين الإثيوبيين في المنطقة" الكثير من السم في (الدسِم).. ثم نقرأ جملة أخرى تقول:-"وأن بإمكان المزارعين أن يواصلوا الزراعة كما هو معلوم منذ سنوات طويلة" لتؤكد عودة الجيش السوداني إلى مواقعه و(حق) الإخوة الاثيوبيين في استزراع ما كانوا يزرعونه، منذ سنوات طويلة، من أراضٍ بما يعني حرمان السودان من (حقه) السيادي عليها..
* وتتحدث المبادرة عن ترسيم الحدود وفق ما يحفظ (حق) السودان في أراضيه حسب القانون الدولي.. ثم ينفي السيد الوزير ذلك بالحديث عن إقامة مشروعات تنموية يستنفع منها المزارع السوداني و(الإثيوبي) و(الجهة الممولة)..
* ومن المنطقي أن يستفيد المزارع السوداني من إقامة مشاريع تنموية في الأراضي السودانية، بحكم أنها أراضيه، كما تستفيد الجهة الممولة، بحكم مالها ،لكن بأي (حق) يستفيد المزارع الاثيوبي من تلك المشاريع دون أن تكون الأرض أرضه ولا المال ماله..
* يُفترض أن يكون السودان هو الذي يحدد إعطاء الإخوة الإثيوبيين (حق) الاسنفادة أو منعها.. أما إقحام المزارع الإثيوبي بهذه الصورة، فإن فيها ما فيها من تغول على سيادة السودان على أراضيه ومنع (حقه الكامل) في التصرف في منطقة الفشقة متى أراد تنمية المنطقة وفق استراتيجياته المستقبلية..
* وهذا يقودنا للحديث عن المدى الزمني المرصود (لسيطرة) الإمارات على المنطقة والمناطق المجاورة عبر الشركات الزراعية و السكك الحديدية وإنشاء الشوارع بنظام ال TOLL، أي رسوم عبور الشاحنات وغيرها من العربات.. وسوف نتطرق لهذا في الحاشية إنشاءالله..
* لك، أيها القارئ أن تركز على آخر كلمتين في الآتي: " استغرق الأمر فترة من الزمن عبر دراسات ونقاشات متعددة تمت بزيارات مكوكية ما بين الخرطوم وأديس أبابا وأبوظبي، إلى أن وافقت الدول الثلاث على الشكل النهائي للمبادرة بما يحفظ الحقوق."
* فعن أي حقوق تتحدث هذه الجملة.. حقوق من تقصد المبادرة الإماراتية؟ إنها جملة فضفاضة تعطي الآخرين حق الشراكة مع السودان في منطقة الفشقة، دون أن توضح ماهية تلك الحقوق..
* وتتحدث المبادرة الإماراتية، كذلك، عن تخصيص نسبة من الأراضي للمزارعين الإثيوبيين بعقودات ملزمة مع الشركة (الإماراتية السودانية) ويؤخذ في الاعتبار المزارعون الذين كانوا (أصلاً) يزرعون في المنطقة منذ سنوات طويلة، وتوفر الشركة مساحة مماثلة للمزارعين السودانيين الذين كانوا يزرعون (أيضًا) في المنطقة..
* كيف تتسق جملة (مزارعون سودانيون، يعطون مساحات مماثلة للمزارعين الإثيوبيين، مع ما تؤكده المبادرة في: " الاتفاق أكد على سودانية منطقة الفشقة"؟! أي أن المزارعين هم أصحاب الأرض..
* ربما انتابتك الريبة من صدقية وعدالة المبادرة، ودفعتك للتساؤل عن أسباب استماتة الإمارات للحصول على قبول حكومة السودان بهذه المبادرة بشرط من الشروط..
* لقد ربطت الإمارات إعفاء ديونها ديونها على السودان بقبول حكومة السودان للمبادرة لابتزاز الحكومة؛ وهذا ما أكده وزير المالية قائلاً:" الإماراتيون يريدون حسم النقاش حول الأمر قبل الإعلان عن أي التزام ( بحذف الديون)".
* والعارفون ببواطن أطماع الإمارات في القرن الإفريقي لا يستغربون في ما نصت عليه المبادرة من نية الإمارات ب(الزندية) لتحقيق تلك الأطماع كما جاء في ما كشفته وثيقة المبادرة الإماراتية وأنقل أدناه، دون أي تدخل مني،
ما يريكم الجزء أدناه إلى أين تتجه أهداف الإمارات، فيقول:-
""..... إن الإمارات ستقوم ببناء خط سكة حديد جديد (standardGauge) من بورتسودان للقضارف والقلابات مع توفير كل القطارات والعربات لعمل هذا الخط.
كما تقوم الإمارات ببناء خط سكة حديد من القلابات لولدايا في اثيوبيا . وبما أن إثيوبيا قد بنت خط سكة حديد من جيبوتي وحتى ولدايا فسيصبح هذا الخط من جيبوتي (المحيط الهندي) وبورتسودان (البحر الأحمر) ويتيح الفرصة لكل من السودان وإثيوبيا باستخدام أي من المينائين حسب احتياجاتهما. ويصبح هذا من أوائل الحلم الأفريقي لربط كل المنطقة عبر السكة حديد.
أشارت تفاصيل المبادرة إلى أن إدارة خط السكة حديد تتم بواسطة شركة إماراتية سودانية بنظام تجاري، على أن تقوم الشركة بإعادة تأهيل طريق بورتسودان كسلا /القضارف، وبناء شارع جديد من القضارف إلى القلابات.. فيما تتم إدارة الطريق القومي بنظام الـ Toll (رسوم عبور).
المبادرة أشارت أيضاً بأن تقوم الإمارات ببناء مطار في المنطقة لتسهيل السفر وترحيل الصادرات. ويبلغ الاستثمار الكلي 8 مليار دولار.""!!
* في الإستثمار الأجنبي المباشر ضرائب غير محسوبة يدفعها البلد المضيف، يجب التنبه إليها ووضعها في الحسبان.. فليس كل ما يلمع ذهباً.. وغالباً ما يضع المستثمر شروطاً مجحفة وسلبيات أخرى غير منظورة ، في الملاحق، تحت الطاولة، ويقبلها ممثلو البلد المضيف بكل ترحاب..
* وغالباً ما يكون ممثلو البلد المضيف متحمسين للحصول على العملة الصعبة لدرجة العمى عن رؤية السلبيات حتى وإن بدت لهم..
* ماذا يعود لكل من السودان وإثيوبيا والإمارات عند قبول تلك المبادرة وتنفيذ بنودها..؟
* ماذا يعني تسمية الشركة شركة الإمارات والسودان؟ من التسمية نستنبط أن رئاستها سوف تكون في الإمارات..
* و حسب مايقول صندوق النقد الدولي، يونيو 2001):- "" يمكن للمستثمرين الأجانب المتطورين تجريد الأعمال من قيمتها دون إضافة أي بديل. ويمكنهم بيع أجزاء غير مربحة من الشركة للمستثمرين المحليين الأقل تطورا. ويمكنهم استخدام ضمانات الشركة للحصول على قروض محلية منخفضة التكلفة. وبدلا من إعادة استثمارها، فإنها تعيد الأموال إلى الشركة الأم. ""
سحبت الإمارات مبادرتها في مايو الماضي ولم تسحب أطماعها!
عثمان محمد حسن
* ضاق الإنقلاب على البرهان.. خزينة وزارة المالية خاوية.. سُدَّت أبواب المنح الخارجية مغلقة، والرسوم والجبايات الداخلية لا تحرك دولاب الانقلاب.. ما ألزم البرهان للسفر إلى الخليج لتسويق أراضي السودان بأبخس الأثمان، مبتدئاً بالإمارات.. فهو يعلم أطماعها في الاستحواذ على ميناء بورتسودان، كما يعلم تطلعاتها للإستحواذ على أخصب أراضي السودان..
* ولما كان ولي عهد الإمارات يعرف ما في سريرة البرهان، بادَرَه بالحديث عن ( إقامة المشروعات التنموية في السودان، وبناء شراكات استراتيجية مع السودان، الاستثمار في الزراعة والموانئ البحرية، تطوير السكه حديد)..
* وبذلك أراد محمد بن زايد تحقيق أهداف المبادرة الإماراتية حول منطقة الفشقة، وهي أهداف قرأ شرفاءُ الشعب والجيش السوداني نصوصَها فرفضوها جملةً وتفصيلاً، ما أجبر الإمارات على سحبها، قبل الإعلان عن رفض السودان لها!
حاشية... حاشية... حاشية... حاشية...
* أبرز ما في نصوص المبادرة الموؤودة هو:- 1- إنسحاب الجيش السوداني إلى وضع ما قبل نوفمبر 2020.. 2- تقسيم الفشقة بنسبة 40% للسودان و40% للإمارات و20% للمزارعين الإثيوبيين تحت مشروع استثماري تقيْمه الإمارات.. 3- إنشاء شراكة (إماراتية- سودانية) برأسمال يبلغ 8 مليارات دولار للاستثمار في مساحة 1.2 مليون فدان بعد ترسيم الحدود والاعتراف بأن تصبح المنطقة كلها سودانية وتحت قوانين ولوائح الاستثمار في السودان، 4- تقوم الشركة الإماراتية- السودانية بتطوير البنى التحتية في كل المنطقة وإقامة طرق وكبارٍ وسدود لحصاد المياه، فضلاً عن استصلاح الأراضي وبناء المخازن والصوامع.. 5- تنشئ الشركة مصانع تحويلية للنسيج والعصر، والصناعات التحويلية المختلفة بما يحقق القيمة المُضافة. . 6- تبني الشركة خط سكة حديد حديد من بورتسودان إلى القضارف والقلابات مع توفير كل القطارات والعربات لعمل هذا الخط، كما تقوم الإمارات ببناء خط سكة حديد من القلابات لولدايا في إثيوبيا... 7- تقوم الإمارات ببناء مطار في المنطقة لتسهيل السفر وترحيل الصّادرات 8- يتم تخصيص نسبة من الأراضي للمزارعين الإثيوبيين بعقودات ملزمة مع الشركة الإماراتية السودانية، ويؤخذ في الاعتبار المزارعون الذين كانوا يزرعون في المنطقة منذ سنوات طويلة.. كما توفر مساحة (مماثلة) للمزارعين السودانيين الذين كانوا يزرعون أيضًا في المنطقة.! 9- تنص المبادرة على أن تعمل الشركة مع جميع المزارعين بنظام الزراعة (التعاقدية)، وتتفق معهم على (زراعة المحاصيل بدورة زراعية) متفق عليها على أن توفر الشركة للمزارعين تحضير الأرض والبذور.. السماد.. الحصاد.. التخزين والتسويق.. * بالرغم من نص المبادرة على الاعتراف بأنّ منطقة الفشقة أرض سودانية، إلا أن المبادرة دعت لإنسحاب الجيش السوداني إلى وضع ماقبل نوفمبر 2020.. وساوت النسبة المستحقة للسودان بالنسبة المستحقة للإمارات في الفشقة ب40% لكلٍ..
* يحمد لعضو مجلس السيادة مالك عقار رفضه للمبادرة بقوله:- " ده كلام فارغ!!" * دافع بعض وزراء ومستشاري قحت باستماتة عن المبادرة رغم عيوبها الواضحة، فسقطوا في امتحان الوطنية.. * لم تيأس الإمارات في تحقيق أطماعها في السودان باستخدام أساليب أخرى للوصول إلى نتيجة قريبة من بعض ما جاء في بنود الميادرتها الموؤودة.. وذلك ما سوف تكشفه لنا الحلقات القادمة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة