تقول الطرفة ان مجموعة من المفكرين العرب جلسوا يوما يتداولون في البحث للاتفاق على شخصية تتمتع بكل مقومات القيادة التي يمكن ان تلتف حولها الجماهير العربية بعد خلو الساحة برحيل عبد الناصر.. فاختلفت الآراء وتباينت الرؤى وبات أمر الاتفاق ضربا من الاستحالة وبينما كان القوم غارقون في البحث عن الشخصية القيادية صرخ احدهم على طريقة ارخميدس وجدتها وجدتها فالتفت اليه الجميع يسأله عن الذي وجده فأجاب وجدت الشخصية التي تتمتع بكاريزما عالية يمكن ان تلتف حولها الجماهير العربية من المحيط الى الخليج فسألوه بصوت واحد من هي من هي ؟ فأجاب ليلي علوي !.
(2)
نعم ربما تصنف هذه ككوميديا سوداء ساخرة ولكن الطرفة بتفاصيلها تعكس حالة التيه والضياع وربما الذل والهوان الذي يعيشه السودان ونحن البجا ( 2023) لسنا استثناءا من هذه القاعدة سيما حينما نتحدث عن خلو الساحة من القيادات المخلصة الواعية الخدومة التي يمكن أن تنجذب اليها الشعوب تلقائيا . تدليلا على ذلك أقول انني حينما عبرت البحر مع من عبر الى المنفى في نهاية السبعينات بعد أن أجتاحت القوم حمى الاغتراب تركت ورائي مؤتمرا واحدا للبجا وحينما عدت ربما بعد أربعة عقود من الزمان وجدت ما يقارب السبعة مؤتمرات .
(3)
الذي يسترعي الانتباه فيها ان هناك قاسما مشتركا اعظم يجمع الجميع على صعيد واحد وهو أن ألسن كل هذه الفسيفساء تنطق بأهداف واحدة (قص ولصق) ولكن المثير العجيب هنا ان نفس هذه الألسن تتهم الآخرى بالخيانة والارتزاق وبيع القضية .
(4)
هذه الصورة ربما تعكس المشهد السقيم لكل الأحزاب السياسية الكبيرة والفكة التي لم تقنع أحدا بأنها تخوض صراعا فكريا بقدر انغماسها في صراعات ضيقة على المصالح الذاتية ويبدو ذلك جليا في تشظيات وتمزقات الأحزاب الكبيرة ولذلك لا نستطيع تفسيرها بأنها ظاهرة صحية مهما كانت المعايير. لكن هذا الحال يبدو أكثر بؤسا وسقامة في ولايات الشرق التي تعيش منذ رفع علم الاستقلال واقعا مزريا من التخلف والتهميش مصدره المنبع قبل أن تساهم في تعميقه في المصب قيادات خيال المآتى المصنوعة خارجيا والمدفوعة داخليا بتروس المصالح الذاتية الضيقة بالذات خلال فترة الإنقاذ اللعينة والتي أحدثت شرخا كبيرا في نسيج المجتمع البجاوي .
(5)
الذي بات قناعة في التعرف على خصائص الطابع القومي في مجتمعنا هو حب السلطة والزعامة من المهد الى اللحد . نحن قوم نعشق السلطة ولا نستطيع مقاومة اغرائها وحبنا لها أشبه بحب سجله التاريخ عن علاقة هيام لشاعر جاهلي اسمه المنخل اليشكرى تجاه (المتجردة) وهي زوجة النعمان بن المنذر(اشهر ملوك المناذرة قبل الإسلام) حتى بلغ به الحال أنه قال فيها (واحبها وتحبني وتحب ناقتها بعيري ) .
(6)
أحد القيادات المصنوعة احترقت أوراقها بعد الإنقاذ ورغم ان إنجازها لم يتجاوز (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ) الا انها لا زالت (تكابس) في ساحات سوق الله أكبر ..اضافة الى ذلك ظاهرة حب للكلام والخطب والتنظير في أوساطنا والتي هي أكثر من العمل والانجاز فاللقاءات والمهرجانات تصنع صنعا وصولا الى الغاية المرجوة وهي الجعجة دون طحين في مشاهد أشبه بالبوبار ال Show فاذا كان الحضور مائة فالمتحدثون أيضا مائة بالتمام والكمال .
(7)
رغم أن بلادنا مصنفة بالأكثر تخلفا في العالم ورغم ان الحال يغني عن الكلام في تدني البيئة وشيوع الامراض وشيوع الفقر والأمية وضعف وعجز مواعين العلاج وتفشي أمراض سوء التغذية وصفرية الانتاج فان مهرجانات التكريم تسد الأفق بكاميرات تلتقط صورا لبشر يرسمون ابتسامات عريضة على الوجوه ويحملون كؤوسا وشهادات تكريم فوق المنصات وتحت المنصات وفي كل مكان فتتسائل محتارا ترى أي جديد في الساحة في هذا البلد الذي تمزقه الحروب الاهلية ويعتصره الجوع والمسبغة يبرر مهرجانات التكريم الصاخبة والوجوه الضاحكة ؟ ماذا تغير وماذا انجزه قوم نصف تعداده يحيط بستات الشاي احاطة السوار بالمعصم يتجرع أكواب القهوة والشاي آناء الليل وأطراف النهار ؟
(8)
تتمنى من كل قلبك أن تنخرط جيوش العطالى التي تقتل الوقت في لعب (الورق) تحت رواكيب الوحدة وديم العرب صباحا ثم يشنفون آذاننا مساء بهتافات (بجا دولة وبجا حديد) أقول تنخرط في مراكز التدريب في الميكانيكا والخراطة والكهرباء والسباكة وأعمال الدهان التي امتهنها للأسف (حد الاحتكار) قادمون من واق واق السودان حتى مهن التجارة في الماء المحمول فوق عربات الكارو وبيع الألبان والخضروات سطا عليها من عبر الحدود حتى تكون بجا دولة بجا حديد فتأمل ! حتى أصبحنا قلة في منطقتنا ووسط أهلنا الذين يحتلون دون منازع الأكثر قبولا للتعايش السلمي وقبول الآخر في السودان . هل نحن الذين تأكل (الكدايس) عشاها ؟
(9)
في هذا الزمن الأغبر الذي يكون السودان فيه او يفنى فان الأمة في حاجة الى وحدة الموقف ووحدة الصوت وهناك مساعي لطي صفحة الخلافات التي انتهت بفرقة وشتات الا أنها رغم احترامنا لها أشبه بالأطفال (الخدج) الذين ولدوا قبل أوانهم فهي ليست شاملة وكاملة وجامعة لكل الكيانات سيما فان المكون الرئيسي وهم الهدندوة ورمز القيادة ترك ليس طرفا فاعلا فيها مما يجعل هذه الجهود رغم حسن النوايا في مهب الريح .
(10)
هناك جفوة مفتعلة بين القيادات الأهلية والمجلس الاستشاري والذي يضم في صفوفه صفوة العلماء والخبراء في شتى المعارف والتخصصات الذين يشكلون إضافة حقيقية لبناء مستقبل أكثر اشراقا في ولايات الشرق فما هو سبب الفرقة ؟ الإجابة حسب علمي ان المجلس الاستشاري لم يترك بابا الا طرقه ولا حجرا الا قلبه نحو المصالحة والتنسيق ولكن جهوده وللأسف لم تجد آذانا صاغية ولا أزيد .
(11)
اذا جاء كلامي هذا بطعم العلقم فلأنه لم يضع اليد على الجرح النازف فحسب بل غرس السكين في اللحم الحي حتى بلغ العظم فالزمن زمن أنتهى عمره الافتراضي والتحديات شارعة راياتها فإذا كان حاضرنا ومستقبلنا في كف عفريت فأسألكم بالله الذي خلقكم ثم صوركم فأحسن صوركم من غيرنا أكثر حاجة للبحث عن الكيانات الكبيرة الجادة التي هي طوق النجاة الوحيد لنا في الاعصار الذي يقترب منا بشدة ؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
حسن ابوزينب عمر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست