(١) ورد في الأخبار عن إعلام مجلس السيادة الإنتقالي ما يلي: " رئيس مجلس السيادة يصدر مرسوماً دستورياً بإلغاء قانون قوات الدعم السريع" و " رئيس مجلس السيادة يصدر مرسوماً دستورياً بحل قوات الدعم السريع". وكالعادة تعذر الحصول على هذين المرسومين الدستوريين المزعومين، لأنهما لم ينشرا في الجريدة الرسمية حتى يصبحا تشريعان نافذان معلومان للكافة، بسبب أنه ليس هناك وزارة عدل لتضطلع بهذه المهمة، ولأن الجريدة الرسمية نفسها غير موجودة، ولا يعرف إن كان هناك نسخة إلكترونية مكتملة منها أم لا، وهل أصبحنا شعباً بدون ذاكرة تشريعية وبدون قوانين بعد حرق النسخة الورقية منها بقصف وزارة العدل وتحويلها إلى ركام، أم مازالت لدينا مثل هذه الذاكرة. فغياب القوانين والأدوات التشريعية، من سمات غياب الدولة، بإعتبار أن القوانين تعتبر تقنيناً للمشروع وللإرادة السياسية، حيث ظهر القانون والدولة مترافقان في معرض التناقضات المستعصية على الحل في التاريخ البشري. وبالرغم من غياب المراسيم في ذاتها وإقتصار أمرها على خبر صحفي، طفق الناس في مناقشة أثرها، ولمصلحة النقاش سوف نفترض أن هذه المراسيم صدرت فعلاً وبأرقام وأسانيد لمرجعية دستورية مثبتة في بدايتها، ووقعت نظامياً، و أن محتواها هو ما نشر من قبل إعلام مجلس السيادة الإنتقالي غير الشرعي، حتى نرد على السؤال الذي يشغل بال الناس: هل تم فعلاً حل الجنجويد؟ (٢) للرد على هذا السؤال، لا بد من الإجابة على سؤال آخر هو: من أي مرجعية تستمد مليشيا الجنجويد وجودها وشرعيتها؟ والمعلوم هو أن أول أداة تشريعية شرعنت المليشيا هي "قانون قوات الدعم السريع لسنة ٢٠١٧، الذي أصدره المجلس الوطني للإنقاذ ووقع عليه رئيس الجمهورية المخلوع، عملاً بأحكام دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة ٢٠٠٥، الصادر بتاريخ ١٥/٢/٢٠١٧م، والذي نصت المادة (٦-١) منه على ما يلي: " تنشأ قوات تسمى "قوات الدعم السريع تتبع للقوات المسلحة وتعمل تحت إمرة القائد الأعلى". لاحقاً أصبحت هذه القوات مشرعنة على مستوى دستوري بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة التي كان شرعنة الجنجويد على مستوى دستوري أحد أبرز عيوبها، حيث نصت مادتها (٣٥) صراحةً على ما يلي: " (١) القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية". وبذلك أصبح وجود هذه القوات الغريبة والمليشيا المؤسسة لقمع وقتل ونهب معارضي الإنقاذ، وجوداً شرعياً دستورياً وقانونياً. ولإفقادها هذه الشرعية الدستورية والقانونية، لا بد لمن يقوم بإلغاء مصادر شرعيتها من سلطة تخوله ذلك. وبكل أسف قائد الإنقلابات المزمن الذي أصدر المراسيم الدستورية بإلغاء القانون الذي يكسب المليشيا شرعيتها ومن ثم حلها، ليس لديه سلطة التشريع التي تخوله الحق في الإلغاء أو الحل، بمستوى يجعل مرسوميه المزعوم أنهما دستوريين، بلا قيمة دستورية أو قانونية وهما والعدم سواء من هذه الناحية لبطلانهما. (٣) فالجنرال الإنقلابي المزمن عند قيامه بإنقلابه في أكتوبر ٢٠٢١م، آثر من باب الخداع والتضليل الحفاظ على الوثيقة الدستورية المعيبة كدستور حاكم للبلاد، بغرض الادعاء أن حركته حركة تصحيحية وليس إنقلاباً حتى يتمكن من تعويمها، وقام فقط بتعليق العمل بالمواد ١١، ١٢، ١٥، ١٦، ٢٤-٣، ٧١، ٧٢. ج. من الوثيقة الدستورية المعيبة وحل مجلس السيادة الإنتقالي و إعفاء أعضائه وحل مجلس الوزراء. والواضح أن المواد المعلقة، لا تشمل المادة (٢٥-١) من الوثيقة الدستورية المعيبة، التي حددت على سبيل الحصر من له سلطة التشريع حين نصت على ما يلي: "(١) تكون للمجلس التشريعي الإنتقالي الإختصاصات التالية: (أ) سن القوانين والتشريعات". و أعطت الفقرة الثالثة من هذه المادة سلطة التشريع على سبيل الإستثناء لمجلس السيادة والوزراء مجتمعين لحين تكوين المجلس التشريعي الإنتقالي، الذي نصت المادة (٢٤-٤) على وجوب تكوينه في فترة لا تتجاوز تسعين يوماً من توقيع الوثيقة الدستورية المعيبة. أما المادة (٧٨) من الوثيقة المذكورة ، فقد نصت حرفياً على ما يلي: " لا يجوز تعديل أو إلغاء هذه الوثيقة الدستورية إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الإنتقالي". وهذه النصوص مجتمعة، تؤكد أن مرسومي إلغاء قانون الدعم السريع وحله، غير دستوريين ولا قيمة لهما من ناحية قانونية لما يلي من أسباب: سلطة التشريع مقتصرة على المجلس التشريعي الإنتقالي فقط ولا سلطة لرئيس مجلس السيادة حتى في حال مشروعية منصبه – وهو غير شرعي الآن حتماً- في إصدار القوانين. سلطة التشريع الإستثنائية أعطيت لمجلس السيادة ومجلس الوزراء مجتمعين ولفترة تسعين يوماً فقط إنقضت حتى قبل إنقلاب جنرال الإنقلابات المزمن المشئوم في أكتوبر ٢٠٢١م، والمرسوم لم يصدر من هذين المجلسين. المجلسين المخولين بسلطة التشريع الإستثنائية تم حلهما عند إنقلاب أكتوبر ٢٠٢١م ولا وجود لهما ليشرعا أصلاً، وبحلهما فقد الجنرال الإنقلابي صفته كرئيس لمجلس السيادة الإنتقالي، الذي لم تعطه الوثيقة الدستورية أية سلطة للتشريع. حل الجنجويد يستلزم إلغاء نص المادة (٣٥) من الوثيقة الدستورية وسلطة الإلغاء لا يمتلكها الجنرال الإنقلابي. إلغاء قانون الدعم السريع يستلزم وجود سلطة تشريعية لها شرعية، والجنرال الإنقلابي في متاهته وإنفصاله عن الواقع لا يمتلك هذه السلطة حتماً. (٤) ولعله من المفيد أن نوضح ما يستلزمه حل الجنجويد من إجراءات حتى يكون صحيحاً، ونلخص ذلك فيما يلي: سلطة تشريعية ثورية مكونة من القوى المدنية التي أنجزت الثورة، يكون لها سلطة إلغاء الوثيقة الدستورية المعيبة وتشريع وثيقة دستورية جديدة، للتخلص من نص المادة (٣٥) الكارثي الوارد بالوثيقة الدستورية المعيبة الذي شرعن مليشيا الجنجويد دستورياً ووضعها على قدم المساواة مع القوات المسلحة. إصدار قانون من نفس السلطة التشريعية بإلغاء قانون قوات الدعم السريع لإفقاد المليشيا أي شرعية قانونية. تفويض القوات المسلحة الواحدة وليس الموحدة بعد إعادة هيكلتها تحت قيادة مفصولي الخدمة العسكرية وبدعم الشارع الثائر، بمهمة تجريد المليشيا من السلاح وتسريحها وإعادة إدماج السودانيين من أفرادها في المجتمع بواسطة الحكومة المدنية الإنتقالية. تجريد المليشيا من خطابها السياسي التضليلي حول الديمقراطية بقيام حكومة مدنية إنتقالية تؤسس لتحول ديمقراطي، والإستعانة بالمجتمع الدولي في حلها في حال رفضها الحل، بعد إفقادها المشروعية بصدور الوثيقة الدستورية الجديدة وإلغاء قانونها بصورة شرعية. و ربما يتساءل سائل حول مدى أهمية مرسومي الإلغاء والحل طالما أنهما بلا قيمة قانونية، والإجابة هي أنهما قراران سياسيان صادران من الحركة الإسلامية المختطفة للقوات المسلحة لتحقيق أهداف سياسية محضة، منها تجريد المليشيا من شرعيتها لدفع المجتمع الدولي دفعاً لمعاملتها كمليشيا متمردة بلا شرعية قانونية ودستورية، كذلك إستباق أي مفاوضات معها بمنعها من رسملة وضعها الدستوري والقانوني من خلال المفاوضات، وأيضاً مغازلة جماهير الشعب السوداني الذي بح صوته مطالباً بحل الجنجويد، بالإضافة إلى إستخدام الحل كسلاح في مواجهة المعارضين للحرب الرافضين للتعبئة وإتهامهم بدعم المليشيا عبر التشكيك في صحة إجراءات الحل وعدم جدية القرارات وإفتقارها للصحة. والمطلوب هو الإستمرار في المطالبة بحل الجنجويد مع عودة العسكر للثكنات وطرد الإثنين من المعادلة السياسية. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! ١٨/٩/٢٠٢١م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة