*لم يضع شرف أرضنا ولم يدنسه أحد، فما زالت عذراء كأم عيسى، وبتولا كمروجها، وطاهرة كأنهارها، وبكرا كجبالها، وصحاريها وغاباتها، وسمحة كرمالها.. الذي ضاع بين "الجيم" والجواد، والقبيلة والعشيرة، والبوت والدبابة، والطائفة وأحزاب الولاء والبراء، وما بين العمائم واللحى، وحاكمية الأنبياء الكذبة، هو شرفنا الوطني المغتصب، وسيادتنا المنتهكة، وأراضينا المحتلة، وكرامتنا المهدورة، وعزتنا المهانة، وحريتنا السليبة، وأحلامنا الضائعة، وآمالنا المصادرة، وثرواتنا المنهوبة، لقد استفرد بنا "الجراد الملتحي" بليل بهيم، ونحن غارقون في نومنا البريء، فلم يسفر لنا صبح بعد.* *كم يخيفنا صمتنا حين يسكننا، وكم يحزننا ضعفنا حين يكبلنا، وحين تبدو اللحظة دهرا، وكأن الزمن قد تبخر في الفراغ والعدم، يا رب المجرات، وأنبياء الحرية، ورسل الإنسانية، كم هي كبيرة خيباتنا، ونكباتنا، وانكساراتنا، وما أتعس أفراحنا الوهمية، وسعادتنا الخادعة، وآمالنا المصادرة، وأحلامنا المؤودة، وضحكاتنا البلهاء، وابتساماتنا المستعارة ومجاملاتنا الكذوبة، وجراحاتنا الغائرة، وقيمنا وثوابتنا الزائفة، كثيرة هي إحباطاتنا، وهزائمنا، ونكساتنا،* *وما أسخف الإدعاء الزائف بالدفاع والذود عن (الشرف) حين يتجسد في متعة عابرة، وما أضيع ذات الشرف واتعسه، حين يدوس عليه التتار الجدد بحوافر جيادهم، ويتم انتهاكهه بين السرج والصريمة على مرأى ومسمع من رجولتنا المخصية، وما أكبر هزائمنا وأعظمها حين تكون ارضنا مستباحة، و(شليلنا) راح (أكلو) التمساح، ولا أحد يتجرأ من تجار الوطنية وعبدة السلطة والمال أن يرفع سيف العز وحراب المروءة ويثأر، ف(الدودو) قد أخذ حصته هو الآخر من كرامتنا وعزتنا وعرضنا ونيلنا وخيراتنا، لقد تلاشت معالم جغرافية أرضنا، وتغير كل شيء فيها، حتى صارت لا وجود لها، إلا في خزين ذاكرتنا المتعبة. ما أتعسنا نحن كشعوب كتب عليها حياة الفقر والجوع والمسغبة والتشرد والضياع، حتى باتت الدولة بأكملها مكتئبة ينعق فيها البؤس.. ويسكنها الخراب، وتتشح بأحزان الثكالى، ومع كل ذلك العسف والظلم والهوان، فمازلنا في إنتظار (غودو) الذي لن يأتي أبدا. ويا بئس أمة باعها الخونة من نخبها بأبخس الأثمان، وأصبحوا عبدة للمال، وسدنة للسلطان. وفي ذات الوقت، يا لها من مفارقة مذهلة، تجمع بين نقيضين يستعصيان على كل مقاربة تخضع لقواعد المنطق وفرضيات التبرير، هنا شباب على ضفة الخيانة وشاطيء النفاق والعقوق الوطني، يدافعون عن الإستبداد والطغيان لتحقيق أحلامهم الصغيرة، ويرفضون في إصرار واعي أن ينزعوا عن رقابهم قيود العبودية، وسلاسل الذل والهوان. وهناك في الضفة الأخرى من نهر البطولات والفداء، شباب على استعداد أن يدفعوا أرواحهم، ودمائهم رخيصة من أجل الحرية للجميع، بما فيهم أولئك العبيد باختيارهم، والذين يتذللون في إصرار عنيد لتحسين شروط عبوديتهم، وكلهم رضعوا من ثدي ذات الأرض، من قال ان بطن الأرض "بطرانة" فقد أصدقنا القول. المجد لذاك الفتى في عليائه الذي سالت دماؤه وروت أمه الأرض، ليذكرنا دائما أن مهر الحرية فداء، "وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق"، لقد سمع العالم كله قوة تلك الطرقات وصخبها، وقريبا ستفتح تلك الأبواب على مصرعيها، ونستنشق جميعنا هواء الحرية العليل، وهذا وعد صادق من الذين صعدت أرواحهم الى ذرى المجد.*
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة