يتفق الكثيرون معي في أن جذور مشاكل السودان ثقافية في المقام الأول و أن أسبابها تعود لصراعات هوية أخرت بوتقة الحس الوطني و القومي الموحد. بيد أن الصراعات السياسات المحلية و الأطماع العالمية فاقمت المشكلة و إختلطت الأوراق على الشعب البسيط فزادت من ضبابية الرؤية. مواصلة للمد الثقافي الثوري و غزل نسيج الأفكار، لابد من رسم خارطة ثقافية للسودان الجديد بعد الحرب. ستظل رؤيتي ذاتية و شخصية و ربما طموحة أكثر من اللازم. لكنها ربما تكتسب موضوعية و عمومية بالحوار و التنقيح بالحذف و الإضافة أو بناء رؤى موازية. على كل حال، هذه مساهمة لفتح نفاج بين الثقافة و السياسة لكنها تحتاج لمزيد من الهمة و الصدق لهدم الجدار العازل بين الثقافة و السياسة و كثيرا من الجدية و العمل الجماعي لتصميم بوابة تليق بهذا النفاج.
المشروع الثقافي لابد أن تتصدر الثقافة المشهد في وطن عجز السياسيون و رجال الدين و الأكاديميون و العسكر عن الحفاظ على وحدته.
إن تقدم الثقافة لقيادة التغيير الديمقراطي حتمية لابد منها لأنها معنية بالوعي الجماهيري و التنوير. فطالما لا ديمقراطية بدون شعب ديمقراطي و لا شعب ديمقراطي بلا وعي وجب على المثقفين قيادة المرحلة تكليفا ببرامج وعي توازن بين كفتي الوحدة القومية الوطنية و التنوع الإثني الثقافي.
مساهمة الثقافة الإنتقالية لكي يتسنى لنا الدخول لمرحلة ثورية وطنية من أوسع الأبواب، لابد أن نكثف العمل الثقافي و أن تكون مساهمات المثقف في إدارة الفترة الإنتقالية مؤتلفة في وحدة موضوعها الرامي إلى السلم الإجتماعي و مختلفة نوعيا في أطروحاتها. قد يسوقنا هذا السياق إلى إقتراح مرحلة خالية من التنافس حول الحقائب الوزارية تماما. على أن يكون البديل بيوت خبرة طوعية إسفيرية لتأسيس حكومة خبرات أو حكومة ظل إلكترونية إنتقالية. هذه البيوت المقترحة تشمل مشروعات الوعي الآتية:-
مشروع الوعي الآيديولوجي حتى يقوم السودان الجديد على دعائم إنسانية عامة و سودانوية خاصة لابد أن نبني وعينا و طريقة تفكيرنا على رؤية آيديولوجية إنسانية المضمون و سودانية الملامح. فماهي الآيديولوجيا؟ كيف يفكر غالب الشعب السوداني و ما هي القواسم المشتركة في طريقة التفكير السوداني؟
مشروع الوعي الدستوري الوعي الدستوري هو حجر زاوية تصميم و بناء الدستور السوداني الدائم، لأن الدستور هو العقد الذي نتعاهد فيه على التعايش السلمي و نحقق بموجبه مطالب الثورة التي هتف بها الثوار و أولها بالترتيب العدالة التي تحقق السلام لنحلق في فضاءات الحرية. فماذا تعني لنا كلمة الدستور؟ و ما هي أهميته و كيف نتوافق على عقد إجتماعي مفهوم و مهضوم للمجتمع يقودنا جميعا لدولة القانون المرجوة؟
مشروع الوعي المؤسسي إذا كان الدستور أساس دولة القانون فالرؤية المؤسسية تؤسس و تقنن العمل الجماعي و تبين الحدود الفاصلة بين القطاع العام و الخاص. بموجب هذه الرؤية تُسمى المؤسسات و تُرسم هياكلها و تفصَّل لوائحها و نظم إدارتها و علاقات إنتاجها و خدماتها.
مشروع السلم الإجتماعي كل المشروعات السابقة هدفها رفاهية المجتمع و لن تكون هذه الرفاهية إلا بتعزيز السلام المجتمعي. عبر الفنون التقليدية و الإبداعية و الإحتفاء بوحدتنا؛ عبر مصالحة إجتماعية و خرطة زمنية إحتفالية مرسومة على طول الفترة الإنتقالية؛ عبر مهرجانات تقام في كل الولايات حتى يتعارف الشعب السوداني عبر منتوجه الثقافي.
مشروع الوعي التنموي ما هي التنمية و كيف تقود التنمية البشرية لتنمية الفرد و المجتمع و تنمية إقتصادية أساسها الزراعة و الصناعات التحويلية؟ المخرجات الإفتراضية تتمثل في الخروج ببرامج تنموية و خطط إسعافية تشمل ترتيب أولويات التخطيط التنموي الذي يبدأ من خطط الطوارئ؛ الخطط الإسعافية الفصلية و السنوية ثم إستراتيجيات متوسطة و بعيدة المدى تمتد لخمسين عاماً على الأقل.
مشروع الوعي الإقتصادي ما هو الإقتصاد و ما هي تحديات المستقبل الإقتصادية و كيف نؤسس لإقتصاد سوداني يبدأ من الأسر المنتجة عبر ثقافة الفلاحة و الصناعة المدرسية و المنزلية؟ المخرجات الإفتراضية تتمثل في الخروج برؤية واضحة تبدأ بالانتاج للإكتفاء الذاتي ثم التصدير و تنتهي باعادة تقسيم ثروات البلاد على نحو تتحقق فيه العدالة من خلال مجانية خدمات التعليم و الصحة و الماء و الكهرباء. بل حتى الإيواء و الكساء عبر برامج خطط إسكانية و كساء موحد للمدارس و المؤسسات الحكومية.
مشروع الوعي السياسي ماذا تعني السياسة في كل السياقات و كيف نخرج بوعي سياسي ثوري يقنن علاقة السلطة بالمجتمع؟ كيف تتأسس الأحزاب السياسية بدءاً من آيدولوجيا الحزب التي تعكس المرتكزات الأساسية لرؤيته الفكرية بما في ذلك رؤيته في الدين كعنصر أساسي في الثقافة السودانية ثم كيف تترجم الآيديولوجيا في إدارة الصراعات الإجتماعية بين المركز و الهامش، الثقافات الأفريقية و العربية، العسكر و المدنيين، الإدارة الأهلية و الحكومية، السياسات المحلية و العلاقات الدولية؟ المخرجات الإفتراضية تتمثل في الخروج بخرطة سياسية واضحة المعالم لكل القضايا السودانية المتعلقة بسياسات الدولة الداخلية و الخارجية.
مشروع الوعي الديمقراطي الوعي الديمقراطي إمتداد للوعي السياسي، حيث يشمل التوعية بالمعنى الكبير لحكم الشعب. ماهي الديمقراطية، ما هي أهميتها و أنواعها، و ما هي أنسب انواع الممارسة الديمقراطية لطبيعة المجتمع السوداني؟ المخرجات الإفتراضية تتمثل في الإتفاق حول نوع الممارسة الديمقراطية و إختيار طريقة حكم تتحقق فيها العدالة و المساواة في فرص الحكم، كما ترسم حدود حرية الفرد الغير مطلقة.
هناك الكثير من النقاط التي يمكن إثارتها حول إدارة الفترة الإنتقالية، تتصدرها الزراعة و الصناعة في الإنتاج، التعليم و الصحة في الخدمات. بيد أن الوعي الثقافي لابد أن يسبق السياسي. بالنسبة لإدارة دفة الحكم المحلي، لابد من التأسيس لمفهوم فدرالية السودان كنظام حكم لا مركزي. كما لابد من التأسيس لرؤية كونفدرالية توحد دول حوض النيل كإستراتيجية مستقبلية لمواجهة التحديات العالمية.
خلاصة الحديث، يمكننا أن نعول كثيرا على الثقافة في إدارة المرحلة الإنتقالية لأنها محايدة و جامعة و معنية بتنوير المجتمع عبر أدبيات جاذبة و بديلة للخطابات السياسية الجوفاء و الخطب العسكرية المليئة بالمراوغة و الوعود الكاذبة.
بلغة بسيطة جداً:- المجتمع السوداني محتاج كلام حنين لتوعيته و ترقيع نسيج جبته المهترئة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عاصم الطيب قرشي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست