(١) تمر اليوم ذكرى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في العام ٢٠١٩م، والتي تظل خزيًا وعارًا أبديًا للجنة الامنية للانقاذ ، المكونة من الطرفين المتحاربين الآن ، وتظل مسئوليتهما عن هذه الجريمة ضد الانسانية قائمة دون تقادم ، لحين تمكن شعبنا العظيم من جلب المجرمين للعدالة ومحاسبتهم جزاءا وفاقا عما ارتكبته اياديهم الاثمة. ولا يفوتنا ان نحي شهداء المجزرة لهم المجد والخلود ، وان نواسي الجرحي ونتمنى العودة للمفقودين. هم من صنعوا مجتمع فضيلة الاعتصام ، المعبر عن افضل مالدى شعبنا و المكون لكميونة ارعبت اعداء كل ماهو إنساني من جنرالات الانقاذ مختطفي الجيش ، وقيادة مليشيا الجنجويد المؤسسة بغرض ارتكاب الجرائم. كذلك لا يفوتنا في هذه الذكرى المؤلمة ، رصد مفارقات الحرب العبثية الماثلة، التي تعيد فتح جرح فض الاعتصام الذي مازال اخضرا، بإعتبارها صادرة عن نفس القوى المعادية لشعبنا بل من نفس الأشخاص ، الذين مازالوا يصرون على عسكرة الحياة السياسية ، لسلب المدنيين القدرة على المبادرة و الفعل السياسي ، تمامًا كما حاولوا ذلك عند ارتكابهم لمجزرة فض الاعتصام.
(٢) اولى المفارقات التي تضحك الثكالى ، هي خطاب مليشيا الجنجويد الذي يقدمها كفصيل يحارب من اجل الديموقراطية ، ويعمل من اجل تحول ديمقراطي تمنعه و تحول دونه قيادة الجيش التي تعمل كواجهة للحركة الاسلامية المسيطرة على الجيش. وفي ظل هذا الخطاب ، تقوم المليشيا بطرد المواطنين من منازلهم وتحتلها ، وتعتقل بعض المواطنين ، وتمارس الاذلال لكل من يمر بارتكازاتها حسب الأهواء ، وتنهب ممتلكات المواطنين من اموال وسيارات ، وتحتل المستشفيات والمرافق العامة ، وترتكب جرائم ضد الانسانية يندى لها الجبين. ولسنا في حاجة للقول بان الافعال تتحدث بصوت اعلى من الاقوال. فسلوك المليشيا سلوك اصيل ومتجذر منذ تكوينها ، فهي الاساس في الجرائم المروعة التي ارتكبت في دارفور وقادت الى صدور امر قبض ضد الرئيس المخلوع، حيث باشرت ابادة جماعية وارتكبت جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ، وهي كانت راس الرمح في جرائم مجزرة فض الاعتصام ، وهي شريك اساسي في انقلاب القصر الذي نفذته اللجنة الامنية ، وشريك اصيل في انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م الذي اجهض شراكة الدم، وشريك في الحرب الماثلة التي عسكرت الحياة واوقفت الصعود الجماهيري ، في محاولة لمصادرة الفعل السياسي. وبما ان هذا السلوك يوضح ان هذه المليشيا معادية للجماهير وفعلها ، فهي معادية لسلطة الجماهير ونضالها من اجل الديمقراطية بالضرورة ، فهل ترحمنا هذه المليشيا من خطابها المستفز وتكف عن الظهور بمظهر الديمقراطي الحر ؟ لا أظن ، لأنها مصرة على الظهور على مسرح الاحداث بلباس المهرج ، وهي لا تعلم ان هذا الظهور ليس مضحكا على الاطلاق.
(٣) المفارقة الثانية هي انزعاج القيادة المختطفة للقوات المسلحة والتي تعمل كواجهة للحركة الاسلامية ، من مساواة المجتمع الدولي للجنجويد بالجيش. وهذا لعمري هو قمة الاحتقار للعقول ، وقمة التذاكي المفضوح ، الذي يسقط صاحبه في دائرة السخف. فمليشيا الجنجويد لم يقم المجتمع الدولي بمساواتها بالقوات المسلحة ، بل قام الجنرالات مختطفي قيادة القوات المسلحة انفسهم بهذه المساواة. فهم في اللجنة الامنية من فرضوها على المدنيين وشرعنوها دستوريا بموجب الوثيقة الدستورية المعيبة ، ونصوا صراحة على انها هي والقوات المسلحة يشكلان على قدم المساواة المؤسسة العسكرية. وهم من اصدروا المرسوم رقم (٣٢) لسنة ٢٠١٩م واخرجوها من سلطة القائد الاعلى قبل توقيع الوثيقة المعيبة لابعادها من سلطة المدنيين ، وهم من اصدروا المرسوم رقم (٣٤) لسنة ٢٠١٩م ، وجردوا انفسهم من الحق في دمجها في القوات المسلحة ، والآن يصرون على انها جزء من القوات المسلحة وتابعة لها، فكيف يستقيم ذلك؟ المجتمع الدولي يساوي بين القوات المسلحة والجنجويد بناءا على الوثيقة الدستورية المعيبة ، التي كانت شرعنة الجنجويد دستوريًا احد اهم عيوبها، واستتبع ذلك تعيين قائد الجنجويد نائبًا لرئيس مجلس السيادة في منصب لا اساس دستوري او قانوني له، كذلك يساوي بين الطرفين استنادا لقبول جنرالات الانقاذ التفاوض علي اساس الندية مع المليشيا. الاسوأ من ذلك هو إستمرار رئيس مجلس سيادة انقلاب أكتوبر ٢٠٢١م في اصدار قرارات الفصل والتعيين ، وهو لاشرعية له. فهو على مستوى سيادي مجرد قائد انقلاب عسكري لم يجد اعترافا داخليا او خارجيا ، كما انه مغتصب لقيادة الجيش لانه لم يعين كقائد عام وفقا لصحيح القانون ، وهو وفقا لقانون معاشات ضباط القوات المسلحة بالمعاش التقاعدي ، مما يعني ان جميع القرارات التي يصدرها لاتساوي الحبر الذي كتبت به. فقراره بإعفاء نائبه في مجلس سيادة الانقلاب قائد الجنجويد من منصبه وتعيين احد قادة الحركات المسلحة الداعمة للانقلاب ، لا معنى و لا أثر قانوني له، فهو من ناحية اعفاء لشخص يشغل وظيفة غير دستورية ولا وجود لها ، وتعيين اخر في نفس الوظيفة الوهمية ، دون ان تكون له سلطة الاعفاء والتعيين ، وهذا ينسحب بالطبع على بقية القرارات.
(٤) المفارقة الثالثة هي مطالبة دعاة الحرب من الاسلاميين وخصوصا منسوبيهم في القوات المسلحة ، الشعب بأن يخوض حربهم مع المليشيا نيابة عنهم. فهم ينادون بتسليح المواطنين لمقاتلة المليشيا ، في الوقت الذي يمارسون فيه أستراتيجية ادخار القوة حسبما رشح مؤخرا. فالواضح أن كتائب ظلهم التي بدات في الظهور في بداية الحرب، اختفت تمامًا ، وأن دفاعهم الشعبي وأمنهم الشعبي ايضا لا يبدو لهما اثر. في نفس الوقت هم يطلبون من المواطنين القاطنين في اماكن تسيطر عليها المليشيا ، ان يتسلحوا بالمولوتوف وضرب عربة التاتشر به لتفجيرها ، وبالطبع لا يقولون لهذا المواطن ماذا يفعل حين تداهمه عشرات التاتشرات بعد ذلك. هذه المطالبات الخيالية التي تدعو المواطن للقيام بعملية انتحارية واضحة ، لا توضح لماذا على المواطن ان يقوم بهذه العملية ، ولماذا الجيش الذي لديه ميزانية مفتوحة ويسيطر على ٨٢٪ من الاقتصاد بحسب قول (المؤسس)، غير قادر على حمايته والقيام بدوره وطرد المليشيا المجرمة من العاصمة والقبض على افرادها وتقديمهم للعدالة. الطبيعي هو ان يقوم الجيش بدوره ويحسم المليشيا طالما انه يعتبرها متمردة ، بالرغم من عدم انطباق تعريف جريمة التمرد الواردة بقانون القوات المسلحة الذي يطبق في جزئيته الخاصة بالجرائم والعقوبات عليها وفقا لقانونها. الا يعتبر عدم قيام الجيش بواجبه هذا عجزًا ؟ الا يستدعي هذا العجز محاسبة قيادة الجيش غير الشرعية الحالية على مافعلته بالجيش وادى الى عجزه عن القيام بواجبه ، وعلى ما قامت به من تمكين للمليشيا بدلا من مطالبة المواطنين بالقيام بواجبات الجيش بدلا عنه؟
الواضح هو ان الحركة الاسلامية لم تكتف بإشعال الحرب لعسكرة الحياة السياسية وحماية تمكينها العسكري ، واستغلال فوضى الحرب لتهريب قياداتها من السجون ومنع محاسبتهم على جرائمهم ، وترك المواطنين لمصيرهم في مواجهة مليشيا الجنجويد المجرمة ، بل ترغب في جر المواطن لحربها وتكليفه بخوض الحرب نيابة عنها ومقاتلة المليشيا التي صنعتها ومكنتها من رقاب الناس. هذه المفارقات وغيرها ، تبين مدى عبثية هذه الحرب وخروجها عن سياق منطق الدولة ومصلحة المجتمع ، مما يحتم الوقوف ضدها والعمل على وقفها ، بتكوين اكبر جبهة قاعدية جماهيرية رافضة لها ، مع رفض خوضها مع اي من الطرفين مهما اتسعت دائرة الاتهام والتخوين والابتزاز العاطفي. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة