(١) كل يوم يمر في ظل الحرب العبثية الماثلة ، يؤكد ضعف قدرات الجنرالات واجهة الحركة الاسلامية المختطفة للجيش ، في فهم تعقيدات واقع الصراع و امتداداته الاقليمية و الدولية. فبالرغم من الفشل الذريع في هزيمة الجنجويد ، او حتى مجرد كف اذاهم عن المواطنين ، او منعهم من التمادي في جرائم الحرب التي يواصلون في ارتكابها في اصرار مرضي لا يحسدون عليه ، قرر الجنرالات قصيري النظر الدخول في صدام مباشر مع المجتمع الدولي ممثلا في مؤسسته الأخطر " الأمم المتحدة "، القادرة وحدها على انتهاك سيادة الدول عبر مجلس امنها ، ومباشرة مع الولايات المتحدة الاميركية ، الدولة الاستعمارية الأولى في العالم.
فبدلا من ان يرسلوا احتجاجا للامين العام للامم المتحدة على اداء ممثله و مدى مخالفة سلوكه للمهمة الموكلة اليه ، ارسلوا طلبا لتغيير المبعوث الاممي ، تنفيذا للموقف الصريح المعلن للمؤتمر الوطني. و عززوا ذلك بالانسحاب من مفاوضات جدة المكرسة لهدن لم يحترمها الجيش المختطف و لا الجنجويد المجرمين ، تعللا بخرق مليشيا الجنجويد لما تم الاتفاق عليه ، في حين ان لجنة المراقبة رصدت خروقات من الطرفين ، أهمها قصف المنشآت المدنية بالطيران ، و احتلال مليشيا الجنجويد لبيوت المواطنين و المستشفيات و المؤسسات المدنية . وهذا يعني ان الرقابة رصدت مواصلة الطرفين لارتكاب جرائم حرب وان اسمتها خروقات. و ان كان سلوك المليشيا غير مستغرب باعتبار انها اسست بالذات لارتكاب جرائم الحرب والعمل خارج نطاق القانون كمرتزقة وظيفتهم القتل والابادة الجماعية والنهب كما حدث في دارفور ، فإن اصرار الجنرالات على الاستمرار في ارتكاب جرائم الحرب و مواجهة المجتمع الدولي تنفيذًا لمشروع الحركة الاسلامية يثير الاستغراب و العجب. فكيف بمن هو عاجز عجزًا بينًا عن هزيمة مليشيا لاكثر من شهر ونصف ، وهي مسيطرة على عاصمة البلاد بشهادة كل المواطنين الذين يعانون الامرين من انتهاكات الجنجويد ، ان يصعد ويخلق مواجهة مع الدول الامبريالية!! وهل حقا تتوهم الحركة الاسلامية و الجنرالات الواجهة انهم سينتصرون في هذه المعركة الدونكيشوتية!! ام انهم يسعون لجلب الاستعمار المباشر لبلادنا بتدخل تحت الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة ، يخرجهم من ورطة الحرب مع المليشيا المجرمة التي دخلوها بأوهام تحقيق انتصار سريع ثبت انه مجرد خيال مريض !! . نخشى ان يكون المقصود هو الامر الثاني ، بالاخذ في الاعتبار ان رد الفعل الاول للامبريالية الامريكية كان هو فرض عقوبات على الطرفين ( الجيش المختطف و الجنجويد) . في تقديرنا ان ما يتم هو سوء فهم لمدى خطورة تدويل الصراع بمستوى جديد عبر الحرب ، بعد ان تم تدويله من الطرفين مسبقًا عبر التشبيك إقليميًا ، وشاركتهم في ذلك (قحت) بكل أسف.
(٢) البادي للعيان هو ان الحركة الاسلامية بعد ان حشرت بلادنا في سياسة المحاور ابتداءا من المحور الايراني و حتى الارتماء في حضن المحور السعودي الاماراتي في نهاية ايام الانقاذ ، تمادت في مواصلة التجسير مع نفس المحور عبر ذراعها العسكري ( جيش مختطف وجنجويد معا) عبر الاستمرار في الارتزاق من حرب اليمن، والعلاقات الاقتصادية المصيرية لمليشيا الجنجويد بدولة الامارات برغم تمددها في النشاط مع روسيا بالشراكة مع مليشيا فاغنر . ظاهرها في ذلك قيادات (قحت) التسوويين بالحجيج المزمن الى ابوظبي ، وساندتهم الجبهة الثورية التي وقعت وثيقة ابوظبي وجعلتها مرجعية لاتفاقية جوبا للمحاصصة لاحقا و لتغيير طبيعة مرحلة الانتقال ، و انضم اليهم رجال الاعمال ذوي المصالح الخاصة مع دولة الامارات ، وكذلك المؤسس الذي اختارها منفى اختياريًا له. وهذا يؤكد حقيقة لا تحتاج الى تاكيد ، وهي ان اي مشروع لدولة اجنبية ، من المستحيل ان ينجح دون ان تكون له ادوات داخلية. فدولة الامارات ليست مؤسسة خيرية ، بل دولة لها مصالح لا لوم عليها ان هي عملت من اجل المحافظة عليها، اللوم هو على السودانيين الذين يعملون لتحويل مشروعها الى واقع ضد ارادة الشعب السوداني ومصلحته. و لسنا في حاجة للقول بأن ضجيج الجنرالات الواجهة ومن خلفهم الحركة الاسلامية حول مؤامرة اماراتية دون تسمية الدولة من قبل الجنرالات ، لن يخف حقيقة ان من وضعنا تحت كفالة هذا الكفيل هو الحركة الاسلامية نفسها ، التي واصلت علاقتها به حتى بعد سقوط واجهة الانقاذ عبر جنرالاتها الواجهة الذين حفت اقدامهم من الجري وراءها. وهذا بالطبع لا ينفي وجود علاقات وثيقة ومصالح لمليشيا الجنجوي(قحت) مع هذه الدولة ، وانخراط الاخيرة من مواقعها في المشروع الامريكي بالمنطقة.
(٣) ولفهم دور دولة الامارات و عدم تضخيم قدراتها او محاولة تحميلها وزر حرب اسبابها داخلية واساسها في خارطة الصراع السياسي السودانية وطموحات الحركة الاسلامية السرطانية ، هنا ملاحظات لابد من اخذها في الاعتبار نوجزها فيما يلي:
أ. تخريب ثورات الربيع العربي لم يكن سببه العالمي و الدولي فقط وتآمر الامارات كما يتم تصويره. فصعود الاسلاميين للسلطة وحده كان كفيلا بتخريب الثورات ومنعها من تحقيق اهدافها ، لكن فشل الاسلاميين في التحول من مربع المعارضة المزمنة لمربع إدارة الدولة هو الذي دفع الامريكان للعودة لتنصيب الانظمة الديكتاتورية الفاسدة.
ب. الامريكان لا يمانعون في ان تكون السلطة كيزانية او إسلامية، اذا وافقت ان تكون تحت إدارة دولة الإمارات ، بشرط ان تقبل بديمقراطية شكلية حتى لا تعيق التعامل المباشر معها. والواضح ان امريكا راضية عن تعامل مصر مع قوش و امتداداته داخل المؤسسة العسكرية المدنية ، ومن شراكة (قحت) مع اللجنة الامنية ، وهي صنعت ودعمت اتفاق برهان / حميدتي .
ج. الامريكان لن يدعموا استبدال الجيش على ضعفه بالمليشيا ، لان امريكا ترغب في وجودهما معا في حالة توازن ضعف ، حتى تلزمهما معا بشروطها للشراكة مع (قحت ) كواجهة في مرحلة الانتقال ، و توفيق اوضاعهما لاحقا في ظل حكومة منتخبة. اما الامارات فمن الواضح انها بالفعل ترغب في استبدال الجيش بالمليشيا وثيقة الصلة بها ، وادماج الجيش في المليشيا وليس العكس ، وحاولت تسويق ذلك للامريكان و لكن يبدو أنها فشلت، لان الامريكان يتفقون في هذه النقطة مع المصريين الذين يرون ان المليشيا خطر امني واساس لعدم الاستقرار في منطقة حساسة.
د. قحت وثيقة الصلة بالمشروع الاماراتي بالفعل بسبب الحجيج المستمر لابوظبي وتداعياته، لكنها تتوهم بأنها ستوظف الامارات و مليشيا الجنجويد معا لضرب الكيزان ، ومن ثم تضغط الاثنين معا باعتبارهما في حاجة اليها لحماية الوجود والمصالح. فالمليشيا تحتاج لواجهة مدنية وحاضنة اجتماعية وسياسية في المركز ، والامارات بحاجة الى (قحت) حتى تستطيع تسويق سلطة المليشيا، وهذا يعني ان (قحت) ستتحول الى بيضة القبان ، وصاحبة السلطة الحقيقية. ولكن هذه القراءة خاطئة من عدة نواحي منها:
١- الامارات و المليشيا يعلمان ان (قحت) معزولة جماهيريا وان تبعيتها للخارج و سباحتها عكس تيار الثورة اضعفها بشكل غير مسبوق.
٢- الامارات و المليشيا يعلمان ان (قحت) لن تستطيع ان تسيطر على الشارع الذي يهدد بإسقاط سلطتهما ذات الواجهة المدنية (قحت)، وبالتالي من الممكن ابتزازها بعجزها بالاضافة لابتزاز الافراد الذين واصلوا الحجيج سابقًا الى ابوظبي بسبل متعددة.
٣- تمكن المليشيا من الجيش و اجهزة الامن والقوات النظامية ، يملكها كامل السلطة و يجعل (قحت) تحت رحمتها لان سلطة استخدام العنف بصورة شرعية في يدها وحدها ، وبذلك تستطيع ان تفرض ارادتها على الاخرين ، وهذه هي السلطة بعينها.
٤- لن تسمح الامارات ل (قحت) بالخروج عن طاعتها ، فهي من ناحية ستكون احكمت عليها الحصار عبر المليشيا ، ومن ناحية اخرى عزلتها عن الشارع الذي عادته و عملت ضد ارادته ، فوق انها سوف تتمدد اقتصاديا في ظل تحالف المليشيا/قحت ، وهذا يجعل من (قحت) في حالة تبعية مستدامة.
لذلك أنتصار المليشيا خطر جدا واكثر خطورة من انتصار الكيزان. الافضل هو عدم انتصار اي طرف وبقاء توازن الضعف ، حتى يتمكن الثوار من اسقاط الاثنين معا.
امريكا ترغب في توظيف هذا التوازن لاعادة انتاج الشراكة ، والثوار يجب ان يستفيدوا منه لاسقاط هذه الشراكة المفروضة. لذلك لا يجب التهويل من التدخل الاقليمي و الدولي مع عدم اهماله ، والتركيز على الثورة وقواها ، حتى تتمكن من هزيمة القوى المرتبطة بالمشاريع الدولية ، وهذا يقود على اقل تقدير لاعاقة المشاريع المعادية لشعبنا ان لم يكن لهزيمتها بشكل شامل. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة