سبحان الله الذي جعل سره في أضعف خلقه، وضرب الله مثلاً ما بعوضةً وما فوقها، مع تثبيت أنه لا حياء، ولا عجب، ولا سخرية، ولا استحقار، ولا استخفاف في ذلك، وإن سخر المتكبرون من الإنس أو الجن. فقد كان موسى عليه السلام خرج من مصر طريداً خائفا يترقب من قرارات المؤتمرين "الأمم المتحدة"، بعد وكزه لعدوِّ له وقتله؛ ليكون أجيراً راعياً بغنم أهل مدين. ويعود إليها كليماً لله بطور سيناء، ورسولاً منه إلى فرعون وملئه، وكانوا قوماً مجرمين؛ بعد أن تحولت عصاه التي كان يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه إلى آية من آيات الله االكبرى ذات المهام المتعددة والمتنوعة... وقد تم لموسى علية السلام كل ذلك وهو يبحث عن نار للتدفئة من البرد الشديد، ودليل طريق إلى مصر... سبحان الله، إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
العدل هو عمارة الأرض:
إنّ نواميس الكون والطبيعة تسير بميزان من لا يظلم أحداً عنده، مسخر ما في السماوات والأرض للإنسلن ليعمل عملاً صالحا، إعماراً للأرض التي هي مستقره ومتاعه إلى حين. ويريك فيها نعمه وأفضاله وعجائبه، وكذلك قهره جبروته إن لم تحسن استخدامها، أو تفسد فيها، وتسفك الدماء، قال تعالى ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿102﴾ سورة هود. فالمعادلة ثابته لا تمييز فيها بين مؤمن وكافر، فالذي يعمر الأرض هو من يعمل عملاً صالحاً، ولا يفسد ولا يسفك الدماء، بغض النظر عن دينه، فالنصر قد يكون حليف الكافر إن كان عادلاً؛ والعدل هو عمارة الأرض.
فتن ومحن:
فما نعيشه من حروبٍ وفتنٍ ومحنٍ، وحرب الخرطوم التي تجاوزت الـ(45) يوماً بلا حسم مطلق، هي آيات وعلامات لممارسات مجتمعاتنا من فساد وافساد في الأرض وسفك للدماء بغير حق، فهي للعظات والعبر؛ قال تعالى ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿117﴾ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿118﴾ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿119﴾ سورة هود. وقد أورد القرآن الكريم قصص كثيرة تعبر عن واقعنا الذي نعيشه، لكنّا لم نتعظ أو لم ندرك مغزاها. وما أشبه قصة موسى وفرعون وملئه، بتجربة حميدتي وحزب المؤتمر الوطني "الكيزان" والذين يدورون في فلكهم...
هذه الآيات تبين إلى أي مدى مارس فرعون القهر والاستعلاء والاستهزاء على شعبه، وباسم الدين. وقد فعل "الكيزان" كل الذي فعله فرعون، وباسم دين الإسلام، من تقتيل وتعذيب، وفساد وإفساد وتمييز تقسيم للشعب شيع، مع استعلاء وتجبر؛ فقط لم يقل أحد منهم (أنا ربكم الأعلى)، ولكنّهم قالوا لا ينفكون عن حكم السودان إلّا بتسليمه إلى عيسى علية السلام، وقال رئيسهم عمر البشير: إن أمريكا تحت جزمته... إنّهم فئة قوم نفاق...
شباب أعزل:
تكاد تجد الشخوص الذين هم حول فرعون، ممثلين في تنظيم "الكيزان" قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿23﴾ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴿24﴾ سورة غافر. ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴿5﴾ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴿6﴾ سورة القصص... ففرعون هو الحاكم، وهامان المفكر، وقارون رجل المال، ويمكن لك تضع ما يعادلهم من أشخاص في حكومات "الكيزان"، والتي استضعفت شعب السودان وفرقتهم شيع. كما هناك سحرة ومرجفين من شيوخ الضلال، والمطبلاتية. وجنودهم هم الذين أشعلوها حرباً ضروساً على أهل السودان اليوم. ورغم ذلك فقد رأى "الكيزان" ما كانوا منه يحذرون، فخلع ملكهم شباب أعزل، ومن أصلابهم، بثورة سلمية، قهرت أجهزتهم الأمنية، وحاربهم قاطع دابرهم الذي صنعوه ودربوه بأيديهم.
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ:
فقد رَبّى فرعون موسى عليه السلام مقتلع ملكه في بيته، فلما كبر وكلفه ربه بالرسالة طلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل ولا يعذبهم؛ فطفق فرعون يسخر من موسى ويمنُّ عليه. قال تعالى على لسان فرعون لموسى ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴿18﴾ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿19﴾ سورة الشعراء... وطلب موسى عليه السلام من ربه أن يجعل له وزيراً من أهله، قال تعالى على لسانه: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ﴿29﴾ هَارُونَ أَخِي ﴿30﴾ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴿31﴾ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴿32﴾ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴿33﴾ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴿34﴾ إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴿35﴾ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ﴿36﴾ سورة طه.
صنيع "الكيزان":
كذلك صنع "الكيزن" محمد حمدان دقلو عيسى "حميدتي" مقتلع سلطتهم وقاهرهم ودربوه في حضنهم وبأموالهم، وهم يعلمون وضعه في مجتمعه مقارنة بالشيخ موسى هلال زعيم القبيلة الذي استعانوا به في بداية حربهم في دارفور؛ وقد حمل حميدتي السلاح ضدهم بطور جبل مرة، ثم وقعوا معه اتفاقية سلام، وتم تكليفه ليقوم ما قام به في دارفور. واختار "حميدتي" أخوه عبد الرحيم حمدان دقلو عيسى، وزيراً له. فلما قوي عوده وارتفعت طموحاته وسعيه لمشاركته في الحكم؛ سخرو منه وقالوا: ألم نأت بك راعياً أميّاً ونهاباً، وعلمناك، ودربناك وأعددنا لك العتاد، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ في دارفور وَأَنْتَ مِنَ المجرمين. فقال حميدتي فعلتها وأنا من المدفوعين، فوهب لى رب رشداً فكنت من المتأطرين (الاتفاق الإطاري)، وتلك منة تمنّوها عليّ وقد قتّلتم المتظاهرين السلميين.
العبرة بالخواتيم:
انتهى أمر فرعون بغرقه، ونجاته ببدنة "مومياء"، وذهبت سطوة ملأه؛ وأورث الله الأرض لبني إسرائيل، وواجه موسي عليه السلام عنت وفساد، وتحديات كثيرة معهم. ولم ينتهي أمر "الكيزان" فمنهم من في السجون والمعتقلات، تلاحقهم محكمة الجنايات الدولية، وومنهم من هربوا إلى تركيا وغيرها من الدول، وهرب معهم السحرة والمطبلاتية. وأمّا حميدتي لم يزل في حربه عليهم ومن أجل الديمقراطية بحسب حديثه، وبات السودان محط أنظار واهتمام العالم، ومؤتمرات المجتمع الدولى، والأمم المتحدة، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة