صحيح أن التركيبة الحالية للجيش تجعله عملياً و نظرياً جسماً مؤدلجاً ، إخواني الهوى و الهوية، و أنه يمثل مولوداً مُشَوَّهاً لثلاثينية الإنقاذ الكئيبة بكل ما حملته و ما تركته من بصمات قبيحة في جبين السودان الوطن .. لكنه في كينونته التاريخية ، و في صورته الذهنية و العاطفية في وجدان الشعب السوداني ، يمثل رمزاً إفتخرت به و غَنَّت له أجيال السودانيين المتعاقبة ، علي الرغم مما عانته تلك الأجيال من تسلط الجيش علي الرقاب ، و كتمه لأنفاس الشعب ، و تعويقه لمسيرة التطور الطبيعية ، علي مدى تطاول لأكثر من نصف قرن من الزمان ، و لا يزال جاثماً علي الصدور حتى يوم الناس هذا ، ضاغطاً بأحذيته الثقيلة لإغلاق كل فتحات هواء حرية و نسمات ديمقراطية هبت علي ربوع الوطن إثر ثورات عظيمة لا تزال جذوة آخرتها الديسمبرية مشتعلة يحفها من كل جانب الإصرار علي تكملة مشوارها ، و السعي الصادق لإنجاز شعاراتها و تحقيق أهدافها ... رغم كل هذه الهِنات و المآخذ علي الجيش و علي تاريخه المذري منذ الإستقلال ، يبقى التطلع لهزيمته أو دحره ك ( مؤسسة ) ، في الصراع القائم حالياً في الخرطوم و المدن الأخرى ، عيب و لا يليق. أقول ذلك رغم كل التحفظات و كل ما تحمل النفوس من غضب حيال قيادته الحالية ، التي يحمد لها إنحيازها الإبتدائي للثورة ، و لكن لا و لن يغفر لها تعويقها لمسيرة التحول المدني الديمقراطي طوال السنوات الأربع الماضية ، و لا عذر لها في توصيل البلاد إلى حالة الإقتتال الحالية بكل ما تحمله من إرهاصات فتنة قومية، و بذور تفكك وطن سَلَّمَنَا له الآباء المؤسسون واحداً مُوَحَّداً و آمناً ، و لكن ها نحن نرى أبناءه يتقاتلون بالطائرات و المضادات في شوارع و أزقة عاصمته القومية. إن الوضع بجملته جد مؤسف و خطر ، و يبقى اللوم في كل الأحوال على العسكريين و المدنيين الذين عوًقوا الوصول إلى النهايات المنطقية لترتيبات سياسية متوازنة كانت كفيلة بإعادة السودان إلى طريق الحرية و السلام و العدالة الذي اختطته ثورة ديسمبر المجيدة ، و روته دماء شباب و كنداكات تتحسر أرواحهم الطاهرة في عليائها، علي ما يجري من إقتتال طائش ، و من سفك دماء عبثي في شوارع الخرطوم و الولايات الأخرى بسبب أطماع أفراد خائفين علي أنفسهم من مآلات حكم مدني لا محالة قادم ، مهما وضع العسكريون و الفلول و أذنابهم من عقبات في طريقه. و لك الله يا وطني. بروفيسور مهدي أمين التوم 18 أبريل 2023 م [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة