كان الاعتراف باستقلالية الدعم السريع عن الجيش كمؤسسة منفصلة اكبر خطأ استراتيجي وقعت فيه القوي الحزبية ، هذا الخطأ سعي له النظام البائد لادارة صراع الثورة والسلطة في السودان و عمل عليه البشير لزيادة تعقيد المشهد علي المدي الطويل بتكوين ( مليشيا قبيلة / ذات توجهات عقدية / و مناطقية في ذات الوقت ) ، خاضعة لامرته في حال تغير الظروف التي تغيرت بطبيعة الحال في ديسمبر ٢٠١٨ .
في ابريل من العام ٢٠١٩ ، انفصل صاروخ الحركة الاسلامية الذي ارتطم بأرض الاعتصام الصلبة عن مركبته الفضائية الكيزانية ، و تم تمرير انحيازه علي الجموع التي امنت شره في القيادة العامة التي خيم عليها الصمت خلف الابواب المغلقة حتي تنفيذه #مجزرة_القيادة العامة , في عمل عُرفت به الحركات الاسلامية و ظلت به عامرة كتب التاريخ ، مثلما كانت الاضحية بالجعد بن درهم الذي ذبح ذبح الشاة تحت منبر الامام في صلاة عيد الاضحي ، ضحت الحركة الاسلامية بواسطة ذراعها ( الدعم السريع ) بخيرة ابناء و بنات الشعب السوداني في صبيحة عيد الفطر .
( اخترعت الحركة الاسلامية الاذرع العسكرية المختلفة و ضمُر رحمها عقب ولادة المليشيات المتعددة التي كانت هيئة العمليات زكاتها ) .
استجابت القوي الحزبية عقب تصاعد المد الثوري في يونيو لتوازناتها الداخلية و نزوع بعضها الي اتمام الامور بالتفاوض الذي لم ترجح كفة ميزانه في ذلك التوقيت بشكل حاسم للقوي الثورية المقاومة ، و كان افتراع التفاوض في ذلك التوقيت يميل كل الميل لمصلحة المجلس العسكري الذي جلست اللجنة الامنية بكل فروعها ( بما فيها الدعم السريع ) مقابل القوي المدنية التي انفصلت عنها مليشيات ( الكفاح المسلح ) من القاهرة و اديس ابابا لتاخذ وضعاً ثورياً متخلفاً و مختلفاً ضمنت به نسبتها ( ٢٥٪ ) التي اصبحت من النسب المنزلة في اي اتفاق لاحق كما نلاحظ الان في تفاوض الاطاري الجاري ولا مساس .
الآن مع ترقب الناس لتفاوض الاطاري الذي سيجُب الوثيقة الدستورية ثم يمحو اثار فترتها الانتقالية تبرز حقائق للعيان ولكل ذي نظر ، هذه الحقائق من أهمها أن اللجنة الامنية للبشير لا تزال هي اللجنة الامنية مع بعض التغيرات الطفيفة ، و تظل حقيقة انها ذراع صلبة للتنظيم الاسلامي فوق الرؤوس ، و بدأت تمحي حقيقة اخري عبر ممحاة الصراع العسكري العسكري ( هذه الحقيقة هي صلب ما نود النفاذ اليه من هذا المقال ) .
- تم الانقلاب علي تفاوض ( الوثيقة الدستورية ) بتنفيذ مجزرة القيادة لتاكيد امساك حزب البشير بمفاصل الالة العسكرية والامنية ، من اجل التلويح بانه سوف يذهب لاقصي مراحل العنف من ازهاق الارواح البريئة و الممتل كات و تصدير استعداده للذهاب بالبلاد في مستنقع الدم الذي لا مخرج منه .
- تم الانقلاب من بعد اتفاق علي حكومة الشراكة العسكرية المدنية بقيادة حمدوك ، كذلك سفكت الدماء التي لم يرتوي التنظيم الا باحتفاظه بالسلطة في جيبه .
- حوي الانقلابين رسائل متعددة للخارج مفادها ان التنظيم الدولي للاخوان لا يقبل التفكيك و هو يدرك ان صراعه في السودان يمثل الحلقة الاخيرة في مسلسل الارهاب الدولي و المحلي ، و ان اقرب صيغة تفاوضية ممكنه هي تركه في السلطة مع قبوله تنفيذ ما يريده الخارج بالكف عن دعم الارهاب الدولي بشروعه في تغيير جلده حتي لو ادي ذلك الي التطبيع الذي جاء ك ( قولة خير ) في هذا الاتجاه ( انظر لقاء البرهان نتنياهو في عنتبي و ما تلاه ) .
- في المقابل برز الدعم السريع مستغلاً ضعف الذاكرة و ضعف السياسة و كذلك ضعف النفوس تجاه السلطة .
* برز كعسكري منحاز للتحول الديموقراطي من جديد ! .
* برز و في يده ورقة الدمج و المطالب الشعبية ! .
* برز كمعادل موضوعي تمت صياغته في غرف قحت للجيش القومي السوداني .
*برز و هو يرغب في الدمج و الاصلاح العسكري وفقاً لشروطه الخاصة ! .
هذا ما نضحت به ورشة ( الاصلاح الامني ) الخاصة بالاتفاق و ما قبلها من تصريحات متبادلة جرت هنا وهناك من قبل قادة الجيش مقابل قادة الدعم السريع .
اللافت للنظر من مقدمة المقال ان النشاة والتكوين للدعم السريع كانت بقرار عسكري من القائد العام لنظام ( يفترض ) انه سقط بكامله ( هذا ما تفترضه قحت وتصفه بالنظام البائد ! ) وحلت بموجبه تنظيم المؤتمر الوطني و مؤسسات حكمه بما فيها البرلمان ، واللافت كذلك استمرار قرارات ذلك النظام و تكويناته التي وضعها كعقبات لاحقة في حالة انهياره ليظل حلها وتجاوزها اكبر مشكلة تتغاضي عنها القوي الحزبية في الاتفاق الاطاري .
هنا نجد قحت ( تحاول جهد ايمانها بالثورة عبر التفاوض ان تكون المأذون والشاهد علي الزواج العرفي الحرام ، و هي تتقمص حل مشكلة الاتفاق الاطاري و الانقلاب و تلتمس الاعزار لحمدوك ) .
لياتي في السياق ما كانت تبحث عنه الحركة الشعبية بقيادة قرنق في قضية الترتيبات الامنية كقاموس للسياسة السودانية و ( التفاوض في زمن الثورة والتسوية ) ! و هنا نتحدث عن شروط الدعم السريع التي انزلها علي طاولة ورشة الاصلاح الامني الذي جلست عليها قحت معزولة عما يحدث خارج القاعة و هي التي صمّت اذانها عن ( افطارات الشهداء ومواكب الاحياء ) .
في آخر فصول مسرحيات الحركة الاسلامية تحاول ان تجعل الدعم السريع مكافئ موضوعي للحركة الشعبية لتمرر بنود الترتيبات الامنية المستوحاة من اتفاقية نيفاشا ، لتقفذ بالجميع الي سياق آخر افشل القوي الحزبية في ( مؤتمر الحوار الوطني ) وهي تفاوض الآن و بنادقها علي الطاولة .
كعادة نظام البشير فإن الانقلاب يتعامل بطريقة افتعال الازمات ثم ادارتها وتوجيه الرأي العام نحو اشكاليات اخري غير حقيقية و في اكثرها مصطنعة ، لذلك نجد أن الجميع حالياً غارق في حل مشكلة الانقلابيين و تفكيك مشكلة الانقلاب ، والتي تحولت بقدرة قادر من مشكلة بين اطراف انقلابية الي مشكلة تخص الثورة والشهداء وقضية العدالة و السلام .
في رائي المتواضع ان قضية الترتيبات الامنية بشكلها الحالي وُضِعت كعقبة مصطنعة ليشعر الجميع بالراحة بعد حلها و الايحاء ان القادم جنب البلاد الانزلاق ! .
ما يدعم هذا الرأي انه اذا نظرنا الي الدعم السريع و ما يحتويه من عناصر ( عدا القبيلة ) فإن تحوله الي قوي عسكرية منظمة جاء بعد مزجه بعناصر الجيش والامن الذين تم انتدابهم اليه ، و فيما عدا بعض العناصر الاخري ( العساكر المرافيد ) تبقي مسالة الدمج و التسريح اقل صعوبة منها في الحركات المسلحة الاخري ، و في الخلاصة هو مولود غير شرعي يبحث عن شرعية الاعتراف من خلال هذا التفاوض بتغيير نسبه من الحركة الاسلامية الي شرعية مكونات الدولة الاخري ! .
ترقباً لمصير هذا الاتفاق يجلس الشعب المغلوب على امره علي رصيف الانتظار ، البعض يحمل الشماته وبعضهم في قلبه بصيص امل في الخروج من هذه الزجاجة ، وبعض اخر قلق علي مصير البلاد إن حُكمت بالشراكة مجدداً أو تحولت البلاد باكملها للمستنقع من اجل طموحات فردية او خوفاً من العقاب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة