تنتشر هذه الأيام الاشعاعات وبكثافة عن خلافات بين الجيش والدعم السريع ، وهذه ليست أول مرة تنتشر فيها مثل هذه الاخبار ، فكلما اقتربت التسوية السياسية تطفو هذه الاخبار على السطح . فهل هناك فعلا خلافات بين البرهان وحميدتي ؟ وإذا صحت هذه الاخبار فما أسبابه وإلى أي مدى وصل هذا الخلاف ؟ وما خطورته ؟ وإذا كانت مجرد اشاعات ، فمن وراء نشرها وانتشارها ؟ ولنبدأ بما هو ثابت ، لنبني عليه ، فالثابت أن هناك وضعا غريبا بل شاذا صنعه الكيزان اللئام ، أو بالاحرى خلقه المخلوع ، وهو خلق مليشا خارج نطاق الجيش تتبع له رأسا ، والسبب ليس عجز الجيش عن التعامل مع الحركات المسلحة المناوئة للانقاذ ، ولكن لحمايته هو شخصيا من أي انقلاب للجيش ضده في حالة اي صراع بينه وبين ثيران الكيزان وجبابرتها ، وهو يعلم مدى تغلل الكيزان في صفوفه ، فقد كان يردد دائما وبغباء ( حميدتي حمايتي ) . وجاءته المفاجأة من حيث مأمنه ، فانقلب حميدتي عليه ، وأثبتت الأيام والاحداث أن الجيش كان أكثر ولاء له وللكيزان من حميدتي ، وما علينا إلا الرجوع لأحداث فض الاعتصام التي لاشك أن المسؤول الأول عنها هم قيادة الجيش وأولهم البرهان وشمس الدين ، وأرادوا أن يلبسوها للدعم السريع عندما علموا بالرفض الداخلي والخارجي لفداحة الحدث ، وانظروا وفكروا في تصريحات الكباشي وبيان البرهان في ذلك الصباح الدامي . فالدعم السريع على مافيه وما عليه من مؤاخذات هو العدو الأول للكيزان ، ويعتبرون قائده حميدتي خائنا لهم ولرئيسهم المخلوع . البرهان يرى في الدعم السريع عقبة كأداء أمام طموحاته في حكم البلد ، فالحركات المسلحة ، لا تحتاج إلا للمال وبضعة مناصب لتسير معه أينما سار . وحميدتي يعلم أن كل هؤلاء يتمنون الخلاص منه ، وليس له إلا مغازلة شباب الثورة ، وهذا ما يصرح به طول الوقت . اذا أسباب الخلاف موجودة وقديمة ، واثارتها من حين لآخر مرتبط بقرب التسوية السياسية التي ستخرج الكيزان نهائيا من اللعبة السياسية ، فالخوف والرجفة من هذا المصير كيزانية بامتياز ، ولهم كل المصلحة في افشالها ، واقرب طريق لذلك هو اشعال الفتنة بين الجيش والدعم السريع . بعد أن فشلت كافة مخططاتهم السابقة . خطورة هذا المخطط ان نجح عظيمة ولا شك ، لان المسألة لن تكون إلا مواجهة مسلحة تأكل الاخضر واليابس والمنتصر فيها هو الخاسر ، فأي مواجهة سينتصر فيها الجيش هذا مؤكد مهما بلغت قوة الدعم السريع ، ولكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمدى الدمار الذي سيحدث ، ولا أظن أن حميدتي أو البرهان غائبان عن هذه الحقيقة. الكيزان وحدهم هم الذين افقدهم السقوط صوابهم ، وهم وحدهم الذين لا يعنيهم في سبيل العودة للحكم ان يدمر البلد ، لذا فهم أكثر الناس لا مبالاة حين يشعلون نار الفتنة بين الجيش والدعم السريع . الكيزان هم سرطان هذه الأمة ، وهم الذين لايزالون يسطرون على مفاصلها ، البرهان كرجل عسكري محدود الخبرة في السياسة بل يكاد يكون غرا فيها ، ويمكن جره ببساطة لاتخاذ مواقف اكبر منه ، وتأكدت هذه الحقيقة بانقلابه الفاشل في اكتوبر الماضي وظن كما ظن صبيحة مذبحة القيادة أنه سيحكم البلد ، وزين له الكيزان بخلاياهم النائمة والقائمة أنه يستطيع ذلك ، والكيزان واهمون أيضا فكانوا يظنون توهما أنهم سيعودون للسلطة على ظهر دبابة البرهان ، ولاختلاف الاهداف فشلوا جميعا وتعروا تماما أمام الشعب ، فلم يقلبها كالرجال ويتحمل مسؤوليتها كاملة ، ولم يترك أحلامه التي هي كأحلام ظلوط . أما حميدتي فسيظل هدفا للكيزان الخائن في نظرهم ، وهدفا للبرهان لأنه صنو له في أحلام حكم البلد ، وهدفا للحركات المسلحة لأنه عدوها الذي أذاقها مر الهزيمة ، و هدفا للثوار الذين لا يثقون فيه ، فأعداؤه كثر ، والباب الوحيد الذي ظل يطرقه وهو باب الثوار ومداعبة احلام المدنين في اقامة حكم مدني . وكما قلت رصيده في الثقة عند الثوار صفر كبير . من الصعب جدا أن يتنبأ الإنسان بما سيحدث مستقبلا ، لكن المواجهة العسكرية بين الجيش والدعم السريع ليست واردة على الأقل في المدى المظور . لكن مسالة دمج القوتين هو من صميم الاتفاق الإطاري ، الذي لا يمكن التنصل منه ، فالرعاية له دولية ، ومن يسعى لتعطيله ستطاله عقبوبات قاسية ، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل ، فلن يكون الاتفاق على الدمج نزهة ، وسيكون هذا الدمج ان تم بصورة صحيحة هو النجاح الحقيقي للاتفاق الطاري . أقول ذلك لأن المؤسسة العسكرية هي مع الأمن والخارجية معاقل الكيزان الأخيرة التي يتحصنون بها . وأي دمج لا يفضي إلى تنقية الجيش من عناصر الكيزان ولا يطهر صفوفه منهم دمج سيؤدي إلى اضعاف المدنية وسيكون الوضع قابلا للانقلاب في أي لحظة . ليس خفيا سيطرة الكيزان على الجيش ، هذا أمر مفروغ منه ، وليس خفيا أن قادته الآن هم اللجنة الأمنية للمخلوع وهم يؤمنون بالفكر الكيزاني المنحرف فقط اختلفت بهم السبل واربكتهم الثورة وان لم تفاجئهم . شمس الدين الذي اختفى من المشهد الآن ، هو حصانهم ورهانهم القادم ، رجل يتمتع بكل صفات الكيزان بامتاز . وسيظهر في الوقت الذي يرونه مناسبا ليلعب دوره المنتظر . كل هذا الصراع في بلد يعاني أهله الأمرين في العيش الكريم والآمن ، وليس هناك من يسمع للحشائش وهي تداس بارجل الفيلة المتصارعة .
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق February, 20 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة