في العام ستة وعشرون وتسعمائة والف من الميلاد" 1926" اندلعت حرب طاحنة في المكسيك "حرب أهلية" استمرت لمدة ثلاث سنوات وراح ضحيتها ربع مليون شخص تقريبا من بينهم ستين ألف جندي مكسيكي، والسبب هو (ثورة دينية) من قبل الكهنة الكاثوليك ردا على الدستور المُعادي للمسيحية الذي صدر في عام 1917م حيث كانت المكسيك تُوصَف بالدولة الملحدة بسبب هذا الدستور الذي كان يقضي بعقاب وسجن وإعدام كل من يظهر أي طقوس دينية أو صلاة أو ملابس للكهنة في الشارع لدرجة منع الكنيسة نفسها من النشاط الديني ومن حقوقها في المحاكم وظل هذا الوضع حتى أوائل التسعينات، عُرفت هذه الحرب "بحرب كريستيرو" أو "لا كريستيادا" La Cristiada وظلت شاهدة على أن الحروب الدينية يمكن استدعائها في أي لحظة إذا توفرت الظروف لذلك، فلو كانت العلمانية تقضي بفصل الدين عن الدولة فالذي حدث بالمكسيك هو قهر الدولة للكنيسة والحرب على إيمان الناس فطبيعي أن يقوى رجل الدين ويحصل على شعبية لازمة تمكنه من التمرد على الدولة وحمل السلاح بدعوى (الدفاع عن الإيمان) وجذور هذه الحرب بدأت من الثورة المكسيكية سنة 1910م ضد تزوير الانتخابات وجاءت الثورة بالرئيس "فرانسيسكو ماديرو" (1873 -1913) الذي حكم عامين واغتيل سنة 1913 وخلال مدة حُكمه كان معاديا لرجال الدين، وأسس نظاما بهذا النحو هو الذي أدى لكتابة دستور 1917م بمواد معادية للكنيسة الكاثوليكية ويتم عقاب الناس على الشعائر وأي مظاهر دينية بالمطلق ولفهم ظروف كتابة هذا الدستور فقد كان متأثرا بالثورة المكسيكية أي كُتِب تحت مشاعر غضب معادية للكنيسة ولان الدين راسخ جدا في النفس البشرية وجزء أساسي من التفكير والعقل، وهناك من يمارسه لأبعاد روحانية فقد تعاطف الناس مع الكنيسة مرة أخرى ونجح رجال الدين الكاثوليك في كسب الشعبية والجماهيرية اللازمة لخوض حرب ضد الدولة ظلت ثلاث سنوات حتى أدت بعد ذلك لتخفيف القيود المنصوص عليها في دستور 1917 إلى أن انتهت تماما سنة 1992 وعادت الكنيسة الكاثوليكية مؤسسة قانونية ولم تعد الدولة خصما لإيمان الناس كما كانت متهمة من قبل والذي استدعاني لكتابة هذا المقال هو مايحدث الان في إيران علي مايبدو ان الذي يجري هناك الآن هو ظاهرة ثورية شبابية جديدة وهي (خلع عمامة رجال الدين بالقوة في الشارع) فمظالم رجال الدين كثيرة وحكم دولة الخوميني قاسي جدا ومتشدد في الحجاب الإلزامي ومحاكمة الناس على الرأي والاجتهاد الديني فضلا على اغتيال تلك الفتاة التي تدعي"مهسا أميني" وبسبب مقتلها علي يدي الشرطة بعد اعتقالها بسبب التزامها بالحجاب الذي تفرضه الدولة ونتيجة لمقتلها تصاعدت المظاهرات وفجر هذه الأحداث، وإذا نظرنا لهذ المشهد من خارج الصندوق وأنه فعل ثوري يعبر عن تضخم الثورة الليبرالية وحصولها على شعبية سنرى أن بإمكان النظام الديني الإيراني القضاء عليه بمجرد قانون يعاقب على هذا الفعل ويتشدد فيه بدعوى أنه (إهانة لرجال الدين) أولا بوصفهم مواطنين لهم حق الكرامة في الدستور، وثانيا بوصفهم حكام يهيمنون على التشريع الإيراني، وهنا قوة رجل الدين الشيعي ستتعاظم بمجرد صدور هذا القانون ليتم تفسير (إهانة رجل الدين) أنه مجرد الاعتراض أو شتيمه والتعدي عليه بالقول، اذا ماهو الحل لكي ينجح الثوار الإيرانيون في القضاء على نظام خامنئي؟الجواب يبدوا أن الحل ليس هو العنف أو تصوير ثورة الشباب أنها معادية للدين ورجال الدين، حيث كانت هذه أقوى حجة "للخميني" بغرض التمكن و القضاء على "نظام الشاة" الذي كان عنيفا ضد رجال "الدين الشيعة" وايضا كان يقتل المفكرين حتى الذين يمكن تصنيفهم "بالتوسط" بين الفكر الديني والليبرالي وكمثال "علي شريعتي" (1933 – 1977) بكل تاكيد ان العنف ضد رجل الدين هو الذي خدم الكهنة الكاثوليك في المكسيك بعد دستور 1917 وهو الذي مكّنهم من حصد الشعبية وحمل السلاح دفاعا عن إيمانهم، وربما يحدث في المستقبل نفس الشئ بإيران إذا شعر رجل الدين الشيعي الحاكم أن خطر هؤلاء الشباب ليس عليهم كأشخاص بل على الدين ومظاهره وطقوسه وقتها ستجتمع جحافل المؤمنين وقطيعهم الغاضب على رموز وعناصر هذه المظاهرات الثورية الإيرانية الليبرالية وحتي تنجح وتحق اهدافها لابد لها من شروط ذات اهمية كبيرة حتي يتم تتويج النجاح أولا: الالتزامر بالسلمية التامة وعدم ممارسة العنف وغاية ذلك إشعار رجل الدين الحاكم بالأمان الكافي الذي يقنعه بالتنازل ولو على مراحل زمنية بالتدريج من جهة، ولتوحيد الصف الثوري من جهة أخرى، لأن الخلاف حاصل بين الناس في حكمة ممارسة العنف في الاعتراض ومعنى حدوث هذا العنف يعني انشقاق بين المعارضين في تصور أسلوبهم الأمثل في التغيير، الثاني ضرورة وجود قائد ورمز سياسي أو روحي لهذه المظاهرات، لأن عدم وجود هذا الأمر لقد تسبب الان في هذا الضعف وايضا سوف (سيتسبب أكثر) في حدوث فوضى وأفعال غير مدروسة كهذه الظاهرة العنيفة التي تخدم رجل الدين أكثر مما تُهينه، وسنرى أنه فور إقرار قانون يعاقب على فعل هذا الأمر إلى أي مدى ستصل شعبية رجل الدين الإيراني الذي سيقدم نفسه ليس بصفته حاكما للدولة ولكن بصفته (مظلوم مضطهد) و (مدافع عن إيمان الناس) وهذه الصورة هي التي دفعت ملايين الإيرانيين في السابق لدعم الخوميني والثقة فيه ضد كل خصومه،الثالث تبرؤ الثوار أو إعلان بعضهم عدم التبعية لنظام الشاة بهلوي، فأولاد الشاه هم الان أحد محركي هذه التظاهرات بالسوشال ميديا ويدعمهم بعض الإيرانيين في بعض من دول المهجر، وايضا من الاهمية ضرورة براءة الثوار من نظام بهلوي حتمية لإنجاح المظاهرات وشرط أساسي وقوي ومؤثر لأن نظام خامنئي والثورة الإسلامية مستفيد من وجود بهلوي في الصورة، ويستعيد ذكريات حُكمهم التي كان يبغضها الإيرانيون في الماضي، الرابع والأخير استقلال هؤلاء الثوار الشباب سياسيا واتفاقهم على مسودة يعلنون فيها عدم التبعية لأحد من خصوم إيران إقليميا ودوليا، لأن النظام الإسلامي الحاكم مستفيد من تصوير جموع هؤلاء الشباب الغاضب كعميل للأعداء وخصوم واعداء لإيران ويظل اعلام السلطة يروج اعلاميا لهذه النقطة ويظهر الشباب الثائر انهم مجرد عملاء وخونه، وفي هذه الحالة سوف يستفيد النظام الإيراني من المشاعر القومية وسبق القول أن الذي خدم الثورة الإيرانية الإسلامية ليست فقط قوة الخوميني وضعف الشاة ولكن لأنها جمعت بين مشاعر الفخر القومية الإيرانية – وخصوصا الفارسية منها – ومشاعر الفخر الديني بانتساب الإيرانيين لآل البيت، وفقدان المرشد لأحد أو هذين العاملين يعني فقدان سلاح حيوي كان يحميه من انقلاب الشعب عليه ووصولهم قصر الرئاسة مثلما حدث مع الشاة، وغالبا بل دائما أن السياسة لا تعرف العواطف ولكي تفهمها لابد من التجرد قليلا واحترام الواقع، ودراسة الأفعال وجذورها التاريخية ومستقبلها، ونظرة بسيطة في التاريخ سوف نري أن شعبية رجل الدين (الحاكم) تنقص إذا كان معارضيه أكثر عقلا ونزاهة وأكثر توحدا واجتماعا على صيغة معينة للاعتراض، بينما تعلو شعبيته إذا كان معارضيه أكثر تفككا وفوضوية ، وأكثر ممارسة للعنف وانشقاقا حول آليات هذه الممارسة وجدواها وغالبا يستثمر كل مظاهر الفوضي والعنف لصالحه، ان اخطر انواع استقلال العقول والتغرير بالشعوب هو ذلك الصلف وتلك العنجهة التي يمارسها رجل الدين الذي يقف حاملا صحكوك الغفوران والرضي ويلوح بيديه بمفاتيح الجنة التي يدخلها من يرضي عنه ويبعد كل مغضوب عليه لم يوالي حزبه او جماعته او طائفته. وايضا يقف في الناحية الاخري تلك الانظمة الباشطة المستبدة الظالمة الغاشمة تلعب علي وتر القومية والوطنية وتصنف المعترضين علي الفساد والظلم بانهم اصحاب اجندات وعملاء للاعداء، يظل الصراع محتدم وقائم بين الادعياء الذين يحاربون عن ايمان الناس وايضا تظل الحرب بين انظمة الفساد والظلم وتظل الغاية هي السلطة السلطة فحسب ويظل العدو لهم هو مدافع عن العدل ومحارب للظلم وبكل تاكيد لدي اولائك ادوات الاتهام حاضرة هذا عدو للوطنية والقومية وذاك عدو للدين والايمان بالله وعدو لايمان الناس، وهل هؤلاء الظلمة يملكون مفاتيح الجنة والنار يايديهم كما يدعون ويزعمون.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق February, 20 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة