على مدى العشر سنوات الماضية قرأت وتابعت كل من كتب عن الديمقراطية فى السودان خرجت بنتيجة واحدة اننا نرى الديمقراطية ونفهمها بأنها “ديمقراطية مطالب وأشخاص” وليست ديمقراطية واجب وقانون .. بمعنى آخر اكثر سهولة نرى الديمقراطية أشخاصا فقط وليست واجبات وقوانين ايضاً. لا نتكلم هنا عن الديمقراطية السياسية السودانية فقط والتي حصرنا وحاصرنا مفهوم الديمقراطية داخل حدودها ودائرتها ونسينا او بالأدق تناسينا عن سابق قصد ان الديمقراطية كمفهوم حضاري وكمنهج حياتي أكبر وأشمل من أن نحصرها في المناخ السياسى وشخوص سودانية بعينها فقط .. فالديمقراطية طائر كبير لا يطير إلا بجناحين “سياسي وقومي واجتماعي” فهل اولينا مثلا التربية والثقافة الديمقراطية الإجتماعية عناية تذكر في سلوكنا وحكوماتنا المتعاقبة وصحفنا بل حتى في ندواتنا وفي حواراتنا ونقاشاتنا ومقالاتنا وكم ورشة عمل أقيمت لتأصيل وعي عام جديد بمفهوم وبمنهج وبأسلوب الديمقراطية الإجتماعية والعمل المشترك والمساواة...
لا يمكن أن تتحقق ولا يمكن لاي مجتمع كان أن ينجز الديمقراطية بدون ديمقراطيين حقيقيين مؤمنين بالديمقراطية ويمارسونها اسلوباً يومياً في حياتهم في غدوهم ورواحهم كما يقولون.. لا يمكن أن أكون ديمقراطياً ومدافعاً صلباً وحقيقياً عن الديمقراطية ما لم أمارس الديمقراطية اولاً داخل بيتي الصغير وبين أفراد أسرتي فهذا هو واجبي الأول كديمقراطي لأ يصادر حقوق أسرته في التمتع بمناخ وبمساحات ديمقراطية داخل البيت.. وكم وأحد منا سأل نفسه وهو يرفع صوته عالياً ويشحذ قلمه مطالباً بالحقوق الديمقراطية السياسية واستكمالها عن حجم المساحة الديمقراطية وعن مدى التزامه وتطبيقه واعطائه الحقوق الديمقراطية لأسرته الصغيرة ناهيكم عن وطن بحجم السودان يدار خارج نطاق الديمقراطية منذ أكثر من ثلاثين عاما.
هنا تتضح الحقائق وتختبر ديمقراطيتنا الحقيقية من ديمقراطيتنا المظهرية.. كيف نطالب بالحق الديمقراطي السياسي وكيف نحتج على عدم استكماله في الوقت الذي تقمع سلطات الأمر الواقع بالسودان بكل وسائل القمع وأساليبه الحق في ديمقراطية إجتماعية وسياسية داخل البيت الكبير ( السودان) إذا كان هذا القمع موجود داخل البيت الصغير ( الأسرة) ؟؟ كيف اقنع الآخرين بديمقراطيتي وبانني مدافع ومنافح ونصير للديمقراطية في الوقت الذي يجيش ويعبأ ويحشد الناس ضد قانون يمنح نصف المجتمع “المرأة” بعض حقوقها البديهية في حياة زوجية كريمة تحتفظ فيها بكرامتها وانسانيتها ولها حق تقرير مصير هذه الحياة التي هي حياتها الشخصية اساساً.. بأي معنى نفهم الديمقراطية ووسلطات الانقلاب تصادر ابسط حقوق المواطن/ المواطنة المرأة في قانون يكفل له كرامتهم ويكفل لهم صوتا ورأيا في حياتهم . ديمقراطية الانتقاء وديمقراطية مصادرة الحق الاجتماعي والسياسي وهو حق اساسي ورئيسي وليست ديمقراطية على الاطلاق تلك الديمقراطية الزائفة المحصورة داخل الأحزاب والأشخاص وتقاسم المناصب فى السيادى والوزارات والولايات والإدارات والبرلمانات وفى الجانب الضيق.
فالديمقراطية التي نحلم بها فى سوداننا " تعني التوافق أولًا على المبادئ الديمقراطية من تداول سلمي للسلطة عن طريق الانتخاب وبسط الحريات والشفافية، وسيادة القانون، وحفظ الكرامة الإنسانية،" فهي ليست لعبة صفرية يخسر فيها المهزوم كل شيء، وإنما عملية سياسية يكسب فيها الجميع؛ إذ يكسب المهزوم فيها الحرية السياسية مع احتمال كسبه مستقبلًا مع استدامة العملية الديمقراطية. وكلما مالت اللعبة السياسية إلى الصفر بإقصاء أحد الأطراف، بحيث يجد نفسه خاسرًا كل شيء، ازدادت نسبة الانقلاب على الديمقراطية. لذلك يجب أن نقف جميعا بحزم ضد محاولة بعض التيارات والعسكر مصادرة الحراك الثوري لصالحها والقضاء على الأطراف الأخرى.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة