ربما بدت كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق شاسعة في تركيا وسوريا أفدح خسائر في الأرواح والممتلكات من كارثة الحرب في أوكرانيا التي مضى عليها عام كامل. في لمحة بصر قضى الزلزال على نحو 21 ألف شخص وتدمير مئات الآلاف من المباني السكنية والمؤسسات العامة بينما أصبح عشرات الملايين بغير مأوى، حتى أن منظمة الصحة العالمية حذرت من أن كارثة إنسانية أخرى قد تقع ما لم يحصل الناجون على مأوى وغذاء وماء ودواء على وجه السرعة. إن الزلازل والفيضانات ظواهر طبيعية بيد أن الحروب أخطاء بشرية بحتة. والصورة المقلوبة في عالم اليوم، يتم تجييش الرأي العام محليا ودوليا لحشد الموارد المادية والبشرية وقودا لهذه الحرب العبثية، بينما مثل هذه الكوارث لا تعير اهتماما وحشدا للرأي العام إلا بقدر حفظ ماء وممارسة العلاقات العامة. وفيما تركيا تتمتع بنظام سياسي مستقر واقتصاد قوي، فإن سوريا وشعبها تمعن الكارثة فيهم آلاما فوق طاقة البشر. وتجاوزت تركيا من قبل بنجاج آثار زلزال مشابه ضرب شمال غربي البلاد في العام 1999 والذي كان قد أسفر عن سقوط 17,000 قتيل. أما هذا الزلزال فيعدّ أحد أكثر الكوارث الطبيعية دويا في القرن الجديد. وتمارس أجهزة الإعلام ومراكز اتخاذ القرار في جزء من العالم مجموعة الضغوط والأحكام على الجماهير لتوجيه قوة الرأي العام نحو وجهة بعينها، ليسير عبر الجماهير، ثم تتشكّل عنه طاقة لها فعالية في عمليات التغيير السياسي. ويعتبر الرأي العام قوة ذات أثر كبير في حياة الناس اليومية. فهو الذي يبني الشهرة ويهدمها، ويؤازر هيئات الخدمة العامة ويضع القوانين ويلغيها، كما هو الذي يرعى التقاليد الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية أو يتنكر لها، وينفخ في الروح المعنوية أو يُثبّطها. وليس غريباً أن يوصف بأنه أكبر قوة عرفها البشر طوال تاريخهم الطويل، وأنه يمثل الإرادة الواحدة للجماعة الإنسانية. ويمثّل أيضا القوة المعنوية التي تتحقق بها الأهداف المشتركة لكل جماعة منها. وإذا تحولت هذه القوة المعنوية إلى قوةٍ ماديةٍ في ظروف معينة، أصبحت كالطوفان، واكتسحت أمامها كل شيء ولم تبالِ بأي شيء. وكون الرأي العام نتاج جمعي، فهو ييسّر تنسيق العمل الذي لا يشترط أن يقوم على الإجماع، أي أن الرأي العام يتجه دائما نحو اتخاذ قرار رغم أنه لا يتسم بالإجماع. وللرأي العام خصائص كثيرة تُعيي مراكز القرار والإعلام الذي يدور في فلكهم؛ فهو ظاهرة متغيرة فالناس عادة لا يثبتون على حال واحدة. من هذه الخصائص التبرير فالفرد قد يجنح لتبرير سلوك معين بأسباب منطقية يقبلها العقل مع أن أسبابه الحقيقية انفعالية. أما خاصية التعويض تتبدى عندما يكون حظ الدولة صغيرة من التقدم محدودا، فإنها تلجأ على لسان النخبة أو القيادة إلى تعويض هذا النقص بإبراز صفات أخرى كالتاريخ. ومن خصائص الرأي العام كذلك، ما يعرف بالتقمّص أو التماثل؛ فإسرائيل تحاول تقمص شخصية الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبر نفسها قاعدتها المتقدمة في المنطقة العربية. إذن لا يوجد ما يمكن أن نسميه رأيا عاما ثابتا دائما، لأن من شروط الرأي العام أن يكون ناتجا عن حركة ديناميكية، وإلا تحول إلى عقيدة أو قيمة أو عادة. كما يجب ألا يتم الخلط بين الرأي العام الذي سِمته عدم الاستمرار، وبين العادات والتقاليد التي لها صفة الدوام والثبات والاستقرار. ويرى الفلاسفة وعلماء السّياسة، أن العادات قواعد اجتماعية تكونت على مر الزمن واكتسبت احترام الرأي العام وتقديسه. وهناك فارق بين التقاليد والعادات والرأي؛ فالعادات أكثر ثباتا من الرأي وأرسخ منه. ومع افتراض أن بعض الناس تعودوا تناول اللحوم كل يوم فهذا لا يعد اتجاها لأنه ليس اتجاها نحو مشكلة، أما إذا فرض واختفت اللحوم من السوق أو ارتفع ثمنها، أي وجدت مشكلة، فهنا يظهر الرأي العام، وحين تحل المشكلة يزول الرأي العام. ويمكن لإنسان ما أن يحمل، بكل صدق، رأيين مختلفين جداً، أو متناقضين أحياناً حول الموضوع نفسه، وذلك حسب إبدائه لهذا الرأي باعتباره عضواً في مجموعة اجتماعية أو بصفة شخصية. ولكن الآراء المتعارضة لا تعيش في نفس الفرد إلا من خلال ضغط المجموعات الاجتماعية المتنوعة التي ينتمي إليها. فمعظم الناس يحرصون، قبل كل شيء على «التناغم» مع الآخرين، ونادراً ما يجرؤون على تعكير الانسجام المهيمن عليهم بطرح فكرة مضادة للفكرة العامة السائدة. يقول الصحفي الأمريكي وولتر ليبمان 1899م في كتابه: الرأي العام، إن كل رأي يقوم على ما أسماه بـ «القالب المصبوب» وعُني بذلك أن عقول الناس كأنما تصب في قوالب، فهذه العقول لا تنتج إلا نفس الآراء العامة المصبوبة فيها. وذلك مثل الاعتقاد المسبق بأن الصباح يكون ندياً، أو أن الفتاة العذراء خجولة، أو أن القسيس يكون رجلاً قديساً، أو أن كل رجل إنجليزي مفتقر إلى روح الفكاهة والدعابة. وتظل هذه الأحكام قائمة طيلة الوقت دون تمحيص أو فحص. ويتكون الرأي العام عبر خمس مراحل، أولها إدراك المشكلة ولوسائل الإعلام دور مهم في هذه المرحلة في إثارة الاهتمام بالمشكلة. أما المرحلة الثانية فتعرف بمرحلة المناقشة الاستطلاعية وتعدد الآراء، حيث تظهر وجهات النظر المختلفة في تصور المشكلة وحلولها. وتسمى المرحلة الثالثة بمرحلة الصراع حيث يبدأ الصراع – ضمن عمليات المناقشة – بالأفراد وينتهي بالقوى الاجتماعية القائمة، فيصبح صراعاً فئوياً أو طبقياً. وتعرف المرحلة الرابعة بمرحلة البلورة والتركيز حيث تؤدي عملية الصراع إلى وضوح الأبعاد والمفاهيم فتبدأ وجهات النظر في الالتقاء والتقارب. أما المرحلة الخامسة فتعرف بمرحلة الرضا والاتفاق والانقضاء، مع استبعاد الآراء المتطرفة والوصول إلى الحلول الوسط بالنسبة إلى بعض النقاط، فيصبح هناك رأي يحوز على رضا الأغلبية وقبولها.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق February, 10 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة