يستهلك الخطابُ السياسي السوداني كثيرا من المفاهيم، وغالبا ما يتم إخراجها من سياقها التطبيقي والنظري، ويتم تهجينها في البيئة السياسية السودانية. فمثلا خطابات قادة قوي إعلان الحرية والتغيير التي تحدثوا فيها صراحتاً عن عدم مشاركتهم في السلطة الانتقالية ، لكنهم وقعوا وثيقة دستورية مع العسكر وذهبوا إلى المحاصصة حتي اختلفوا في ما بينهم ، وحين تم توقيع سلام جوبا المزيف ، جاءت الحركات إلي الخرطوم وحدث ما حدث واستبدلت الشراكة مع العسكر بالقوة الجديدة وهم موقعو سلام جوبا ، ومن هنا بدأت تتصدر الشعارات مفردات مثل المجلس المركزي وكتلة ديمقراطية ونداء أهل السودان ، وكلها تسوَّق بعناوين وطنية رنّانة ، ولكن في باطنها تريد السلطة فقط ولا يهمها الوطن ولا شعبه ، ومنهم من يتحدثون عن اتفاق القوة السياسية ما عدا المؤتمر الوطني . إذا كان الاتفاق يعني الاتفاق على منظومة القيم التي تحدد المصلحة العامة في العلاقة بين المجتمع والدولة، ومِن ثمَّ تعطي مشروعية لعمل النظام السياسي، فإن مفهومه بالخطاب السياسي السوداني يختلف، إذ لا مكان للمجتمع، ولا للمصلحة العامة عندما يجري الحديث عن الاتفاق فهو ليس كذلك في إدراك الطبقة السياسية في السودان، فالمقصود هو اتفاق على تقاسم السلطة فيما بينهم. فمن يتفق ومن يتحاور هم مجموعات من الانتهازيين لا يمثلون إلا أنفسهم ، والمفارقة أنهم إذا اتفقوا قد يكون هذا الاتفاق بعيدا عن اعتبارات قبول ورضا الشعب السوداني ، وما يتم تسويقه الآن في الساحة السياسية السودانية ما هو إلا شيطنه سياسية غايتها التسويف وهدفها التغلب بين القوى السياسية على إرادة الشعب. كما إنه لم يتم إلا بعد تدخل خارجي . حقيقة الأوضاع القائمة في السودان تعكس ظاهرة التباعد والافتراق بين الأحزاب والكتل السياسية التي أصبحت تشكل حالة من عدم وجود قواسم مشتركة بين الفرقاء السياسيين للاتفاق على صيغة واضحة ومحددة لكيفية قيادة البلاد في المرحلة الانتقالية ، لأنهم لا ينظرون إلى مصلحة أبناء الشعب السوداني ولا يساهمون في تعزيز الوحدة الوطنية بعيدا عن الافتراق والاختلاف الذي يؤذي الجبهة الداخلية ويعطي لأعداء الوطن المجال للتدخل والتأثير على حالة الأمن والاستقرار المجتمعي. تتشابك الأحداث وتتطور الوقائع لنكون أمام طرق مسدودة واختبارات غير معبدة تكون نتائجها وعواقبها وخيمة على مجمل الأوضاع القائمة في السودان بحيث أصبحت حالة من القلق والتوجس من الوصول لمنعطف سياسي نتيجة الخلافات والصراعات القائمة وعدم وجود قاعدة ترتكز عليها هذه الأطراف لسد الهوة بين الفرقاء السياسيين وتجنب حالة الافتراق والابتعاد الذي من الممكن أن ينقل السودان ليكون شبيها بالمأزق والمشهد الأفغاني وصولا إلى صراعات داخلية ومواجهات ميدانية وقتال بين الأطراف السياسية في وضع لا يحمد عقباه ويؤثر على حياة ومستقبل أبناء الشعب السوداني . القدرة على التأثير في الأحداث السياسية أصبح يخضع لتوازنات المصالح ، وفشل الحكومة الانتقالية الأولي كان بسبب المحاصصات واقصاء الآخرين ، إذا استمرت قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي في نفس الخطأ السابق ووقعوا اتفاق نهائي بدون بعض الأطراف الرافضة لوثيقة المحامين ، من هنا يبدأ التخوف الحقيقي في الساحة السودانية من ظهور حركة تمرد جديدة علي السلطة الانتقالية ، إذن، لا يمكن السير في جوق المطبلين والمستبشرين بالاتفاق الاطاري ، لأنَّ إعادة هذا الموضوع في شريط أحداث الذاكرة السياسية، لا تزال مرتبطة بالوثيقة الدستورية السابقة التي اوصلتنا إلي هذا المرحلة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق January, 12 2023
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة