منذ وقت طويل وددت لو كتبت عن مشكلة ضعف التشريح في السودان، ويبدو انه يتم بوسائل بسيطة جداً، كما أنه مجرد تحليل يتم بشكل سطحي عبر النظر وخبرة العين (تحليل بالنظر)، فلم أجد حتى الآن تقريراً يتضمن وزناً للمخ أو لعمليات نسيجية معقدة. لكن ما لفت نظري هو ما ورد في تقرير وفاة وسام حاتم مضوي المسرب والذي وضحت فيه أخطاء قانونية فادحة: فقد جاء في التقرير: "... والطلق الناري المتعدد في الراس والخد الأيمن مما يدل على قصد الإيذاء والقتل المتعمد". والخطأ القانوني هو خلط من قام بالتشريح بدوره العلمي كطبيب شرعي وبين دور القانون، فقام بحسم مسائل لا علاقة له بها، فليس من مهمة الطبيب الشرعي تحديد القصد الجنائي ولا العمد كصورة من صور القصد الجنائي،.. بل هما أساساً لا يتأسسان فقط على وجود طلق ناري، فقد ينتفي القصد الجنائي حتى لو أطلق أحدهم الرصاص على شخص، وذلك كما لو أنه كان يصطاد غزالاً وبشكل مفاجئ مرّ انسان أثناء إطلاق الرصاص فأصابته الرصاصة في جمجمته. فالقصد الجنائي لا يتحدد فقط بوجود جرح او سجحات أو ثقب رصاص، بل هناك عوامل كثيرة تتداخل ليقرر القاضي إذا ما كان القتل عمداً أم شبه عمد أم خطأ. فهي مسألة قانونية محضة وليست مسألة طبية. ولذلك فليس من وظيفة الطبيب الشرعي أن يحدد القصد الجنائي، وليس مطلوباً منه ذلك. فتقرير الطبيب الشرعي يجب أن يكتفي بما يليه من تخصص. ولا يتدخل في مسائل القانون بأي حال من الأحوال، لأن مسائل القانون تترك لأهلها. وهذا مبدأ متفق عليه في كل الأنظمة الجنائية في العالم. وليس هذا محصوراً في الطب العدلي بل حتى سائر عمليات الأدلة الشرعية التي يستخلصها العلماء المتخصصون في علوم أخرى، كالكيمياء العدلية والأدلة الرقمية العدلية وغير ذلك من حقول علمية تتعلق بتحليل مسرح الجريمة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق November, 28 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة